عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب انطلق مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رهط من أصحابه قبل بن صياد حتى وجده يلعب مع الغلمان في أطم بني مغالة وقد قارب بن صياد يومئذ الحلم فلم يشعر حتى ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ظهره بيده ثم قال أتشهد أني رسول الله فنظر إليه فقال أشهد أنك رسول الأميين ثم قال بن صياد أتشهد أني رسول الله فرضه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال آمنت بالله ورسله ثم قال لابن صياد ماذا ترى قال يأتيني صادق وكاذب قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خلط عليك الأمر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إني خبأت لك خبيئا قال هو الدخ قال أخسأ فلن تعدو قدرك قال عمر يا رسول الله أتأذن لي فيه أضرب عنقه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن يكن هو لا تسلط عليه وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله قال سالم فسمعت عبد الله بن عمر يقول انطلق بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بن كعب الأنصاري يؤمان النخل التي فيها بن صياد حتى إذا دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طفق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتقي بجذوع النخل وهو يختل أن يسمع من بن صياد شيئا قبل أن يراه وبن صياد مضطجع على فراشه في قطيفة له فيها رمرمة أو زمزمة فرأت أم بن صياد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يتقي بجذوع النخل فقالت لابن صياد أي صاف وهو اسمه هذا محمد فتناهى بن صياد قال رسول الله لو تركته بين قال سالم قال عبد الله قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال إني أنذركموه وما من نبي إلا وقد أنذره قومه لقد أنذره نوح قومه ولكني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه تعلمون أنه أعور وأن الله ليس بأعور.
عن عبادة بن الصامت أنه قال أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إني قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت ألا تعقلوا أن مسيح الدجال رجل قصير أفحج جعد أعور مطموس العين ليس بناتئة ولا حجزاء فإن أُلْبِسَ عَلَيْكُمْ فاعلموا أن ربكم تبارك وتعالى ليس بأعور وإنكم لن ترون ربكم تبارك وتعالى حتى تموتوا قال يزيد تروا ربكم حتى تموتوا
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في الدجال: ” أعور هِجَانٌ أزهر كان رأسه أَصَلَةٌ أشبه الناس بعبد الْعُزَّى بْنُ قَطَنٍ فأما هَلَكَ الْهُلَّكُ فإن ربكم تعالى ليس بأعور
عن جابر بن عبد الله أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخرج الدجال في خفقة ( ) من الدين وأدبار من العلم فله أربعون ليلة يسيحها في الأرض, اليوم منها كالسنة, واليوم منها كالشهر واليوم منها كالجمعة ثم سائر أيامه كأيامكم هذه وله حمار يركبه عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعا فيقول للناس أنا ربكم وهو أعور وإن ربكم ليس بأعور مكتوب بين عينيه كافر ك ف ر مهجاة يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب يرد كل ماء ومنهل إلا المدينة ومكة حرمهما الله عليه وقامت الملائكة بأبوابها ومعه جبال من خبز والناس في جهد الا من تبعه ومعه نهران أنا أعلم بهما منه نهر يقول الجنة ونهر يقول النار فمن أدخل الذي يسميه الجنة فهو النار ومن أدخل الذي يسميه النار فهو الجنة قال ويبعث الله معه شياطين تكلم الناس ومعه فتنة عظيمة يأمر السماء فتمطر فيما يرى الناس ويقتل نفسا ثم يحييها فيما يرى الناس لا يسلط على غيرها من الناس ويقول أيها الناس هل يفعل مثل هذا إلا الرب عز وجل قال فيفر المسلمون إلى جبل الدخان بالشام فيأتيهم فيحاصرهم فيشتد حصارهم ويجهدهم جهدا شديدا ثم ينزل عيسى بن مريم فينادي من السحر فيقول يا أيها الناس ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث فيقولون هذا رجل جني فينطلقون فإذا هم بعيسى بن مريم صلى الله عليه وآله وسلم فتقام الصلاة فيقال له تقدم يا روح الله فيقول ليتقدم إمامكم فليصل بكم فإذا صلى صلاة الصبح خرجوا إليه قال فحين يرى الكذاب ينماث كما ينماث الملح في الماء فيمشي إليه فيقتله حتى إن الشجرة والحجر ينادي يا روح الله هذا يهودي فلا يترك ممن كان يتبعه أحدا إلا قتله
عن أبي الطفيل قال كنت بالكوفة فقيل خرج الدجال قال فأتينا على حذيفة بن أسيد وهو يحدث فقلت هذا الدجال قد خرج فقال اجلس فجلست فأتى علي العريف فقال هذا الدجال قد خرج وأهل الكوفة يطاعنونه قال اجلس فجلست فنودي أنها كذبة صباغ قال فقلنا يا أبا سريحة ما أجلستنا إلا لأمر فحدثنا قال إن الدجال لو خرج في زمانكم لرمته الصبيان بالخذف ولكن الدجال يخرج في نقص (قلة) من الناس وخفة من الدين وسوء ذات بين فيرد كل منهل فتطوى له الأرض طي فروة الكبش حتى يأتي المدينة فيغلب على خارجها ويمنع داخلها ثم جبل إيلياء فيحاصر عصابة من المسلمين فيقول لهم الذين عليهم ما تنتظرون بهذا الطاغية أن تقاتلوه حتى تلحقوا بالله أو يفتح لكم فيأتمرون أن يقاتلوه إذا أصبحوا فيصبحون ومعهم عيسى بن مريم فيقتل الدجال ويهزم أصحابه حتى أن الشجر والحجر والمدر يقول يا مؤمن هذا يهودي عندي فاقتله قال وفيه ثلاث علامات هو أعور وربكم ليس بأعور ومكتوب بين عينيه كافر يقرأه كل مؤمن أمي وكاتب ولا يسخر له من المطايا إلا الحمار فهو رجس على رجس.
