وكأنه لم يكن يكفي لبنان جفاف الاستحقاقات وفراغ المناصب، ليضاف الى الجفاف السياسي جفاف طبيعي يضع اللبنانيين امام خطر فراغ جديد في مخزونه المائي، فلبنان والذي كان يعتبر في الوقت القريب حزان المياه للشرق الاوسط والتي شنت اسرائيل اقوى الحروب على ارضه للحصول على هذه الثروة الضخمة.
يشهد لبنان منذ سنوات تراجعاً كبيراً في نسبة هطول الامطار وتوزعها على مدار العام، وصلت إلى حدود الخطر خلال السنوات الماضية حيث لم تتعدى كمية المتساقطات لهذا العام 400 ملم فيما المعدل العام للمتساقطات في بيروت هو 750 ملم سنوياً. بحسب إحصاءات وزارة الطاقة والمياه، فإن الحاجة الفعلية للمياه في سنة جافة طبيعية تبلغ 1480 مليار م3، في حين أن الكمية المؤمنة بوجود سدين القرعون وشبروح تبلغ 1097 مليار م3 ما يعني إن نسبة العجز المائي تبلغ 400 مليون م3 سنوياً.
بعد هذه الرقام المقلقة فإن المياه السطحية لن تكون كافية لتلبية الطلب، وبالتالي سيلجأ المستهلك إلى استبدالها بالآبار الجوفية التي ستنضب بسرعة أيضاً، خاصة بعد الطلب المتزايد على المياه بسبب الازمة السورية وحجم النزوح الكبير في لبنان.
بالاضافة الى عوارض التبدل المناخي التي تصيب لبنان والذي أصبح يفتقد فصوله الأربعة التي تميزه عن باقي الدول الإقليمية. وتتوقع الدراسات حول التغير المناخي في لبنان أنه سيحدث تغييرا في نسبة وتوزع الأمطار وارتفاع الحرارة بمعدل ? إلى ? درجات إذا استمر ارتفاع ثاني أوكسيد الكربون. ولعل أهم الانعكاسات لارتفاع درجات الحرارة في لبنان، هي على الثلوج وتأثيرها على تغذية الينابيع والأنهار، فعندما ترتفع درجات الحرارة في الربيع والصيف، في وقت الحاجة الى المياه تذوب الثلوج ويغذي ذوبان الثلوج أكثرية الأنهار بما فيها الليطاني والعاصي، ما يجعل فيضانات الأنهر اكبر، وهي مشكلة لا يستهان بها، من هنا فإنّ المشكلة المائية هي إحدى أهم المشكلات البيئية من حيث حجمها وأسبابها وأبعادها وكيفية مواجهتها، خصوصا إن كميات استهلاك المياه تزداد يوميا. بحسب دراسة أجراها الخبير في هذا المجال، محمد فوّاز، فإن الطلب الحالي على المياه يبلغ 900 مليون متر مكعب سنوياً، منها 630 مليون متر مكعب يذهب إلى الزراعة.
مافيات المياه تشير التقديرات الى ان انفاق المواطنين على شراء حاجاتهم من المياه، سواء للشرب أو الحاجات المنزلية، او حاجات الفنادق والمستشفيات والمدارس والمسابح … تفوق نسبة اثنين في المئة من الدخل القومي القائم، أي ما يوازي حاليا 660 مليون دولار يمكن توفيرها في حال اقرار خطة عامة لحفظ الموارد المائية وتأمين توزيعها في مسارب منضبطة من دون هدر لما يزيد على 40 في المئة من المياه المخصصة للاستعمال.
وفي حال لم يتم ذلك، فإن اللبناني على موعد يضربه مع مافيات تظهر مع كل أزمة يعاني منها المواطن، وستظهر اليوم مع أزمة المياه، حيث سيعاني المواطنون من غلاء فاحش في أسعار المياه إضافة الى الإحتكار، وهذا أمر بدأ اللبنانيون بمواجهته منذ الآن إن على صعيد مياه الشرب حيث لم يعد للبناني أي مصدر طبيعي للمياه في ظل سيطرة شركات تعبئة وتوزيع المياه على معظم المصادر من ينابيع وعيون المياه الصالحة للشرب، او بسبب التلوث الذي يضرب باقي الموارد المائية، أو على صعيد المياه الخاصة للإستعمال المنزلي والتي يبرز إحتكار مصادرها من قبل المسيطرين والمتسلطين على الآبار والذين يستغلون هذه الأوضاع من أجل رفع أسعار المياه على أصحاب الصهاريج والذين بدورهم يرفعون الأسعار على المستهلك، لتصل “نقلة المياه” بسعر الذهب.
كل ذلك والدولة آخر من يتحرك، لا خطة طوارئ ولا أي إجراءات تتخذ في سبيل تأمين أهم عنصر حياة لدى المواطن اللبناني، لا تتحرك لجهة مكافحة التلوث الذي يضرب كميات كبيرة من مياه لم تعد تصلح لشيء سوى التبخر وتلويث البحر، ولا من أجل اتباع سياسة توفير للمياه وحد من هدر مياه عشرات الأنهار والينابيع التي تصب في البحر دون أي إستفادة منها، ولا من أجل محاسبة المحتكرين للمياه والمسيطرين على مواردها التي هي حق لجميع اللبنانيين. دولة “دق المي.. وهيي مي”.