يتركّز الاهتمام اليوم على كوباني التي تُعتبر اختباراً مهمّاً لفاعلية الغارات الجوية الأميركية ودول التحالف، ومدى قدرة القوّات الكردية مجتمعة على صدّ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ووقف هجوماته وتقدّمه في المنطقة. وإذ تحدّثت المعلومات عن أنّ الغارات الجـويّة قد ساعدت في إحباط عدة محــاولات للتنــظيم المتشدّد للسيطرة على كوباني، لا تزال مصادر ديبلوماسية تُشكّك في فاعلية هذه الضربات في القضاء على التنظـيمات المتـطرّفة التي تعيث إرهاباً في منطقة الشرق الأوسط ككلّ، من «داعش» الى «جبهة النصرة» وسواهما.
وترى أنّ هذه الغارات لم تتمكّن حتى الآن من وقف تقدّم «داعش» خصوصاً في المناطق السنيّة الواقعة في غرب العراق إذ يقوم التنظيم بإعدام المواطنين الأبرياء، وقد أعدم أخيراً المئات من أبناء عشيرة قاومت سيطرته على الأراضي، ما يعني أنّ الضربات لم تخفه ولم تجعله يتراجع عمّا يُخطّط له، ولا عن قتله المدنيين من دون أسباب وجيهة، سوى فكرة الإبادة والتدمير والسيطرة على المناطق التي عليها سيقيم التنظيم دولته الموعودة.
فالأكراد يواجهـون المسلّحين المتشـدّدين في العراق، كما في كوباني، غير أنّ انتشـارهم على الأرض لا يردع هؤلاء الإرهابيين تقول المصادر، رغم مساندتهم عبر الضربات الجوّية، ما يحتّم، بحسب رأي المصادر، إعادة الحسابات من قبل الولايات المتحدة الأميركية ودول التحالف. ولا بدّ من أخذ موقف الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الأخير حول ضرورة تدخّل قوّات بريّة على الأرض لمواجهة «داعش» والقضاء عليه في وقت أسرع، بالإعتبار، خصوصاً أنّه يقصد بذلك إنزال أعداد كبيرة من القوّات البريّة المدجّجة بالأسلحة والقادرة على مواجهة عناصر هذا التنظيم، لأنّ ما يملكه الأكراد من أعداد بشرية وإمكانات عسكرية لا تبدو كافية، مع العلم أنّها تمكّنت من صدّ هجوم المتشدّدين.
فالمقاومة على الأرض لا يجب أن تكون كـ «المناوشة»، بل مقاومة فعلية وجدية وقوية الى حين تحقيق الانتصار والقضاء على هؤلاء المسلّحين الذين لا يكفّون عن تهديد الجميع في المنطقة، باستثناء إسرائيل. علماً أنّ تنظيم «داعش» قد فَقَد حتى الآن، بحسب المعلومات، الآلاف من المقاتلين في المعارك الأخيرة التي خاضها ضدّ المقاتلين السنّة الآخرين، والقوّات الموالية للنظام السوري بشّار الأسد. إلاّ أنّه لا يكفّ عن «التسويق» لممارساته وجرائمه وكيفية سبي النساء وبيعهنّ عبر شرائط الفيديو التي يرسلها الى المحطات التلفزيونية والمواقع الالكترونية بهدف إظهار أنّه موجود وغير خائف لا من الضربات الجوية ولا من تهديدات التحالف الدولي. علماً أنّه قلّل كثيراً من ظهور عناصره على صفحات التواصل الاجتماعي والفيسبوك تلافياً من أن تتمّ ملاحقتهم وكشف مواقعهم، بل أنّ بعض قادته قاموا بمنع المقاتلين من إرسال أي معلومة او تغريدة حفاظاً على سرية أماكنهم وعلى سلامتهم التي باتت مهدّدة اليوم أكثر من أي وقت مضى..
ورغم تناقص أعداد المقاتلين المنضوين الى تنظيم «داعش» بسبب لقيهم حتفهم في المعارك البرّية أو جرّاء الضربات الجويّة، إلاّ أنّ أكثر ما يثير الخوف، على ما تضيف المصادر نفسها، هو استقبال هذا التنظيم المتشدّد مئات المتطوّعين من الشباب شهرياً من عدة دول أجنبية ، الأمر الذي يعيد له ثقته بنفسه، رغم كلّ ما يحيط وجوده واستمراره من مخاطر. فضلاً عن أنّ عدة جماعات إسلامية في باكستان وأفريقيا وبعض الدول العربية قد أعلنت مبايعتها لـ «الدولة الإسلامية»، ما يدفعها من جديد الى ترتيب الصفّ الداخلي والمضي في الذبح والقتل والإعدامات وانتهاك حقوق الآخرين.
