عندما بدأ التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة هجماته الجوية ضد «داعش» داخل الاراضي السورية، عبّر عدد من الخبراء والمراقبين عن هواجسهم من امكانية استفادة نظام الرئيس بشار الاسد من هذه الضربات واستغلالها من اجل اعادة بسط نفوذه على مناطق الرقة ودير الزور وريف حلب، وذلك من خلال تعبئة الفراغ الذي ستحدثه عمليات «التسطيح» لقوات «داعش» وقياداتها. وصلت بعض هذه الهواجس الى درجة التخوّف من ان تكون هذه الهجمات الجوية للتحالف سبباً لكسر التوازنات القائمة في شمال وشمال شرق سوريا، والتي هي لصالح فصائل المعارضة المسلحة بما فيها «داعش» و«النصرة».
يبدو انه قد فات العدد الاكبر من هؤلاء الخبراء والمراقبين مدى التراجع الكبير الحاصل في عديد الجيش وقدراته خلال السنوات الثلاث من المعارك والمواجهات المستمرة مع فصائل المعارضة في مختلف المحافظات السورية، لقد تسببت هذه المواجهات المستمرة والقاسية في كقتل ما يزيد على اربعة واربعين الف جندي من القوات البرية السورية.
يضاف الى ذلك التراجع المطرد في اعداد المتطوعين والملتحقين بالخدمة الالزامية منذ عام 2011 وقد ادى ذلك الى تراجع عديد القوات البرية من 320 الف رجل الى ما يقارب 120 الف رجل.
لا يمكن ان نربط تراجع قدرات القوات النظامية السورية بالنقص الحاصل في عديدها فقط، بل هناك عوامل عديدة اخرى تؤثر بشكل مباشر في القدرات والفعالية القتالية للوحدات المقاتلة، نذكر بعضها على سبيل التذكير: الخسائر الكبيرة في العتاد العسكري، والارهاق القتالي المتواصل منذ اكثر من ثلاث سنوات، والتأثير المعنوي الذي خلّفه مستوى العنف في العمليات الهجومية التي شنّها تنظيم «داعش» في الشمال الشرقي، وتنظيم «النصرة» في الجنوب وفي الجولان، هذا بالاضافة الى تراجع مستوى مشاركة بعض الاقليات في الاعمال العسكرية، وفي دعمها العام للنظام.
عوّض النظام عن النقص الحاصل في عديد قواته البرّية وعن تراجع فعاليتها القتالية من خلال القدرات الجوية التي يملكها، والتي باتت تشكل جزءاً اساسياً من معركة النظام ضد الفصائل المعارضة، خصوصاً بعدما اثبتت «البراميل» المتفجرة فعاليتها التدميرية والمعنوية، ولا بدّ هنا من الاشارة الى ان الفصائل المعارضة لا تملك اي وسائل فاعلة للحد من هجمات الطيران السوري، ولكن قوة النيران الجوية تبقى غير كافية للتعويض عن النقص الحاصل في عديد القوات البرية وقدراتها.
وصلت الحرب بين النظام وفصائل المعارضة، وفق رأي عدد كبير من الخبراء العسكريين الى حال من الجمود العملاني، بحيث ان كل التحركات والمكاسب الموضعية التي يحققها النظام او فصائل المعارضة لا تتعدى في مفاعيلها المستوى التكتي. ويقود اي تقييم موضوعي لسير العمليات العسكرية على مختلف الجبهات الى الاستنتاج بأن النظام لم يعد يمتلك القدرات القتالية اللازمة لاستعادة المبادرة والحاق الهزيمة بالفصائل المعارضة، كما ان هذه الفصائل بما فيها «داعش» و«النصرة»، لا تمتلك القدرات الهجومية اللازمة لدحر قوات النظام في المدن الرئيسية وخصوصاً في حلب ودمشق وحمص، وفي المناطق الساحلية والعلوية.
يدرك النظام خطورة التناقض الحاصل في قدراته البشرية، ومدى انعكاسها على جهورزية الوحدات المقاتلة، هذا الامر قد دفع بالنظام إلى اصدار اوامر لمنع الشبان من مواليد الفترة من عام 1985 الى عام 1991 من مغادرة سوريا، بقصد التهرب من الالتحاق بالجيش، ولكن ذلك لم يمنع فرار عشرات الآلاف منهم الى خارج البلاد. وسينتج من هذا الامر مزيد من الارهاق والخسائر البشرية في صفوف الطائفة العلوية وبعض الاقليات الاخرى.
