«
داعش» اسم يقلق العالم، تحول الى ما يشبه الوباء، وكاد المجتمع الدولي ان يرفع يديه مستسلماً امام هذه الظاهرة العنفية التي لم يشهد التاريخ الحديث مثيلاً لها تماماً، كما وقفت منظمة الصحة العالمية عاجزة عن مكافحة وباء الايبولا، فكيف تحول هذا التنظيم من مجموعة اعضاء تبدو الفوضى واضحة في تصرفاتهم الى مجموعة منظمة تبث الرعب اينما تجولت وفي المناطق التي تجتاحها.
فـ«
داعش» تنظيم يجتاح ولا يحتل، يخلف وراءه التهجير العرقي والديني الشامل، فلا انصاف حلول او تسويات في غزواته، ذبح جماعي وسبي للنساء اضافة لتدمير شامل لدور العبادة لكل المؤمنين الذين يخالفونه الرأي.
هذه المعلومات عن دولة الاسلام في العراق والشام باتت معروفة لدى الجميع، لكن السؤال الذي يقلق ولا يزال غامضاً، لماذا «
داعش» يمارس هذا العنف المتمادي والفائض عن كل عقل وتصور؟
باحث وخبير في «الحركات الاسلامية»، رفض ان يعلن اسمه اعتبر ان لتنظيم «
داعش» خطة واهداف، وهو نجح من خلال عنفه ان يبث الرعب في نفوس الآمنين، والدليل ان الجميع خائف، السني يتساوى مع الشيعي والمسيحي والاخيران هدفان مباشران في اولوية «الداعشيين».
ويعتبر الخبير ان هذا التنظيم يؤمن بالعنف الدموي سبيلاً لإعلاء كلمة الله، وان العمليات الانغماسية هي ثقافة مستمدة من مؤلفات ابن تميمة، والذي ساعد هؤلاء في تعميم ثقافة الانغماس، نجاحهم في الهجوم على سجن ابو غريب والحوت في العراق، هذه الثقافة يدخلها احد المشايخ المتمكنون بالفقه الاسلامي ويمتلك قوة اقناع تتفوق على عقول الشباب الجاهلين لتنفيذ العمليات الانتحارية، فالتنظيم هو من ارسل الانتحاريين لتفجير نفسيهما امام السفارة الايرانية، كذلك كرر محاولاته الانتحارية اربع مرات في محاولاته لاحتلال مطار الطبقة في الرقة.
ويشرح الخبير في الحركات الاسلامية الاسباب التي دفعت بـ«
القاعدة» الى الافتراق عن «
داعش»، فيعزوها الى العنف غير المألوف، كما ان تنظيم «
القاعدة» يعتبر ان «
داعش» تمرد ولم ينصع الى تعليمات الشيخ ايمن الظواهري بضرورة الانضواء تحت امرة الجولاني، لذلك قطع تنظيم «
القاعدة» كل علاقاته مع «
داعش» رداً على وحشيته وما قيل الاستعصاء سيئ السمعة… تعبير فقهي ينطبق على الداعشيين.
وعن اسباب انتشار «الداعشية»، يقول الخبير ان «دولة الاسلام في العراق والشام» تعتمد على الشباب وعلى خلق تيار شعبي يشكل لها البيئة الصالحة، لذلك استغلت بشكل ذكي ما يتعرض له اهل السنة في العراق ومن ثم في سوريا وتحضر حالياً لاستغلال الحضور السني في لبنان الذي يترنح بفعل الهيمنة، وبالتالي فان الشباب السني سيجد ضالته مع «
داعش» حيث تنتظره الانتقامات وعمليات سفك الدماء.
وما يزيد من حماسة الانغماسيين يقول الخبير هو الاعلام الموضوع بعناية كي يخدم القضية فلا اقتحام من دون تصوير من زوايا متعددة، وللانتحاريين زفة اعلامية خاصة تبدأ بالاناشيد الاسلامية ويتخللها كلمة للضحية الجاهزة.