من هنا، المطلوب من دول التحالف المزيد من التيقّظ على شبابها الذي يختفي لأشهر على حدّ قول المصادر، أو يُغادر البلاد لجهة مجهولة، ليكتشف أهلهم بعد فترة أنّهم التحقوا في صفوف تنظيم «داعش». فهؤلاء لا يعلمون أنّ حياتهم هي على المحكّ، وأنّ مصيرهم مع مثل هذه التنظيمات هو القتل في ساحات المعركة. ولا بدّ هنا من تنبيه الشباب، وإيجاد فرص العمل لهم في بلدانهم لكي لا يُصبحوا لقمة سائغة بين أيدي التنظيمات المتطرّفة.
وبالعودة الى الوضع في لبنان بعد انتصار الجيش على مقاتلي «داعش» و«جبهة النصرة» في طرابلس، تقول المصادر إنّ عناصر الجيش اللبناني تمكّنوا من تجنيب لبنان كارثة كان يرسمها له المقاتلون مع متواطئين في الداخل اللبناني، غير أنّ الخطر إن جرى إبعاده لكنّه لم يلغ كلياً، فقد يعود هؤلاء للهجوم من منطقة أخرى محاذية للحدود الشمالية، وبشكل أقوى هذه المرة بهدف تحقيق الانتصار الذي لم يتمكّنوا من إنجازه بعد في لبنان بسبب قوة وبسالة الجيش.
لكنها تُطمئن في المقابل، بأنّ الأجهزة الأمنية واعية لكلّ ما يُخطط له، وهي قادرة على إحباط أي محاولات جديدة لـ «داعش» و«جبهة النصرة»، لا سيما وأنّ التحقيقات الأخيرة التي قامت بها كشفت لها عدة مخططات للإرهابيين، وهي لن تتوانى عن توقيف كلّ مشتبه به، للقضاء على كلّ ما يحاوله المتشدّدون اليوم أو غداً.
وتؤكّد أنّ ما حصل في لبنان، قصم ظهر البعير بالنسبة للداعشيين والنصرويين، خصوصاً أنّ هؤلاء كانوا يتوقّعون أنّهم سيتمكّنون من القضاء على بعض المناطق اللبنانية الحدودية بسهولة، غير أنّ الجيش من جهة، والمقـاومة من جهة ثانية، قد وقفا لهم بالمرصاد، ما شكّل خيبة أمل لطموحاتهم بأن تتضـمّن «دولتـهم الإسلامية» جزءاً من لبنان، الى جانب الأجزاء التي احتلّوها في كلّ من سوريا والعراق، ليكملوا بعد ذلك الى فلسطين والأردن، لا سيما أنّ بـلاد الشام تاريخياً تتضمّن البلدان المذكورة كلّها.
وترى المصادر الديبلوماسية نفسها أنّ اعتقاد الدولة الإسلامية أنّها ثبّتت مواقعها في سوريا والعراق، جعلها تهيّىء لظروف وجودها في لبنان، وتعمل من أجل ضمّ بقعة جغرافية منه الى مشروعها، لكنّ هذه المواقع سرعان ما انهارت مع بدء الضربات الجوية، ولا بدّ من أن تنهار أكثر فأكثر في الأسابيع والأشهر المقبلة. علماً أنّ الإجراءات الإستباقية التي قامت بها الأجهزة الأمنية في طرابلس جعلتها تحول دون تنفيذ العديد من مخططاتها الهادفة الى ضرب السلم الأهلي، وبالتالي الى انكفاء المجنّدين لـ «داعش» الى أجل غير مسمّى.
لكنّ الخطر الداعشي لا يزال يهيمن على لبنان والمنطقة، ولا يمكن التكهّن بمدى قوّته، إلاّ بعد أن يستكمل التحالف ضرباته الجوية المشدّدة ويقوم بالتالي بإنزال قوّات برّية قادرة على حسم المعركة.
تعميم المركزي يخفض سعر صرف الدولار؟
بعد أن اصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً يلزم المصارف بالحصول على موافقة مسبقة منه قبل فتح اعتمادات او دفع فواتير...