لا يدعي «تيار المستقبل» اليوم رغبته في اجراء الانتخابات النيابية، لكنه «يكذب» على جمهوره وعلى اللبنانيين عندما يتحدث عن اوضاع امنية متردية تحول دون اتمام الاستحقاق في موعده. فما هي الاسباب الحقيقية الكامنة وراء «هروب» التيار الازرق من مواجهة «شارعه»؟
اوساط رفيعة في قوى 8 آذار، تعتقد ان الرئيس نبيه بري اكثر العارفين بمأزق «تيار المستقبل»، ولذلك فهو يمسك الرئيس سعد الحريري من «اليد التي توجعه»، لاجراء مقايضة بين التشريع والتمديد، واذا كان رئيس مجلس النواب ينطلق في رغبته باجراء الاستحقاق الانتخابي النيابي في موعده من كونه مدخلا لتحديد حجم القوى الرئيسية في الشارع المسيحي، ما قد ينعكس برأيه ايجابا على تحريك ملف رئاسة الجمهورية، فانه يدرك جيدا ان المشكلة لا تكمن في هذا «الشارع» الذي سيعيد الفرز القائم راهنا في البلاد، فالقوات اللبنانية مع حلفائها في 14آذار لن تستطيع احداث اي اختراق جدي يعدل من موازين القوى على الارض، كما ان اي ارباح قد يحققها «التيار الوطني الحر» ستكون محدودة ولن تؤدي الى قلب «الطاولة» على خصومه في الشارع المسيحي، رغم تقدمه في بعض الدوائر، اي اننا سنكون امام تكرار للمشهد السياسي الحالي في البلاد، اذا اين تكمن المشكلة؟.
تجيب الاوساط نفسها ان المشكلة ليست عند المكون الشيعي، وانما لدى معسكر «الاعتدال» السني الذي يدعي «تيار المستقبل» انه ممثله الشرعي والوحيد على لساحة اللبنانية، وفي «الكواليس» تقول قيادات «تيار المستقبل» ما لا تقوله في العلن عن اسباب عدم رغبتها في اجراء الانتخابات النيابية في هذه المرحلة، الشق الاول يرتبط بالاستعدادات اللوجستية، وهنا يكمن الخلل الكبير في الامكانيات المالية، وفي هذا السياق لم تعط القيادة المركزية المتمثلة بالرئيس سعد الحريري والرئيس فؤاد السنيورة «الضوء الاخضر» للماكينة الانتخابية لاجراء مسح ميداني للحاجات المطلوب تأمينها لخوض الاستحقاق، فالاموال غير متوافرة لدى «التيار» وتأمينها يحتاج الى وقت، فخزائن المملكة العربية السعودية تحتاج الى «مفاتيح» خاصة للولوج اليها تقول الاوساط، فالاموال لم تعد تصرف كما في الماضي، وثمة حساب مفتوح لم يقفل بعد منذ الانتخابات الاخيرة، فالكثير من الاموال المفقودة لم يعرف مصيرها بعد، لكن المؤكد انها لم تصرف في الحملات الانتخابية، وبعض النتائج المخيبة كان سببها حجب هذه الاموال عن «مستحقيها»، ولذلك بات اي انفاق جديد يخضع لنظام «محاسبة» سعودي شديد التعقيد، وهذا الامر يتطلب وقتا لا يبدو انه كاف في الفترة الفاصلة عن موعد الانتخابات. وبحسب بعض المقربين من دائرة الرئيس الحريري، فقد ابلغ من التقاهم عند زيارته الاخيرة الى بيروت ان لا داعي للقلق حول مسألة الانفاق المالي لان الانتخابات النيابية لن تحصل والتمديد اصبح امرا واقعا، وهي «الرسالة» الوحيدة ذات المغذى التي حملها الرئيس الحريري الى بري عندما التقاه في عين التينة على هامش تلك الزيارة.
اما الشق الثاني، والاكثر اهمية تضيف الاوساط في 8 آذار، فيرتبط بأزمة «تيار المستقبل» في «الشارع السني»، وهذا يظهر جليا من خلال عملية توزيع الادوار بين قيادات «التيار الازرق» من خلال مخاطبة الجمهور وفق تصنيف مناطقي تنطبق عليه مقولة « ما يطلبه المستمعون»، وهنا ثمة مشكلة جذرية تحكم الخطاب العام لدى قيادات التيار الرئيسية التي تحاول جاهدة الحفاظ على «ثوب» اعتدال «فضفاض» لم يعد يتناسب مع جمهور جرت تعبئته على مدى سنوات طويلة بافكار متطرفة باتت بالنسبة الى البعض «عقيدة» لا يمكن المس بها، ولذلك تم فرز قيادات مناطقية «لدغدغة» مشاعر هؤلاء وابقائهم تحت «عباءة» التيار المتطرفة خوفا من خروجهم عن السيطرة، مع الحفاظ على خطاب عام يتحدث عن «الاعتدال». ولكن هل يمكن لهذه الازدواجية ان تنجح في «زمن» الانتخابات؟
طبعا لا، تقول تلك الاوساط، فتيار المستقبل محكوم «بمساكنة» اجبارية مع حزب الله في حكومة واحدة، ولا يمتلك القدرة على تحمل وزر انهيارها وترك البلاد امام المجهول، وهو طبعا لا يملك ترف «معاندة» التفاهمات الاقليمية والدولية التي تشجع على بقائها للحفاظ على الاستقرار الهش القائم، وهنا سيجد «التيار الازرق» نفسه امام معادلة صعبة في مواجهة جمهور لا يمكن تعبئته الا بتصعيد الموقف من حزب الله الى الحدود القصوى، وهنا سيطرح السؤال البديهي حول الاستمرار في الجلوس على طاولة حكومية واحدة مع الحزب، وهي مغامرة لن يقدم عليها «المستقبليون» لان نتائجها لن تبقى محدودة ومفاعيلها ستتجاوز مسألة ربح او خسارة مقاعد نيابية من هنا او هناك، الى ما هو اخطر من ذلك بكثير في ظل الاحتقان المذهبي الهائل الذي يلف المنطقة ولبنان.
