كأن لبنان، حكومة وشعبا ومؤسسات دينية، اصبح رهينة استرهان «داعش» و«النصرة»
للعسكريين والامنيين المختطفين في عرسال، هذا الحدث مازال الاولوية الاولى بالنسبة
للحكومة والجيش ورجال الدين وذوي المخطوفين الذين اثبتوا المقدرة على التضامن وعلى
مجابهة اي تلكؤ من جانب اي مسؤول، الى حد المطالبة باستبدال ابنائهم المسترهنين
باسترهان الوزراء مكانهم.
هذا الطرح الانفعالي الذي أثار انتقاد رئيس الحكومة تمام سلام تبنته الوزيرة
المرأة الوحيدة في الحكومة أليس شبطيني بإبداء الاستعداد للذهاب الى الخاطفين ووضع
نفسها تحت سيطرتهم مقابل اطلاقهم العسكريين المخطوفين.
وتشغل شبطيني حقيبة وزارة المهجرين وهي اساسا قاضية بل رئيسة لمحكمة التمييز.
وفيما الحكومة مشغول بمتابعة المفاوضات التي يتولاها وفد قطري من ضابطي مخابرات
وصديق سوري مشترك، كان البطريرك الماروني بشارة الراعي يستقبل وفدا من عشائر البقاع
والشمال سلموه وثيقة وطنية لترسيخ العيش المشترك والسلم الاهلي، وقد وقع الوثيقة
المؤلفة من 12 بندا.
وحذر الراعي من التدخلات الخارجية في منطقة الشرق الاوسط وخصوصا لبنان لضرب
العصب الاساسي لهذا البلد ألا وهو العيش معا، وقال ان مشروع الشرق الاوسط الجديد لم
يمت وهو جاهز خصوصا بعدما شهدناه في الربيع العربي، لقد اختفت الحركات الشعبية وحلت
محلها التنظيمات الاصولية بهدف تفتيت الشرق الاوسط وخلق دويلات طائفية لتسلم
اسرائيل وتعطى مبررا لاعتبارها دولة لليهود.
وتطرق الراعي الى الاستحقاق الرئاسي وذكر النواب بمسؤولياتهم، وقال: نحن لا نقبل
بان يقطعوا رأسنا، ويقصد رأس الجمهورية.
في هذه الاثناء، انصرف الاهتمام الرسمي في بيروت الى متابعة المفاوضات القطرية
مع «داعش» و«النصرة» حول اطلاق الجنود والامنيين اللبنانيين المختطفين من جانبهم.
وكانت اللجنة الوزارية الخاصة بمتابعة هذا الموضوع اجتمعت برئاسة الرئيس تمام
سلام وحاولت الابقاء على هذا التطور طي الكتمان بتجاهل دخول قطر على الخط، لكن زلة
لسان نائب رئيس الحكومة ووزير الدفاع سمير مقبل كشفت عما حرصت الحكومة على كتمانه
حين تحدث في مؤتمر صحافي عن دور قطري، وان قطر هي الوحيدة المكلفة بالتفاوض من جانب
الحكومة اللبنانية، وهو الذي كان نفى اي دور لقطر في البيان الذي تلاه للتو، وقال
ردا على سؤال: قضية العسكريين هي الاولوية المطلقة بالنسبة للحكومة ولا مجال
للمقايضة انما المقبول اجراء مباحثات على مستوى الدول وليس على صعيد افراد.
على ان هذه المعادلة لم تكن مقنعة بالنسبة لذوي العسكريين المخطوفين الذين
تساءلوا كيف يمكن المفاوضة دون مقايضة؟ فالمفاوضات تنتهي بأخذ وعطاء، اي بمقايضة،
والا على ماذا يتفاوض المتفاوضون؟
الجواب بالنسبة لفريق 8 آذار يكمن في الحكمة من ايلاء هذه المهمة لقطر التي
تستطيع اقناع الخاطفين بصرف النظر عن المقايضة بالسجناء عبر المقايضة مع امور اخرى
اقرب منالا.
رئيس الحكومة تمام سلام قال ان حكومته تعمل على تحرير العسكريين المخطوفين، لكن
ليس الى درجة اللهاث وراء الارهابيين، وقال: نحن ايضا نملك اوراق قوة للتفاوض، لكن
المطلوب من الاهالي مساعدتنا لا التهجم علينا، فنحن في معركة مفتوحة مع الارهاب
الذي يمكن ان يقوم بأي عمل ولا شيء يردعهم، المهم ألا نضعف امامهم، وعلينا ان
نعزلهم وألا ننزلق الى مطالبهم وشروطهم او ان نستدرج الى الفتنة السنية ـ الشيعية
وهي احد اهداف المجموعات التكفيرية من وراء الخطف.