ثم قال إنا لغير الدجال أخوف علي وعليكم قال فقلنا ما هو يا أبا سريحة قال فتن كأنها قطع الليل المظلم قال فقلنا أي الناس فيها شر قال كل خطيب مصقع وكل راكب موضع قال فقلنا أي الناس فيها خير قال كل غني خفي قال فقلت ما أنا بالغني ولا بالخفي قال فكن كابن اللبون لا ظهر فيركب ولا ضرع فيحلب.
عن عائشة أم المؤمنين قالت دخل علي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أبكي فقال ما يبكيك فقلت يا رسول الله ذكرت الدجال قال فلا تبكي فإن يخرج وأنا حي أكفيكموه وإن أمت فإن ربكم ليس بأعور وإنه يخرج معه يهود أصبهان فيسير حتى ينزل بضاحية المدينة ولها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان فيخرج إليه شرار أهلها فينطلق حتى يأتي لد فينزل عيسى بن مريم فيقتله ثم يمكث عيسى في الأرض أربعين سنة أو قريبا من أربعين سنة إماما عادلا وحكما مقسطا
عن عروة بن الزبير قال قالت أم سلمة زوج النبي ذكرت المسيح الدجال ليلة فلم يأتني النوم فلما أصبحت دخلت على رسول الله فأخبرته فقال لا تفعلي فإنه إن يخرج وأنا حي يكفيكموه الله بي وإن يخرج بعد أن أموت يكفيكموه الله بالصالحين ثم قال ما من نبي إلا وقد حذر أمته الدجال وإني أحذركموه إنه أعور وإن الله ليس بأعور إنه يمشي في الأرض, وإن الأرض والسماء لله, إلا أن المسيح عينه اليمنى كأنها عنبة طافية
وكلمة المسيح تطلق على الدجّال وتطلق على عيسى بن مريم عليه السلام.وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما بقوله في الدجال “مسيح الضلالة” فدل على أن عيسى “مسيح الهدى”
فإذا أريد بها الدجال قُيّدت به فيقال “المسيح الدجال” فإذا أطلقت فقيل “المسيح” فهو عيسى بن مريم عليه السلام.
وسُمّي الدجال مسيحاً إما لأنه ممسوح العين اليمنى طافئة لا شعاع فيها، ممسوح الحاجب الأيمن، أو لأنه يسيح في الأرض كلها.
وكذلك عيسى بن مريم عليه السلام كان يسيح في الأرض أو لأنه كان يمسح ذوي العاهات بيده فيبرئهم
أما لفظ الدّجال: فبفتح أوله والتشديد من “الدّجل” وهو لغة التغطية، وذلك لأنه يغطي الحق بباطله.
والمسيح الدجال ليس هو أول دجال ولكنه آخر الدجاجلة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن بين يدي الساعة ثلاثين دجالاً كذاباً”( ).
تحقيق أن الدجال هو أول العلامات الكبرى للساعة:
ظهور المسيح الدجال هو أول العلامات العشر الكبرى للساعة والتي ضمها حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم سنصدّر به الباب القادم بإذن الله تعالى وهو “علامات الساعة الكبرى”.
وقد ذهب قوم من أهل الأخيار إلى القول بأن طلوع الشمس من مغربها هو أولُ العلامات الكبرى مستندين في ذلك إلى الحديث الصحيح المروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: قال: “إن أول الآيات خروجاً طلوعُ الشمس من مغربها وخروج الدّابة على الناس ضحىً فأيتّهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريباً”( ).