اما البعد الآخر المتصل بهذه المسألة فيتعلّق بالازمة المتقدة تحت «الرماد» لدى جمهور تيار المستقبل في مناطق الاطراف، والمقصود هنا البقاع والشمال، وبحسب اوساط سياسية شمالية ، ثمة قناعة راسخة لدى هذا الجمهور بأن قيادتهم تقوم مرة جديدة برهانات خاطئة عبر تبني المشروع الاميركي لمكافحة «الارهاب» في المنطقة، وكل عمليات «المسح الميداني» تشير الى ان هؤلاء لا يرغبون بالتفريط بما يعتقدون انه سند اساسي لهم في معركتهم مع حزب الله والنظام السوري، وثمة تساؤلات كبيرة طرحت في الساعات القليلة الماضية من قبل قيادات مناطقية على وزراء تيار المستقبل حول ماهية دور لبنان في «الائتلاف» الدولي، وكيفية ترجمة التزاماته على ارض الواقع. فالمعضلة الرئيسية تكمن في التزامات الحكومة التي ستطال مرة جديدة اطرافا سنية تصنفها واشنطن بالارهابية، ولا علاقة لها «بداعش»، وهذا الامر سيزيد من حدة التوتر في هذا القسم من «الشارع السني» الذي سيكون مرة جديدة في مواجهة سؤال «أزلي»، لماذا نحن وليس حزب الله؟ وكيف يعقل ان يكون الحزب من فئة «الاخيار» ويشكل جزءا من معادلة مواجهة الارهاب في لبنان والمنطقة؟ فيما نحن من ضمن «الاشرار» الواجبة ملاحقتهم؟
طبعا يفضل تيار المستقبل الهروب من تلك الاسئلة تقول الاوساط، فهو لا يملك اجابات تقنع احدا، وهو اصلا لا يدرك بعد حدود التورط في تنفيذ جدول اعمال التحالف الجديد، لكن ما يدركه جيدا ان لا مصلحة له اليوم بخوض اختبار الانتخابات في ظل هذه الموجة المرتفعة من التشكيك بدوره لدى جمهور غير مقتنع بالتمسك بنهج «الاعتدال»، وهو يعتقد ان «لعبة الوقت» ستكون في كافة الاحوال لصالحه، فهو يحتاج لهذا الوقت كي تتبلور صورة المواجهة مع المتطرفين وسيكون قادرا على موائمة خطابه مع طبيعة تلك التطورات، فاذا تعثرت، مال خطابه نحو التشدد والتطرف، واذا حصل العكس لن يعلو «صوت فوق صوت الاعتدال»، وفي الوقت الضائع يستمر في «اللعب» على «الحبلين» عبر فرز قيادات ترضي المتطرفين واخرى «تطرب» المعتدلين وفي نهاية المطاف لا احد غيره قادر على «القطاف»، وتجارب الماضي تشير الى انه افضل التيارات «الانتهازية» تؤكد الاوساط، ومن هنا يدرك الرئيس بري انه قادر على «استغلال» الموقف لسوقهم «مخفورين» الى قاعة مجلس النواب. وتبقى ملاحظة شديدة الاهمية في هذا السياق تتعلق بمغالطة يرتكبها الكثير من المراقبين الذين يعتقدون ان الائتلاف ضد الارهاب ودور لبنان فيه يشكل «حرجا» لحزب الله، وهذا غير صحيح، لان الحزب لديه اجندة واضحة في هذه الحرب لا يمكن ان تتغير، والمصنفين في خانة الاعداء لم يتغيروا، والمهم بالنسبة اليه ان احدا لايقدر على فرض «اجندته» على الساحة اللبنانية، ولذلك يبقى المأزق لدى الفريق «الازرق» الذي نمت ضمن بيئته مجموعات وافراد مدرجة على لوائح «الارهاب». فما العمل؟
تعميم المركزي يخفض سعر صرف الدولار؟
بعد أن اصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً يلزم المصارف بالحصول على موافقة مسبقة منه قبل فتح اعتمادات او دفع فواتير...