رأى امين سر هيئة العلماء المسلمين الشيخ د.احمد عمورة ان اخطر ما اظهرته احداث الشمال هو تطبيع الواقع اللبناني بالازمة السورية، بحيث اصبح خبر الغارة من احداث امنية وخطف وتفجيرات، خبرا يوميا كما هو الخبر اليومي في سورية، معتبرا انه وبغض النظر عن الاسباب والحيثيات وصراع المصالح والنفوذ فلبنان لا يحتمل لا بتركيبته الفريدة ولا بكونه اصبح مخيما كبيرا للاجئين والنازحين من جنسيات عربية مختلفة، فلسطينية وسورية وعراقية، ان يكون مرآة للتطورات في المنطقة او مركزا لاستنساخ الاحداث السورية، معربا بالتالي عن خشية هيئة العلماء المسلمين من تسمية البعض بثلاثية جديدة في لبنان الا وهي «جيش ونظام سوري ومقاومة»، وما اصرار المغامرين في الداخل السوري على التعاون والتنسيق والتطبيع بين الجيش اللبناني وجيش النظام السوري الا خير دليل على ان هذه الخشية في مكانها وزمانها الصحيحين.
وحول دعوات امام مسجد هارون في بحنين الشيخ خالد حبلص لانشقاق العناصر السنية عن الجيش، اكد عمورة في تصريح ان مثل تلك الدعوات ليست فقط مدانة، انما هي دعوات مشبوهة يراد منها تفكيك ما تبقى من عوامل استقرار وضمانات امنية في البلاد، معتبرا انه ما زالت في لبنان ضمانتان لا ثالث لهما، الجيش كنظام شرعي ووحيد للامن والاستقرار، ومصرف لبنان كناظم للاقتصاد عبر تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية ومنعها من التدهور، معتبرا بالتالي انه وعلى الرغم من فظاعة المشهد الطرابلسي وعلى الرغم من وجود تحفظات على عدد من التجاوزات تقضي الحكمة والمصلحة الوطنية بتحييد الجيش عن الخطاب المذهبي وعدم زجه في السجالات السياسية العقيمة، بمعنى آخر يؤكد عمورة ان كل اتهام للجيش من اين اتى واي تكن خلفيته واسبابه هو اتهام باطل ومرفوض.
ولفت عمورة الى ان الاعتراضات الشعبية عبر التاريخ تنشأ نتيجة وجود اختلال فاضح وفادح في موازين القوى اما السياسية واما العرقية واما الطائفية، وهو ما يعبر عنه في لبنان بـ «الهيمنة»، فما بالك وان العقلاء في لبنان لم يتمكنوا لا بل عجزوا عن لجم هيمنة فريق مسلح ليس فقط على المستويين السياسي والعسكري وانما ايضا على المستوى الاقتصادي من خلال سيطرته على المرافئ والمرافق العامة وفي طليعتها الجمارك الجوية والبحرية والبرية، معتبرا من وجهة نظر هيئة العلماء المسلمين انه ان لم يصر الى لجم هذه الهيمنة من خلال تحالف وطني عريض فإن لبنان سيستمر في الانحدار نحو الهاوية وصولا الى قرارها حيث نقطة اللاعودة.
واكد عمورة ان الارهاب مرفوض بكل اشكاله والوانه وايا تكن اسبابه، الا ان ما هو مرفوض ايضا من وجهة نظره هو ان يكون هناك «ارهاب بسمنة وارهاب بزيت» على حد تعبيره، معتبرا انه ليس من المنطق والعدل بمكان ان يحاكم شخص على «نوايا» قتالية معينة، وألا يحاكم او حتى يساءل من يمارس عمليا وفعليا اعمالا قتالية اقليميا ومحليا، بمعنى آخر يعتبر عمورة ان في لبنان ارهابا اكبر يجب اقتلاعه لتسهيل عملية اقتلاع الارهاب الاصغر، وما دون هذه الخطوة سينمو الارهابان المشار اليهما ويتواجهان على ضفتي المعركة، محملا الهيئات المدنية وتحديدا الاعلامية منها والقانونية مهمة رفع الصوت احتجاجا على هذا الواقع المرير وغير المبرر.
وتعليقا على ما اوردته احدى الصحف المحلية ومفاده بأن هيئة العلماء المسلمين تنسق مع الجيش انطلاقا من قناع تلبسه وليس عن قناعة، وانها ذات وجهين متناقضين الاول يبتسم للارهاب في الخفاء والثاني للدولة اللبنانية، لفت عمورة الى ان الهيئة كانت السباقة في دعوتها اللبنانيين الى التجذر في مؤسسات الدولة، سيما ان لبنان الدولة يواجه مشروع اقتلاع ما تبقى منه لمصلحة الدويلة، مذكرا اصحاب هذا الاتهام المغرض ان هيئة العلماء المسلمين تتواصل مع خاطفي العسكريين بمواكبة الجيش اللبناني وانطلاقا من بوابة الحكومة اللبنانية، مشيرا بالتالي الى ان هذا التصوير لمهمة هيئة العلماء المسلمين يندرج في سياق سعي البعض للطعن في وطنية الآخرين عملا بمقتضيات تحالفاتهم الاقليمية على حساب لبنان واللبنانيين «فليخيطوا بغير هذه المسلة».
وختم الشيخ عمورة قائلا: عقلاء الطائفة السنية من سياسيين ورجال دين يحاولون قدر الامكان استشعار حراجة اللحظة، لكن هناك الكثير من الشباب ـ وانا هنا افسر ولا ابرر ـ تستفزهم ارتكابات وتجاوزات البعض، فيحاولون القيام بأعمال انتقامية، المشكلة الحقيقية هي عندما يتحول السوك الثوري الى سلوك ثأري حيث تضيع القيم الاجتماعية والانسانية وتتلاشى في زواريب الباطل والمحرم دينيا واجتماعيا.