وهذا الذي ذهبوا إليه ليس بصواب وإنما يسبق طلوع الشمس من مغربها ثلاثُ علامات كبار أولها ظهور الدجال ثم نزول عيسى بن مريم عليه السلام ثم خروج يأجوج ومأجوج. وتحقيق ذلك بأن نقول:
إنه بطلوع الشمس من مغربها يغلق باب التوبة ولا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً.
ولكنّ المقرر والمعروف أن عيسى بن مريم بنزوله سيدعو الناس إلى الإسلام وسيؤمن به أقوامٌ من النصارى قال تعالى: “وإنْ من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً”. النساء 159.
فلو كان سبق ذلك طلوع الشمس من مغربها لم يكن ينفعهم إيمانهم ولهذا:
– قال الحافظ بن حجر: (إن مدة لُبث الدجّال إلى أن يقتله عيسى ثم لُبث عيسى وخروج يأجوج ومأجوج كل ذلك سابق على طلوع الشمس من المغرب، فالذي يترجّحُ من مجموع الأخبار أن خروج الدجال أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامة في معظم الأرض وينتهي ذلك بموت عيسى بن مريم، وأنّ طلوع الشمس من المغرب هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي، وينتهي ذلك بقيام الساعة) ( ). اهـ.
لابد أن يكون ظهور الدجال ونزول عيسى وخروج يأجوج ومأجوج علامات سابقة على طلوع الشمس من مغربها لأن عيسى سيعيش بعد مقتل الدجال وهلاك يأجوج ومأجوج سبع سنين كما جاء في صحيح مسلم أو أربعين سنة كما جاء في رواية صحيحة عند أبي داود عن أبي هريرة، ثم بعد ذلك تظهر أول العلامات التي تتابع بعدها باقي العلامات كأنها حبات عقد انقطع سلكه فانفرطت حباته أي توالت سراعاً. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خرزات منظومات في سلك فانقطع السلك فيتبع بعضها بعضاً”( ).
– الدجال رجل من بني آدم يهودي ممسوخ الخلقة شيطاني النشأة والنزعة شيطاني الشكل والصورة. تحيط به الشياطين ويتبعه سبعون ألفاً من اليهود عليهم الطيالسة (الطرحة أو الغترة).
– أما عن أبويه فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يمكث أبوا الدجال ثلاثين سنة لا يولد لهما ثم يولد لهما غلام أعور أضر شيء وأقله منفعة، تنام عينه ولا ينام قلبه”. ثم نعت أبويه فقال: (أبوه رجل طويل مضطرب اللحم طويل الأنف كأن أنفه منقار، وأمه امرأة فرضاخيّة عظيمة الثديين”( ).
– وأما عن شكله وصورته فقد بينها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بياناً شافياً كافياً، لا يدع معه شكاً ولا تردداً في التعرف عليهن ففيه علامات تظهر من بعدي وعلامات تظهر من قريب.
– فإذا نظرت إليه قادماً من بعيد رأيت رجلاً قصيراً ضخم الجثة جداً، آدم (أسمر) أحمر (أدمته صافية قد احمرّت وجنته عظيم الرأس كأن رأسه أصلة( )، جعد الشعر قطط (شديد الجعودة) كأنه مضروب بالماء والرمل، جُفال جُفال، (حُبُك، حُبُك) ( ) كأن شعره أغصان شجرة( )، أفحج (تدانت صدور قدميه وتباعدت عقباها).
– فإذا اقتربت منه رأيت شَبَهاً شيطانياً فشق وجهه الأيمن ممسوح لا عين فيه ولا حاجب، وعينه اليسرى متقدةٌ خضراء كأنها كوكب دري، كأنها زجاجة خضراء ناتئة (بارزة)، جاحظة متدلية على وجنته كأنها عنبة طافية أو نُخامة في جدار.
فهو إذن أعور العينين، اليمنى ممسوحة طافئة لا شعاع فيها واليسرى ناتئة طافية جاحظة متدلية على وجنته( ).
وكان يمكن أن يكتفى بهذا الوصف الدقيق ولكن الله جلّت قدرته شاء أن يستبين لنا أمره فلا يخفى طرفة عين فوصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلغ وصف وبينه بياناً شافياً فقال صلى الله عليه وسلم: “مكتوب بين عينيه “كافر” تهجاها رسول الله: “ك. ف. ر” يقرؤها كل مؤمن قارئ وغير قارئ”. ولأ أظنه يخفى بعد ذلك على أحد( ).
ابن صياد هذا غلام يهودي كان يسكن المدينة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فيه صفات المسيح الدجال وكان كاهناً ودجالاً من الدجاجلة واشتبه أمره على الصحابة بل على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يوح إليه فيه شيء.
