بعد أن توقف إطلاق النار كان نحو مئة شخص قد قتلوا في الصحراء على يد متشددي تنظيم الدولة الإسلامية.
كان الضحايا من عشيرة البو نمر، وهي عشيرة سنية قوية تعارض تنظيم الدولة الإسلامية، الذي كان يعرف سابقا باسم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش“.
وأدى نفاد الذخيرة إلى فرار أفراد العشيرة من جبهة المعركة، في محافظة الأنبار في غربي العراق، لكن متشددي التنظيم تعقبوهم، وحدثت مذبحة لهؤلاء المسلمين السنة.
ويقول أبو أحمد (اسم مستعار)، شرطي سابق، إنه أصيب مرتين، في ذراعه وساقه، لكنه نجا بعد أن استلقى على الأرض بلا حراك بين جثث الضحايا.
وقال :”اختبأ الكثير منا وسط الأحراش”.
وأضاف: “جاءوا (متشددو التنظيم) في نحو 40 سيارة. وبدأوا يطلقون علينا النار، وقالوا (أخرجوا أيها المنشقون، لولاكم لكنا قد استولينا على بغداد)”.
وقال :”كان الرصاص يتطاير في الهواء. رأيت الكثير من جثث القتلى. ومن نجا قيدوه وأخذوه معهم. ولا أدري ما حدث لهؤلاء”.
“خيانة الحكومة”
وقال أبو أحمد إنه كان يعرف رجال العشيرة الذين قتلوا بالرصاص وكان الكثير منهم من رجال الشرطة والجيش.
وبعد ساعات من هذا الإعدام الجماعي، سار أبو أحمد عبر ساحة قتل أخرى راجعا في اتجاه بحيرة الثرثار، شمالي محافظة الأنبار.
وقال :”كنت أرى في كل بضع دقائق نحو 20 إلى 25 جثة على الأرض”.
وأضاف :”كان من بينهم نساء ورجال وأطفال. كما رأيت جثة لطفل ميت يبلغ حوالي ثلاثة أشهر. حملته بيدي والتقطته من على الأرض”.
وقال إن عدد القتلى يتراوح بين 80 إلى مئة قتيل، من بينهم بعض أبناء عمومته.
أدلى أبو أحمد بشهادته لنا عبر الهاتف، نظرا لصعوبة الوصول إلى معظم المناطق في محافظة الأنبار نتيجة وجود تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال لنا :”لقد خانتنا الحكومة”.
وأضاف :”قالوا لنا (قاتلوهم وسوف نساعدكم) ولم يفعلوا أي شئ. لم يعطونا أسلحة ولم يرسلوا لنا أي شئ. وبعد 13 يوما من القتال، بدون دعم جوي، نفدت الذخيرة”.
وأكد الشيخ نعيم الكعود، أحد شيوخ العشيرة، إحساس خيانة الذي يشعر به أبو أحمد، وقال لنا إن رجاله سُلموا لتنظيم الدولة الإسلامية بسهولة.
وأضاف :”الحكومة تخلت عنا. طلبنا منها مرارا أسلحة ولم نحصل منها إلا على وعود. لقد ساعدنا الحكومة في شن الضربات الجوية، لكنهم لم يحفظوا كلمتهم”.
أساليب الترهيب
يقول شيوخ عشائريون إن إجمالي عدد القتلى في صفوف عشيرة البو نمر وصل حتى الآن إلى ما يربو على 630 قتيلا، ومازالت الحكومة لا تقدم أي مساعدة.
وتحمل عملية القتل الجماعي لأفراد عشيرة البو نمر دلالات تتجاوز حدود العشيرة نفسها، فما حدث من إراقة دماء هو بمثابة تحذير للعشائر السنية الأخرى التي تعارض تنظيم الدولة الإسلامية، حسبما قال هشام الهاشمي، المحلل في الشؤون الأمنية العراقية.