واضاف سلام في تصريح له: لقد اتصلنا بالدول الصديقة والشقيقة، قطر وتركيا،
وطلبنا مسعاها مجددا لكننا لن نفصح عن اي معلومات، مشيرا الى ان لبنان سيتأثر
ايجابا بالتقارب السعودي ـ الايراني.
وابدى سلام خشيته من وصول لبنان بعد 20 نوفمبر الى الفراغ الكامل اذا لم تحصل
الانتخابات النيابية واذا لم يحصل تدخل خارجي لاجراء الانتخابات الرئاسية اولا،
ولاحظ سلام انه حتى الآن لا قرار خارجيا بالتدخل في الموضوع الرئاسي، لكن في الوقت
نفسه هناك قرار بعدم انهيار لبنان، لذلك صار وضعنا اشبه بوضع مريض يعطى المصل
والحقن لكن ممنوعا عليه ان يشفى نهائيا.
في هذه الاثناء، كان الوفد المفاوض اصبح في عرسال منذ يوم الخميس، ومنها انتقل
الى القلمون، حيث التقى ابو مالك التلة على مدى 5 ساعات وعرض له الاخير خلالها
وقائع ما حصل وسلمه ورقة بمطالبه المعروفة واسماء الموقوفين او السجناء المطلوب
اطلاقهم، ونقلت «السفير» عن مصادر لبنانية متابعة ان الموفد القطري عاد من لقاء
النصرة بتطمينات حول سلامة العسكريين المحتجزين لديها لجهة وقف الاعدامات وهو ما
سبق ان اشارت اليه «الأنباء» نقلا عن احد علماء الدين.
اما بالنسبة لـ«داعش»، فقد تعذر اللقاء بداية بسبب الخلاف على المكان، اذ رفض
امير «داعش» ابو عبدالسلام السوري القدوم الى جرود عرسال لاسباب امنية، واتهمت
«داعش» ببيان الوفد القطري بالمراوغة، لكن الاجتماع حصل لاحقا، وسرت معلومات ان
«داعش» رغبت في ملاقاة الموفد القطري الاساسي وطالبت بالمقايضة بين العسكريين
اللبنانيين والسجناء الاسلاميين في السجون اللبنانية.
على اي حال، يغادر وزير الداخلية نهاد المشنوق الى الدوحة غدا للمشاركة باجتماع
الامانة العامة لوزراء الداخلية العرب يرافقه المدير العام للامن العام اللواء عباس
ابراهيم.
وتقول المصادر المتابعة لـ «الأنباء» ان المفاوضات القطرية مع داعش والنصرة حول
العسكريين اللبنانيين المحتجزين ستطرح مع الطرف القطري وعلى بساط احمدي.
وكان المشنوق اكد وجود موفد غير قطري لمفاوضة داعش والنصرة، وان هذا الموفد حصل
على ضمانات بعدم الحاق اي اذى بالمخطوفين.
وزير العدل اشرف ريفي اكد على التزام السرية في التعاطي مع ملف المخطوفين، مشيرا
الى ان القضية باتت هما وطنيا ولم تعد قضية طائفة او فريق.
مصادر وزارية قالت ان الحكومة اللبنانية ابلغت المعنيين ان اي اذى يلحق
بالمخطوفين سيكون الرد عليه بالشكل المناسب. وقالت المصادر لـ «النهار» ان الخلية
الوزارية ركزت على ثلاث نقاط: التأكد من عدد العسكريين المخطوفين، فقد ابلغ مجلس
الوزراء ان عدد هؤلاء 28 مخطوفا ثم تبين ان هناك عنصرين لم يتضح مصيرهما بعد،
التأكد من مكان الموقوفين وكيفية توزعهم والحفاظ على سلامة المخطوفين، وتحين الفرص
لاعادتهم سالمين، علما ان الاتصالات لم تفلح في توضيح هذه النقاط بعد فيما عدا كون
المخطوفين احياء ووجودهم المتنقل من منطقة لاخرى.
واضافت المصادر ان الحكومة ابلغت المعنيين ان بيدها اوراقا حاسمة منها تنفيذ
الاحكام القضائية بحق المحكوم عليهم، وعلمت «الأنباء» ان بين هذه احكام بالاعدام
على ثلاثة موقوفين من «فتح الاسلام» جمدت منذ خمس سنوات مراعاة للامم المتحدة التي
تريد من لبنان الانضمام الى الدول المعارضة تنفيذ احكام الاعدام.
