مثلما هو على خط الزلازل،هو على خط الصفقات. هذا هو الشرق الاوسط، ولقد آن الاوان لكي نوقف العمل بذلك القول لبرنارد لويس عن المنطقة «عربة قديمة وتقودها آلهة مجنونة»!
ايضا مثلما نقبع جميعا داخل الزلزال نقبع جميعا داخل الصفقة. واذا كان الاميركيون، وهم الحوذي الحقيقي وربما الوحيد لتلك العربة قد رسموا الخطوط الحمراء في المنطقة، فالثابت انهم، بأساطيلهم الهائلة، لا يمكن ان يحولوا دون انفجار الدول الصديقة، العباءات الصديقة، من الداخل…
لا نحتاج الى الاشعة ما تحت الحمراء لنرى الى اي مدى بلغ الجزع لدى بعض الانظمة، الانظمة المقدسة، والى حد حزم الحقائب لان تنظيم الدولة الاسلامية وان كان، في لحظة ما، لا بد ان يتقهقر عسكريا فقد هز المجتمعات الآسنة او الصدئة او بالاحرى التي فرض عليها، وبلغة القرون الوسطى، ان تكون آسنة او صدئة، وتختال خارج لعبة الازمنة…
ثمة خطر يضغط على الجميع. لا يكفي نثر الذهب على روؤس الناس حين تكون افواههم مختومة بالشمع الاحمر، كذلك وجدانهم السياسي والعقائدي. من عقود نبّه محمد اركون الى «ان الله لم يبعث بمحمد ليعلّمنا ثغاء الماعز، بل ليعلمنا كيف نصنع الحياة. استطراداً، كيف نصنع الزمان».
الاميركيون الذين غضوا الطرف عن تنامي «داعش» على ذلك النحو البدائي لانهم بحاجة دوما الى الفزاعة التي تثير الهلع لدى الشعوب كما لدى الانظمة، فوجئوا. هكذا يقولون على الاقل، بأن تنظيم الدولة الاسلامية يكسر ذلك الايقاع الذي اغتذت منه الاستراتيجية الاميركية على مدى سنوات طويلة، وهو تقديم ايران على انها «الشيطان الاكبر»، وليس اميركا، وانها تخطط لتفتيت المنطقة مذهبيا، وهي الضائعة بين اللوثة العقائدية ، بكل جنونها، واللوثة الجيو سياسية بكل جنونها…
وحتى عندما كان مقاتلو «داعش» يطرقون ابواب بغداد وابواب اربيل، بانتظار ان يصلوا الى كل الابواب الاخرى، بقي هناك بين العرب، كما في الغرب وحيث الزبائنية حلت كلياً محل القيم، من يدعو الى ابقاء ايران خارج اي ائتلاف دولي، وحتى خارج اي «رؤية دولية» كما دعا ايهود يعاري، الباحث في معهد واشنطن لشؤون الشرق الادنى، والذي تقاطعت مواقفه مع العديد من الكتّاب العرب الذين تراهم يزهون تحت السراويل الموشاة بالذهب…
قد يختلف المرء مع ايران في اشياء كثيرة، على مستوى الفكر كما على مستوى الاداء، دون ان يعني ذلك الانزلاق الى السياسات الغبية التي تعتبر ان الصراع معها هو صراع البقاء بعد تضخيم دورها، على ذلك النحو المبرمج، لتبدو وكأنها الامبراطورية العظمى التي تهدد الكرة الارضية بأسرها، فيما الخطر الذي في ظهورنا هو المؤسسة اليهودية.
نستعيد هنا ما قاله مارك سايكس (لمن يتذكر الاتفاقية الشهيرة مع جورج بيكو) في رسالته الى الامير فيصل. وكان وزير الخارجية البريطاني لا سامياً قبل ان يتحول الى صهيوني متعصب «ولكن صدقني ان هذا الجنس الضعيف والمحتقر (اليهود) هو عالمي وبالغ القوة وما من احد قادر على وقفه عند حده».
بطبيعة الحال، لا يمكن ان ننظر عنصريا الى اليهود حين يكون بينهم رجال مثل باروخ سبينوزا وكارل ماركس وسيغمند فرويد وناعوم تشومسكي، ولكن اين هي ايران مهما بلغ الهاجس الجيوسياسي لديها امام الهاجس التوراتي لاسرائيل… اسرائيل الكبرى التي من قال انها تتوقف عند النيل والفرات؟
لاحظنا التقاطع الاستراتيجي، وربما الايديولوجي، بين بنيامين نتنياهو وابي بكر البغدادي، وصولا الى ابي محمد الجولاني .امام العيون المقفلة لبان كي مون فتح الجنود الاسرائيليون الابواب امام مقاتلي «النصرة» للدخول باسلحتهم الى المنطقة المحايدة، واطلقوا النار من هناك على قوات النظام، ليشاركهم الجنود الاسرائيليون، وعلنا، ذلك..
التنسيق لا يقتصر على منطقة القنيطرة، وحيث الفضيحة (بل الحقيقة) بأجلى صورها. الاسرائيليون سبق وابلغوا دولاً عربية «صديقة» انهم مستعدون لتقديم كل دعم لوجيستي وعملاني واستخباراتي لقوات عربية تنطلق من الاردن في اتجاه دمشق.
حكي علناً عن تغطية جوية اسرائيلية كاسحة لأرتال الدبابات التي وصل بعضها، منذ نحو عام، الى الاردن بانتظار ساعة الصفر قبل ان يتريث الاميركيون بعدما تبين لهم ان هناك مسؤولا استخباراتيا عربيا بارزا «جهز» ابا محمد الجولاني ليكون بديلا عن بشار الاسد ويتقدم باتجاه الحدود اللبنانية للاستيلاء على الصوامع المفترضة لصواريخ «حزب الله».
الآن لغة اخرى ورؤية اخرى. لنتصور ذلك (مجرد تصور) على الاقل. ذاك الخيط السري، او ذاك الخط الساخن، بين نتنياهو والبغدادي من اجل تفجير المنطقة وتفتيتها. هذا ليس من مصلحة ايران التي تسعى انقرة، وبالرغم من الضحكة المخملية لرجب طيب اردوغان، الى محاصرتها بـ «الهلال التركي» في آسيا الوسطى كما في القوقاز، و بالتنسيق مع القاعدة و مشتقاتها ، وهذا ايضا ليس من مصلحة السعودية التي تدرك تماما حساسية التطورات واحتمالاتها…
الايرانيون قاموا بأكثر من «خطوة نووية» لتأكيد سياسة الانفتاح والاعتدال، دون ان يعني ذلك، في حال من الاحوال، التخلي عن الحلفاء، حتى ان اصواتا اميركية واوروبية بدأت تدعو الى» الشراكة الاستراتيجية مع آيات الله» في مواجهة الارهاب. السعوديون على ما يبدو قاموا بأكثر من خطوة نحو منتصف الطريق…
ترانا نراهن على مشهدية اخرى في الشرق الاوسط؟ انظروا. ثمة شيء ما في الافق. شيء ما لا يبعث على كل هذا اليأس…
لماذا يهدّد الروس العالم بالسّلاح النووي؟
كان الخطاب الذي أطلقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الاحتفال بضمّ الأقاليم الأربعة إلى روسيا بمنزلة استكمال للخطاب السابق الذي...