لا تسقط ورقة من روزنامة أيّامنا الأخيرة إلا ونشهد فيها على فيديو أو صورة أو خبرٍ عن جريمة جديدة ارتكبها التنظيم المعروف بـ “داعش“، والذي يوصف ما يرتكبه بأفظع الجرائم عبر التاريخ.
ما سبق هو حقيقة لا لبس فيها. ولكن، ثمّة حقيقة أخرى نغفل عنها، عمداً أو نسياناً.
لم تمرّ سنوات طويلة بعد على ختم الحرب اللبنانيّة بالدم الأحمر. صحيحٌ أنّ دولاً عدّة وتنظيمات غير لبنانيّة شاركت في الحرب وما تخلّلها من اجتياحات ومجازر وتفجيرات، إلا أنّ اللبنانيّين، على اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم، شاركوا فيها أيضاً.
يدرك جميعنا ما معنى توصيف “أمراء الحرب”، وبعض هؤلاء تحوّل بعدها الى رجال سلطة، في مقعد وزاري أو نيابي أو على رأس حزب… سبق أمراؤنا إذاً أبو بكر البغدادي بكثير. وارتكب بعضهم ما هو أسوأ ممّا أرتكبه هذا الأحمق.
ألم نكن “داعشيّين” حين كان المواطن اللبناني يُسأل عن “هويّته”، ويُقصد هنا بالطبع هويّته الطائفيّة، على حواجز الميلشيات والتنظيمات فيسمح له بالمرور أو يكون مصيره القتل أو الخطف؟
ألم نكن “داعشيّين” حين تبادلنا سياسة التهجير ومارسنا الذبح والإعدام وأقمنا المقابر الجماعيّة والسجون الخاصّة ومارسنا أسوأ أنواع التعذيب؟
ألم نكن “داعشيّين” حين شهدنا على مجازر ذبح فيها الأطفال والنساء ووضعت رؤوس على رأس الحراب وجرّت الجثث بالسيّارات للتباهي؟
ألسنا “داعشيّين” اليوم حين لا يتقبّل أحدنا رأي الآخر المختلف، ونمضي الى تخوينه وإلصاق أبشع النعوت به؟
ألسنا “داعشيّين” اليوم حين نتعصّب لديننا، ونحارب باسمه بالكلمة حيناً وبالسلاح حين يكون متاحاً؟
ألسنا “داعشيّين” في رفض كثيرين منّا الاختلاط بأبناء الطوائف الأخرى، وبرفض الزواج المختلط بين المذاهب، حتى داخل الطائفة الواحدة؟
فعلنا ذلك قبل “داعش” بكثير. وبعض من ارتكب ذلك يعيش بيننا. يرتدي بزّة فاخرة، يضع عطراً باريسيّاً ويدخّن السيجار الكوبي ويضع الـ Like لمن يعبّر عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن اشمئزازه من جرائم “داعش“.
يكفي ما سبق لنخجل من أنفسنا أكثر ولنخاف من “داعش” أقلّ، ولنتعلّم. حبّذا لو نتعلّم…