وكشف الاعلامي القريب من الجيش جوني منير لقناة «الجديد» عن عملية كومندوس يحضر
لها الجيش لانقاذ العسكريين المخطوفين عند الضرورة، مستبعدا امكانية اطلاق السجناء
الذين يطالب بهم الخاطفون.
النائب وليد جنبلاط العائد من زيارة سياسية للقاهرة اكد في تصريحات له في بيروت
ان القيادة المصرية متابعة بدقة للاوضاع العربية واللبنانية وان الرئيس عبدالفتاح
السيسي حريص كل الحرص على اهمية ان يتفق اللبنانيون على اتمام الاستحقاق الرئاسي،
باعتبار ان انتخاب رئيس للجمهورية يشكل علامة استقرار في لبنان.
واشار جنبلاط لصحيفة «المستقبل» ان الرئيس السيسي الذي التقاه مع كتلته النيابية
حريص كذلك على الانتخابات النيابية في لبنان وعلى الامن اللبناني بوصفه جزءا من
الامن القومي العربي.
وفي موضوع العسكريين المخطوفين، جدد جنبلاط بموقفه الرافض مبادلة المخطوفين
بالسجناء في رومية، وقال: لا للمقايضات نعم للمفاوضات، على ان يكون التفاوض عبر دول
تماما كما حصل اثناء تكليف اللواء عباس ابراهيم في ملفي مخطوفي اعزاز وراهبات
معلولا وقد نجح فيهما.
في غضون ذلك، حالة من الحذر تسيطر على بلدة عرسال تحسبا لما قد يأتيها من خلف
الجرود العالية المتداخلة مع الحرب السورية، وكان حدث الامس في عرسال تسلم جثة احد
مواطنيها كايد عمر غدادة مصابة بطلق في الرأس، تبين ان غدادة خطف منذ اسبوع على يد
مجموعة مسلحة من داعش، وقيل يومها ان كايد يعمل لحساب حزب الله، وان خاطفيه نفذوا
فيه حكم الاعدام لكن ذويه رفضوا التهمة كما رفضوا القصاص المنزل به وهددوا
بالانتقام.
وزار عرسال يوم الجمعة الماضي وفد من مشايخ الطائفة الدرزية ساعين للافراج عن
اربعة عسكريين دروز بين المخطوفين لدى النصرة وداعش.
رئيس بلدة عرسال علي الحجيري استغرب ما اعلنه وزير الداخلية نهاد المشنوق من ان
عرسال محتلة ودعوته لتحريرها، وقال ان عرسال مستهدفة وليست محتلة، وان الجيش متواجد
في مداخلها بكثافة، وطالب رئيس الحكومة والوزراء وحزب الله بزيارة عرسال والوقوف
على الحقيقة!
وسجل امس تطور امني لافت في الجنوب تمثل بتفجير اسرائيل عن بعد جهاز تنصت مفخخ
مزروع في اطراف بلدة عدلون اثناء محاولة خبراء عسكريين تابعين لحزب الله تفكيكه، ما
ادى الى مقتل احدهم وهو حسين علي حيدر وجرح آخرين احدهما بحالة الخطر.
وتردد ان طائرة اسرائيلية من دون طيار هي التي فجرت الجهاز بعد انكشاف امره.
واعتبر حزب الله عملية التفجير وقبلها زرع جهاز التنصت بمنزلة خرق للسيادة
اللبنانية، واشارت الى استشهاد احد المقاومين دون ذكر اسمه، وقالت «المنار» ان
العدو الاسرائيلي لا يعتبر من خيبته، ففي هذه المنطقة وفي مثل هذا الوقت من العام
1997 وقع جنود العدو في كمين للمقاومين في بلدة انصاربة، ما ادى الى قتل 13
اسرائيليا.
وداهمت مخابرات الجيش ليلا تجمعات للنازحين السوريين في علمان (ساحل اقليم
الخروب) وفي مجموع الزهراء بصيدا.
وفي انفه (جنوب طرابلس) اقتحم مسلحان ملثمان غرفة الحرس في منزل نائب رئيس مجلس
النواب فريد مكاري، وكان في الغرفة الحارس وائل غسان سركيس واستوليا على بندقيتين
حربيتين وهربا بسيارة فان.
ووجدت كتابات «داعشية» على جدران في بلدة مركبتا في قضاء المنية ـ
الضنية.