الدولة اللبنانية، أسيرة المحاولات الدستورية المتناقضة. عيب دستوري في دعوة
الهيئات الناخبة، وقرف من رئيس البرلمان من واقع مجلسه غير المنتج، واستمرار احتجاز
موقع رئاسة الجمهورية في زنزانة الأنانيات المفرطة، لقاء فدية عينية، تقايض تحرير
الرئاسة، باختطاف البلد كله.
أليس هذا ما يعنيه ربط الرئاسة اللبنانية بتسويات خارجية تنطلق من بغداد وتمر في
دمشق لتنتهي في بيروت، من خلال جلسة نيابية فولكلورية، يصوت فيها النواب بحسب ما
أوحي إليهم به من أسماء، وليس بحسب قناعاته الوجدانية او الوطنية.
فريق الممانعة الرئاسية الدائب على مقاطعة جلسات الانتخاب، تحول بتبريراته
الأكثرية والأقلوية ليدخل على العرقلة، في المرحلة السياسية الجديدة، من بوابة ما
سماه وزير الخارجية جبران باسيل، تفريغ وتصفية المسيحيين في العراق، على يد داعش
وأخواتها، ليصل الى الحديث عن تفريغ وتصفية وظائف المسيحيين في لبنان، «حيث تنزع
صلاحيات رئاسة الجمهورية وتصغّر ويختار لها أشخاص هم بتمثيلهم أصغر حتى من ممارسة
ما تبقى، في لحظة نتعرض فيها كمسيحيين، لمعركة تصفية تمر بالموصل (العراق) وكسب
(سورية) وقصر بعبدا (لبنان).
وأضاف باسيل، في «نداء» لكتلة التغيير والإصلاح، اتسم بنبرة حادة مفاجئة، اثر
اجتماع الكتلة برئاسة العماد ميشال عون عصر الأربعاء، «ان التصفية السياسية لنا، هي
تصفية معنوية لكل ما نمثل، وهي داعشية سياسية مطلوب من فرقاء الداخل التوقف عن
ممارستها، ومن فرقاء الخارج الامتناع عن تغطيتها».
وتوقف المراقبون هنا امام اختيار العماد عون لصهره الوزير باسيل، العائد من
اربيل لأن يتولى الحديث بعد اجتماع كتلته النيابية، واثر تعرض العماد لكسر الذراع
في حديقة منزله، وقد اعتبرت بعض وسائل الإعلام المحسوبة على فريق 14 آذار هذا
التقديم لباسيل جزءا من لعبة الوراثة السياسية التي تقض مضجع اسرة العماد عون، حيث
يتحفظ بعض ابناء اشقائه وشقيقاته على تسليمه زمام التيار الوطني الحر لصهره باسيل،
من دون سواه، ويحاولون احتواء هذا التوجه من خلال الضغط على العماد عون، كي يستعجل
تحويل التيار الى حزب منظم، حيث تؤول قيادته الى من يختاره المناصرون، بمعزل عن
الارتباط العائلي.
ولاحظت أوساط مطلعة لـ «الأنباء» ان سقوط عون في حديقة دارته والذي تسبب بكسر في
ذراعه، نتج عن تلاعب شديد في مستويات ضغط الدم لديه، كما نقل عن مصدر طبي متابع له.
وتراهن هذه الأوساط، على ان يدفع الوضع الصحي للعماد به الى اتخاذ مواقف مرنة من
موضوع رئاسة الجمهورية، انطلاقا من ان حالته الصحية لا تسمح بتحمله مسؤوليات رئاسة
الجمهورية، اذا ما ضمنت له.
اما ما صدر امس عن كتلة التغيير والإصلاح فقد بدا وكأنه مزايدة على زيارة
«بطاركة الشرق» الى كردستان العراق، وقالت الأوساط لـ «الأنباء» انها سمعت كلاما
حادا من الوزير باسيل حول البطريرك الراعي، يدعو للاستغراب الشديد.
وعلق منسق 14 آذار فارس سعيد على النداء الذي تلاه وزير الخارجية جبران باسيل
باسم تكتل الإصلاح والتغيير وربط فيه بين الأوضاع في الموصل وبين رئاسة الجمهورية
اللبنانية، قائلا: ان على من يذرف دموعه على مسيحيي المنطقة ان يبادر الى انتخاب
رئيس مسيحي للبنان، وإلا فإن دموعه مجرد دموع تمساح.
وتزامن كل هذا مع نقل صحيفة الرياض السعودية عن ديبلوماسي عربي واسع الاطلاع زار
بيروت، ان عون ليس الشخصية المقبولة لا عربيا ولا خليجيا، ولا اقليميا ولا دوليا،
وينبغي عليه ان يتنازل عن مطمح الرئاسة لصالح شخصية قادرة على مد الجسور مع الجميل.
بدوره، وزير التنمية الادارية محمد فنيش (حزب الله) رحب باستعداد البطريرك
الراعي للقاء السيد نصر الله مؤكدا ان لا موانع تحول دون هذا اللقاء، لكن الامر
مرتبط ببرنامج البطريرك والسيد نصر الله وظروفهما ولا يمكن تحديد موعد، مشيرا الى
ان قنوات التواصل مع بكركي مفتوحة، مستبعدا في ذات الوقت عقد لقاء بين السيد نصر
الله والرئيس سعد الحريري، لافتا الى ان اللقاء بين الرجلين غير مطروح حاليا.
رئيس الحكومة تمام سلام ابدى وكما نقل عنه زواره من المواقف المرتفعة اللهجة
التي اطلقها احد الوزراء في حين ان هذا الوزير والمقصود الوزير جبران باسيل كما
يبدو، وفي خلال جلسة مجلس الوزراء كانت له مواقف مختلفة من المواضيع التي تطرق
اليها مساء.
واتصل وزراء ونواب بالرئيس سلام وطالبوه بإصدار رد على كلام الوزير، الا انه فضل
عدم تصعيد الوضع الداخلي.
النائب سمير الجسر شدد من جهته على ان الظروف لا تبدو مؤاتية لمعاودة جسور
التواصل بين تيار المستقبل وبين حسن حزب الله، بانتظار ان يراجع الحزب سياسته
ويعترف بالأخطاء التي ارتكبها واعادة النظر في سياساته في لبنان والخارج.
في موضوع التمديد لمجلس النواب قال رئيس المجلس نبيه بري بضرورة اجراء
الانتخابات النيابية في موعدها لإعادة انتاج السلطة وابلغ زواره من النواب ان
الحكومة قامت بواجبها بشأن مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، وأشار الى ضرورة صدور قانون
لمطابقة المهل، وقال: امهل وامهل وامهل ولا اهمل، ولن ابقى ساكتا حيال الوضع
القائم.
وقال النائب قاسم هاشم ان موقف بري ضد التمديد للمجلس ليس مناورة.
وزير الصحة وائل ابوفاعور تحدث بعد لقائه الرئيس سلام عن وجهة لتأجيل الانتخابات
النيابية نتيجة الاوضاع الامنية التي تحدث عنها وزير الداخلية نهاد المشنوق،
المسؤول السياسي الأول عن الوضع الامني والأكثر علما ومعرفة بهذا الشأن.