بسخرية فظة يقول المفكر الفرنسي الكسندر آدلر «ما لم يتمكن الله ان يفعله تفعله اميركا: ان تجمع السنّة و الشيعة في خندق واحد»، ليلاحظ كيف ان التاريخ يجر باسنانه هؤلاء الناس. الجغرافيا لا تعني شيئا. لا فارق لدى البدوي بين ان ينصب خيمته في الصحراء او ان ينصبها في لاس فيغاس او على سطح المريخ…
لكأنه، وهو اليهودي، يستذكر قولاً لليهودي الآخر دانيال بايبس من ان اولئك العرب مازالوا عند اعتقادهم ان الدنيا (والآخرة) توجد حيثما توجد الف ليلة و ليلة…
الرجل لا يلبث ان ينصحنا بالمثل الفرنسي القائل «ىنبغي ألا ننتعل احذية الموتى حين نشق طريقنا»، قد تكون المشكلة في اننا نعتمر عمائم الموتى…
تابعوا ما يقوله المعلقون الاميركيون على الشاشات وما يكتبونه في الصحف. هل تفهمون شيئا سوى انهم ينظرون الينا على اننا ثيران ثائرة ويفترض اعادتها بالقاذفات لا بالحبال الى الحظيرة؟
تستوقفنا الابحاث المتلاحقة التي تسأل كيف ان الايديولوجيا يمكن ان تتقيأ كل هذه الجماجم. كما لو ان اوروبا لم تفعل اكثر من ذلك بكثير قبل ان يأتي من يقول لهم ان ثقافة المداخن هي اجدى بكثير من ثقافة المقابر. هل لاحظتم الى اي مدى استوطن فينا ذلك الايقاع الجنائزي الذي حمل محمد اركون على ان يصرخ ذات يوم «ايها السادة، لم يخلقنا الله… موتى».
وقال «الحداد لا يليق بالحياة. اسألوا الله ثانية. حقاً لماذا لا نسأله؟».
الاميركيون يوحدون السنّة والشيعة الذين لا ندري على ماذا يختلفون. كما لو ان بول بريمر الذي حاول اخيرا الدفاع عن نفسه لم يقلد الانكليز بأن يبعثر العراق مذهبياً واتنياً. في ثورة العشرين من القرن الماضي حاول القائد الانكليزي اقناع شيخ قبيلة سنّي بأن الشيعة يثورون من اجل ان يستأثروا بالسلطة. ردّ عليه «لسنا شيعة ولسنا سنّة بل عرب يا صاحب السعادة».
مللنا من تكرار الحديث عن مشروع جون فوستر دالاس و شقيقه آلن (الاول وزير الخارجية في عهد دوايت ايزنهاور والثاني مدير وكالة الاستخبارات المركزية) بصناعة ذلك الطراز من الاسلام الذي لا يليق بالضباع، وعلى اساس ان هؤلاء يقاتلون الايديولوجيا الحمراء(الشيوعية) بالايديولوجيا السوداء (اي الاسلام). السناتور وليم اولبرايت هو الذي تحدث عن هذا، ربما بالتزامن مع الديبلوماسي والاقتصادي البارز جون كنيث غالبريث…
الآن، يقول الديبلوماسيون الاميركيون «لقد افلت الغول من ايدينا». نحن في لبنان خائفون من الخلايا النائمة. ماذا تفعل انظمة اخرى حين تخاف من القبائل او حتى من الشعوب( والجيوش) النائمة؟
هم يعترفون ومعم صحافيون كبار بأن ثمة دولاً نفطية مهددة فعلاً بالانفجار. لم يكونوا يتوقعون ان رجلاً ( او شبحاً) مثل ابي بكر البغدادي يمكن ان يستقطب حتى بعض اعضاء العائلات الحاكمة، وصولاً ، بطبيعة الحال، الى اساتذة وطلاب الجامعات، والى الضباط والطيارين، وحتى الى الرعاة وسائقي التاكسي. كيف ولماذا، أليس هناك من عالم سوسيولوجي يبحث في ديناميات ذلك الاستقطاب؟
لاحظوا ما يقوله باراك اوباما من انه لا يستطيع ان ينسق مع النظام السوري كي لا يستثير السنّة فيلتحقوا بتنظيم الدولة الاسلامية ( داعش). قال هذا بلغة مواربة كما اعتدنا من كل المسؤولين الاميركيين الذين طالما اشتهروا بالعبارات البسيطة. الآن بتنا بحاجة الى من يفك الطلاسم. شيء ما من الشعوذة اللغوية التي تتقاطع مع الشعوذة الاستراتيجية…
لا نبرىء انفسنا، ولكن من صنع تلك الانظمة القبلية التي لا تزال ترتبط بـ «ثقافة الكلأ» والتي تحظر اي تعامل مع التكنولوجيا، سوى ان نستهلكها. ولنأخذ ايران مثالاً. هل تلاحقها العقوبات و التهديدات بسبب هواجسها الجيوبوليتيكية (وهذه مسألة مشروعة في لعبة المصالح) ام بسبب ما دعاه عاموس جلعاد، رئيس شعبة التخطيط في الجيش الاسرائيلي «الهيستيريا النووية»، وهو يقصد تحديدا الهيستيريا التكنولوجية…
كل ما هو مطلوب منا ان تحل الكافيار محل اليورانيوم، والكوكاكولا محل الماء الثقيل. لا تكنولوجيا تدفعنا الى العصر بل ايديولوجيا تجرنا الى العصر الحجري. تذكرون كيف دمرت قاذفات مناحيم بيغن المجمع النووي العراقي 7 حزيران 1981…
اوباما غسل يدي اميركا من اي مسؤولية عن كل ما حدث لنا على مدى نصف القرن المنصرم. لا بأس، وليم كريستول اذ وصفنا بالمخلوقات الهلامية( اللزجة) لم يتوان عن التساؤل «لماذا بدأوا من حيث توقف الهنود الحمر؟».
واشنطن اعلنت النفير. ليس من اجل ثلاثين الف رجل يتبعون مولانا الخليفة، وانما لانها اكتشفت ان المنطقة تعيش ذلك الزلزال الايديولوجي الهائل. اي انظمة تستطيع الصمود؟ النفط الذي ليس مجرد سلعة تجارية بل هو سلعة استراتيجية كما بدا اخيراً قد يصبح في قبضة تلك الادمغة المجنونة. ولعلمكم فإن الخبراء يتحدثون عن احتياطي يتعدى التريليون برميل وليس فقط نصف هذه الكمية، وعن مناجم الكوبالت و اليورانيوم…
ابو بكر البغدادي يريد النفط، حتى ولو استخرجه «كما يقول السلف» بالاوعية الخشبية. اذاً، لا بد من الصرخة الاميركية، واعادة هيكلة المشهد. لنفكر معاً بما وراء كلام اوباما انه لا يتعاون مع نظام دمشق خشية ان يتحول السنّة الى البغدادي…
نفهم اميركا لانها، فقط، عصيةعلى الفهم!!
نبيه البرجي
لماذا يهدّد الروس العالم بالسّلاح النووي؟
كان الخطاب الذي أطلقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الاحتفال بضمّ الأقاليم الأربعة إلى روسيا بمنزلة استكمال للخطاب السابق الذي...