كتابات على حائط الازمة. ألا تبدو المنطقة كلها امام الحائط؟
لا افق هناك، ولا بد من استعادة اخرى لقول هنري كيسنجر ان ازمة الشرق الاوسط ولدت مع الله وتموت مع الله…
حتى ناعوم تشومسكي يقول ان تفكيك الازمات في الشرق الاوسط يحتاج الى تدخل مباشر من الله. كتب ارنولد توينبي «كمؤرخ ان اسعى لرؤية الله وهو يعمل في التاريخ». تشومسكي يخشى ان يكون الله قد تنحى عن هذه المهمة، تاركاً للشيطان وحده ان يعمل في التاريخ…
في جامعة القديس يوسف قال ادونيس «ان الايمان بأن النبي محمد هو خاتم النبيين وان لا وحي بعد الوحي المحمدي يمكن تأويله على ان الله ما عاد لديه اي شيء ليقوله، وان العرب بعد الوحي ماعاد لديهم اي شيء ليفعلوه».
هرطقة؟ لا، لا. لنعد الى تلك الظواهر القاتلة. اذا كانت الايديولوجيات في القرن العشرين (الشيوعية والنازية و الفاشية وحتى الرأسمالية) قد تحولت الى ديانات، الا يبدو جلياً ان في القرن الحادي والعشرين الديانات تحولت الى ايديولوجيات. اذاً، عندما قال توماس هوبز «الانسان ذئب الانسان»، هل كان يقصد تحديدا ان المسلم ذئب المسلم؟ ايضا وايضا العربي ذئب العربي…
كيف لاي صفقة لاي تسوية ان تسدل الستار على هذا المشهد.لأحد اصدقائه قال الاخضر الابراهيمي «في بعض الاحيان كنت اشعر، وانا اقوم بمهمتي، كما لو انني اتجول داخل الكوميديا الالهية».الان ماذا يفعل ستيفان دوميستورا سوى انه يراقص المستحيل..
نتابع الابحاث والدراسات والتحليلات التي تصدر في الغرب. الكسندر آدلر يسخر منا» لعلها الليلة الاخيرة من الف ليلة وليلة». يقول «من زمان و العرب يبحثون عن رجل مثل ادولف هتلر لينتشلهم من القاع». ها انهم عثروا اخيرا على ابي بكر البغدادي…
لكن المفكر السياسي (اليهودي) الفرنسي يرى ان الشرق الاوسط لا يمكن ان يبقى او ان يعود كما كان. المشكلة ان الحروب الصغيرة لا تستطيع اعادة هيكلة الخرائط. هي فقط تنهك التاريخ كما تنهك الجغرافيا. المنطقة تحتاج الى حرب كبرى. يسأل:لماذا لا تدعوهم يصنعون القنابل النووية؟
لا حاجة للقنبلة. عودوا الى نظريات زئيف جابوتنسكي، ومن بعده برنارد لويس الذي تبنى هنري كيسنجر كل افكاره، بما في ذلك شطحاته اللاهوتية( كيهودي ايضا). حين يهبط الماشيح من اعلى لا بد ان تكون الارض مرصعة بالجثث. هل حزم الماشيح حقائبه ؟
فانتازيا؟ هذا ليس لعباً مع الخيال، او على الاقل لعبا مع اللغة. ثمة حائط. في الميتولوجيات العتيقة ثمة حائط ويفغر فاه ليبتلع الجميع. نحن لسنا في ظل الحائط بل في داخله. للمرة الاولى يبدو المسرح سريالياً الى هذا الحد. هل يعرف الاميركيون ماذا يريدون؟ هل نعرف نحن ماذا نريد؟ كل ما في الامر انهم في واشنطن ينظرون الينا على اننا جزء من عالم والت ديزني. تيد كوبل دعا الى الرأفة بتلك الحيوانات الصغيرة التي تتألم..
اذا ما علينا سوى ان نتأسى على الحرب الباردة. كان هناك عملاقان ويعيدان، في كل لحظة، اعادة صياغة البشرية( بعدما نحي آدم جانباً). الآن ثمة عملاق واحد. وحين قال جورج بوش الاب بـ «النظام العالمي الجديد» علّق زبغينو بريجنسكي بالقول «…بل انها الفوضى العالمية الجديدة».
لماذا اختير الشرق الاوسط بالذات ليستضيف كل تلك الفوضى؟ لم يعد مضيق بيرنغ وحده هو الذي يفصل بين اميركا وروسيا. ثمة مضيق اخر و يمتد من سوريا الى اوكرانيا، ولم يعد الخليج هو الذي يفصل بين السعودية وايران. ثمة مضيق (او برزخ اذا شئتم) يمتد من آخر الدنيا الى آخر الاخرة اذا كنتم تلاحظون كيف يتم الخلط على الشاشات الكبرى بين الايديولوجي والاستراتيجي…
اذاً، هل تتوقعون تسويات وشيكة لازماتنا؟ باراك اوباما تحدث عن حرب الثلاثين عاماً مع ثلاثين الفاً من جنود الخليفة. غريب انه لم يكن واقعيا اكثر و يقول بحرب المائة عام او بحرب الالف عام مادام تنظيم الدولة الاسلامية يتناسل، ومادامت كل التنظيمات الاخرى تقاتل من اجل الاخرة. ليتمتع الاميركيون بالدنيا. الغريب ان الكسندر آدلر كاد يتساءل ما اذا كان الاسرائيليون، وهو يقصد اليهود، سيرثون الشرق الاوسط..
غالبا ما نستعيد لوحة «الغرنيكا» لبابلوبيكاسو. ألم نجعل من الاسلام مصنعا للجثث. كلنا شظايا بشرية وتتداخل مع بعضها البعض. الفتاوى هي البديل عن المداخن، الايديولوجيا حلت محل التكنولوجيا. لا البرت اينشتاين بيننا بل ابو قتادة وابو محمد المقدسي. ننصحكم بأن تقرأوا الفتاوى العجيبة لهؤلاء الناس وفي اي زمن يعيشون.نحن اتباعهم ومريدوهم…
عل كل ، كعرب اطلقنا صيحات الابتهاج لان الجمهوريين اجتاحوا تلة الكابيتول. غداً يدمرون النظام في سوريا، ويزيلون نظام آيات الله من ايران، ونرقص معا حول هيكل سليمان(الذئب والحمل جنباً الى جنب). أسوأ بكثير من ان نكون في هذه اللحظة..بشراً.
لا تشاركونا التشاؤم. وراء الضوء كلام عن مفاجآت كبرى في الاشهر الثلاثة الاولى من العام المقبل. نأمل ذلك ولكن ماذا نقول…للحائط؟!
نبيه البرجي