كما ان الرعب الذي ينشره «
داعش» مقصود ومدروس، يضيف الخبير، فالقتل وسيلة لبث الرعب فاذا اراد اعدام ضحيته يلجأ الى ذبحه ولا يكتفي بوفاة الضحية بل يعمد الى فصل الرأس عن الجسد، اما اذا كان القرار الاعدام بالمسدس فان الاعدام يكون جماعياً كما ان رمي الجثامين في الانهر وفي كثبان الرمل لا يعني ابداً ان اكرام الميت دفنه، بل جل ما تفعله الدولة هو ابلاغ عدوها نحن قادمون، فتهرب الاقليات لتدخل «
داعش» من دون اي عناء عسكري يذكر، وهكذا استطاعت احتلال المناطق الشاسعة، ينهي الخبير في الشؤون السلامية قراءته عما يفعله
داعش في منطقتنا.
والسؤال الذي يطرح بعدما استفاض الخبير في الحركات الاسلامية لماذا يبقي عناصر «الدولة الاسلامية» وجوههم ملثمة حتى اثناء القتال، بينما «النصرة» لا تعتمد هذا الاسلوب، ولماذا التطرف «الداعشي» والذبح غير المألوف وفي المقابل تبدو «النصرة» اكثر اعتدالاً؟
وقد اجاب على هذه الاسئلة الشيخ بلال دقماق الناشط السلفي والمشرف على وقف ((اقرأ)) الاسلامي والناطق الرسمي لنقابة أهل السنّة التي تضم العديد من الجمعيات والشخصيات الاسلامية والعلماء، وقد شارك دقماق في التدريس بعدة دورات شرعية للناشئة كما كان احد ابرز المفاوضين بين الحكومة اللبنانية و«فتح الاسلام» وايضاً في قضية مخطوفي اعزاز، الامر الذي جعل خبرته نشطة حول الجماعات الاسلامية، وهو اعتبر في حديث سابق ان السلفية هي العودة إلى الاصول والسلف الذين ذهبوا ورحلوا وهم الصحابة وأهل بيت النبـي (ص). وعندما نقول «السلفيون» يعني اننا نفهم القرآن والسنّة على فهم هؤلاء القوم أي صحابة النبـي.
وقد اكد لـ«الديار» ان تنظيم الدولة السلامية في العراق والشام يعتمد اسلوب التوحش والغلظة بالرد على اعدائه، وفي الحقيقة القتل هو القتل سواء بالذبح او بالرصاص او الشنق، ولكن صورة الذبح تترك تداعيات نفسية صعبة والا ما الفرق بين الضرب بالكيماوي والقصف الذي قتل الاطفال والنساء والشيوخ السوريين، كله قتل واي قتل بغير حق ظلم عظيم ومحرم، لذلك نجد ان عناصر «الدولة السلامية» دائماً يتقدمون ويستولون على مناطق دون قتال يذكر كما حصل في الموصل وغيرها بسبب الرعب الذي احدثته «الدولة الاسلامية» عند الخصوم.
اما «النصرة» يضيف دقماق فقد اخذت الجانب الدبلوماسي والتفاوض والمرونة، وربما ذلك بسبب بعد نظر وادراك مراحل المنطقة، والجميع شاهد كيف افرجوا عن الراهبات ولم يقتلوا اي جندي محتجز لديهم، وهم يتعاملون بنفس اطر «الدولة الاسلامية»، وهذا لا يعني انهم ربما يقتلون المحتجزين لديهم ان لم تفلح الحكومة بالتفاوض معهم.
واضاف دقماق اعتقد ان «النصرة» و«الدولة الاسلامية» ينتهجان نفس النهج ولكن يختلفون في التطبيق، وهناك تعاطف عارم مع الاولى اكثر من الثانية بسبب المرونة التي تتعامل بها.
وبالسؤال عن سبب اخفاء وجوه مقاتلي «الدولة الاسلامية» حتى اثناء المعارك، اكد دقماق ان عناصر هذا التنظيم كثيرو الحركة وبهذه الطريقة ممكن ان يرعبوا الخصوم، وخصوصاً انه في هذه المرحلة هناك تحالف دولي للنيل منهم، وهذا الامر هو من باب الحرص والمرونة بالتحرك اكثر.
كلادس صعب