وقال الهاشمي :”تمثل الوحشية التي يمارسها تنظيم الدولة الإسلامية أهمية بالغة، فهي فعالة أكثر من المعارك نفسها”.
وأضاف :”لقد شاهدت العشائر السنية الأخرى مذبحة البو نمر. وستظل الأغلبية على الحياد بعيدا عن القتال”.
وتعد هذه مشكلة بالنسبة لحكومتي بغداد وواشنطن، حيث تسعى الحكومتان إلى دمج المزيد من العشائر السنية في ميدان المعركة ضد التنظيم.
لقد لعب رجال العشائر دورا رئيسيا في مساعدة الولايات المتحدة في هزيمة تنظيم القاعدة في العراق (الراعي السابق لتنظيم الدولة الإسلامية) في الفترة بين عامي 2006 و 2007 . حدث ذلك خلال ما يعرف باسم “الصحوة السنية” عندما كانت الميليشيات مدرجة على كشوف الرواتب الأمريكية.
وقال الهاشمي :”كلما التقوا رئيس الوزراء (العراقي) حيدر العبادي، قال إنه لا يملك أسلحة يعطيها لهم. إنهم يرون أن الحكومة ضعيفة، ويعتقدون أنها لا تستطيع أن تدعمهم على الإطلاق”.
ويصر فالح الفياض، مستشار الأمن الوطني العراقي، على أن الحكومة تسعى لمساعدة العشائر، الذين يشكلون، حسب قوله، رأس الحربة في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية في الأنبار.
وأضاف متحدثا لبي بي سي :”بالفعل الكثير من العشائر أكثر رغبة وتصميما على قتال داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) من بعض قواتنا”.
وقال :”تواجه الحكومة والعشائر ضغوطا عديدة من بينها النقص في الأسلحة، لكننا نبذل قصارى جهدنا، بشتى السبل، للحصول على السلاح وتزويد العشائر به وكل من يحارب داعش“.
ونفى الفياض مزاعم إهمال الحكومة التي أشار اليها بعض افراد عشيرة البو نمر.
وقال :”تخوض الحكومة معركة شرسة في الأنبار. ومعظم وحدات الجيش والأسلحة والمركبات في الأنبار. وقد لقي عدد كبير من الجنود فضلا عن ابناء المنطقة حتفهم فيها”.
أسلحة السوق السوداء
في الوقت ذاته، مازالت عشيرة البو نمر تسعى إلى قتال تنظيم الدولة الإسلامية. وقال لنا أحد شيوخ العشيرة إنهم يشترون الأسلحة من السوق السوداء في ظل غياب دعم الحكومة.
كما تخوض عشيرة الجبور في محافظة صلاح الدين، في شمالي العراق، معارك بمفردها ، حسبما قال الشيخ مروان الجبوري.
أخرج لنا الشيخ مروان بفخر صورة شقيقته، أميمة، وهي تحمل السلاح.
وقد قتلت أميمة، اخصائية في الرعاية الاجتماعية وأم لأربعة أطفال، في معركة في يونيو/حزيران الماضي بعد أن قتلت ثلاثة من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال شقيقها :”بمجرد أن سمعت أن تنظيم الدولة الإسلامية في الموصل، بدأت تأخذ بندقية آلية في كل مكان. وقالت (لن يدخلوا منطقتي ، إلا على جثتي) . ويقارن الناس بينها وبين جنرالات هربوا في الموصل وتكريت”.
وأضاف أنه غاضب لأنه فقد أميمة وكل الذين تُركوا يواجهون مصيرهم، كما أعرب عن قلقه بشأن نحو 50 فردا من رجال عشيرته قيد الأسر لدى تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال :”خوفنا الأكبر هو تكرار سيناريو عشيرة البو نمر. فالقتل جزاء كل من يظهر أي معارضة، حتى لو كانت بسيطة، لتنظيم الدولة الإسلامية“.