نجح النظام السوري في التعويض عن هذه الخسائر من خلال تشكيل ميليشيا تعرف باسم قوات الدفاع الوطني، والتي جرى تدريبها من قبل خبراء من الحرس الثوري الايراني. يضاف الى هذه القوة التي تتعدى 20 الفاً، بعض الميليشيات المحلية، والميليشيات العراقية، وقوات حزب الله والتي تشارك في العمليات الهجومية منفردة، او جنباً الى جنب مع الوحدات النظامية السورية. وتتحدث بعض مؤسسات الدراسات الغربية عن وجود عسكريين ايرانيين يقاتلون الى جانب النظام، ولكن ما زال يلف الغموض حقيقة وجود وحدات ايرانية من الحرس الثوري او ان الأمر لا يتعدى وجود بضع مئات من المستشارين العسكريين.
لكن وبالرغم من تراجع قدرات القوات البرية السورية فان النظام ما زال يشعر بقدر كبير من الاطمئنان والتفاؤل، وذلك انطلاقا من مجموعة معطيات ابرزها:
اولا، استمرار الدعم غير المحدود الذي تقدمه له ايران بصورة مباشرة او عبر حلفائها في حزب الله او الميليشيات الشيعية الايرانية. لقد نجح الحرس الثوري الايراني في تدريب عشرات الآلاف من الميليشيات السورية، وقد أثبتت هذه الميليشيات قدرتها على مواجهة هجمات التنظيمات المعارضة على اكثر من جهة، وخصوصاً على الجبهة الشمالية الغربية، اي في مناطق كسب وساحل اللاذقية ويمكن للنظام السوري ان يشعر بمزيد من الثقة، في ضوء ما يحدث في العراق وانشغال تنظيم الدولة الاسلامية في المعركة الجارية هناك، بالاضافة الى ان تدخل ايران عسكرياً في العراق يعطيه الضمانة اللازمة لعدم استهداف قواته من قبل طيران التحالف، ولعدم فرض منطقة حظر جوي فوق شمال سوريا. ويعتقد بعض الخبراء بأن قوات التحالف لن تستهدف النظام السوري خوفاً من اي رد فعل يمكن ان تقوم به ايران قد يضرّ بالتحالف او يوتر العلاقات مع الغرب بما يضرّ فعلياً بالمفاوضات النووية.
ثانياً، يشكل دعم روسيا السياسي والعسكري عنصراً اساسياً ومؤثراً في مسار الحرب، وفي مواجهة الضغوط الدولية والعربية التي وصلت الى حد المقاطعة الكاملة، تشكل شحنات الاسلحة والذخائر الروسية الى سوريا العامل الاساسي لاستمرار الحرب، ولقدرة النظام على الصمود لثلاث سنوات متتالية. ويرى النظام في الموقف السياسي الروسي الضمانة اللازمة له ليكون شريكاً في اي حل سياسي للازمة، وهذا ما يشجعه على المقاومة والصمود لسنوات مقبلة.
ثالثا، يشعر النظام بأن الخلافات والاقتتال المستمر بين مختلف فصائل المعارضة وخصوصاً بين الفصائل الاسلامية المتطرفة مثل «داعش» و«النصرة» والفصائل المعتدلة، يضعف الجهد العسكري لهذه الفصائل ويشتت قواها ويرهق قياداتها. ويراهن النظام على ان تصاب قوى المعارضة بمزيد من الضعف والوهن بسبب الاقتتال الداخلي وبسبب الحرب التي يشنها التحالف الدولي ضد الدولة الاسلامية، والذي يمكن ان يشمل «النصرة» في الاشهر المقبلة.
لكن في المحصلة فان هذه المعطيات التي هي لمصلحة النظام الان، هي مرشحة لان تتغيّر بفعل التطورات الدولية والاقليمية الحاصلة، وخصوصاً لجهة تراجع قدرات ايران في تقديم حجم الدعم نفسه الذي تقدمه ايران مع استمرار هبوط اسعار النفط وما ينتج منه من عجز متنام في ميزانيتها، وسيجبرها ذلك على مراجعة مواقفها وما تقدمه لحلفائها في الخارج، ومن بينهم النظام السوري.
ولكن في ظل ما تتعرض له روسيا من ضغوط سياسية واقتصادية يبقى هناك احتمال ان يتراجع الدعم الروسي لسوريا بالسلاح والذخائر، وذلك تحت ضغط تراجع اسعار النفط وتدهور الروبل، بالاضافة الى امكانية فرض الولايات المتحدة عقوبات على الشركات الروسية التي تدعم النظام السوري.
مقتل قياديين اثنين من “داعش” في غارة أميركية شمالي سوريا
أعلنت القيادة المركزية الأميركية، مقتل قياديين اثنين ينتميان لتنظيم "داعش" في غارة جوية، في القامشلي شمالي سوريا. وقال بيانٌ للقيادة...