قال النووي: (قال العلماء: قصة ابن صياد مُشكلةٌ وأمره مشتبه لكن لا شك أنه دجّال من الدجاجلة، والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوح إليه في أمره بشيء، بل قال لعمر لما أراد قتله: “لا خير لك في قتله
قيل الذي حبسه الملائكة وقيل سليمان عليه السلام وليس معنا دليل صحيح نعتمد عليه في ذلك، المهم أنه قد حبس بدير، قد أُحكم وثاقه وشددت أغلاله إلى أن يأتي الوعد الموعود.
هو من قِبَلِ المشرق جزماً، في إقليم “خراسان” تحديداً من قرية “يهودية أصبهان”. (أي على الحدود الروسية الإيرانية اليوم) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها خراسان”( ). وفي حديث آخر يقول صلى الله عليه وسلم: “يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة”( ).
يخرج الدجال اللعين من غضبة يغضبها، وقد جاء ذلك في أثر صحيح عن حفصة أم المؤمنين قالت: (إنما يخرج الدجّال من غضبة يغضبها) ( ).
وهي غضبة لم تكن لتفك قيوده وتطلقه من حبسه وإلا فهو غضبان منذ أن قيد وحبس في هذا الدير ولذلك جاء في بعض روايات حديث الجسّاسة السابق: (فزفر ثلاث زفرات) ( ). فتلك الغضبة ما هي إلا علامة جعلها الله سبباً لخروجه، كما جعل سبب خروج يأجوج ومأجوج أن يقولوا للسد الذي حبسهم بداخله ذو القرنين “غداً نفتحه إن شاء الله” فيلهموا أن يقولوا إن شاء الله فيكون ذلك سبباً لخروجهم.
يخرج الدجال كما قدمنا بعد فتح المسلمين القسطنطينية، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عمران بيت المقدس خراب يثرب وخراب يثرب خروج الملحمة وخروج الملحمة فتح القسطنطينية وفتح القسطنطينية خروج الدجال”( ).
فخروج الدجال يكون بعد ظهور المهدي وخوضه بعض الحروب في الجزيرة العربية وفارس والروم والقسطنطينية والتي ستستغرق بضعة أشهر
1) تقع معركة (هرمجدون) ويكون على إثرها جفاف نهر الفرات وجفاف بحيرة الطبرية بالشام وكذلك نخل بيسان على الحدود الفلسطينية الأردنية. فإذا نشبت حرب (هرمجدون) العالمية فانتظروا الدجال على إثرها قريباً.
2) مجئ سنوات الجذب والقحط والجوع والبلاء والغلاء و… قلّة الدين عند الناس يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “… وإن قبل خروج الدجّال ثلاث سنوات شداد يصيب الناس فيها جوع شديد يأمر الله السماء في السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها، ويأمر الأرض أن تحبس ثلث نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثانية فتحبس ثلثي مطرها ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله فلا تقطر قطرة ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله فلا تنبت خضراء فلا يبقى ذات ظلف إلا هلكت إلا ما شاء الله، قيل: فما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: التهليل والتكبير والتحميد يجري ذلك عليهم مجرى الطعام”( ).
وقد بدأت بوادر ذلك وتطالعنا الصحف كل يوم بأنباء ملايين من البشر الذين يعانون من المجاعات ويعيشون تحت خط الفقر وأعدادهم في تزايد مستمر، والحديث لا ينقطع عن اجتماعات منظمات الأغذية العالمية والتي يحضرها العديد من رؤساء الدول لمناقشة موضوع المجاعات العالمية القريبة المتوقعة. ولا عجب في ذلك فقد كثر الحديث في هذه الأيام عن حروب ستكون بسبب المياه.
فعلامة خروج الدجال إذن الفساد العام في الأرض والاضطرابات والفتن والحروب والمجاعات وجفاف الأنهار والبحيرات وتزايد المشاكل والأزمات هذا هو المناخ المناسب لظهور هذا الكائن الشيطاني الذي تكون عامة فتنته في المأكل والمشرب نسأل الله السلامة.
– فيا عجباً لقوم يستبعدون هذا الأمر ويظنون أن بينهم وبينه أمداً بعيداً مع أن الأنبياء كلهم حذروا أقوامهم منه وأكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذكره حتى ظن الصحابة أنه مختبئ وراء النخل يوشك أن يفجأهم.
– وفتنة الدجال هي فتنة شُبهات وشهوات، ليست فتنة قهر وجبر وإكراه. ففتنته شيطانية تشبه فتنة الشيطان الذي يقول لأتباعه والمفتونين به يوم القيامة، ما اخبر الله تعالى عنه في القرآن بقوله سبحانه:
“وقال الشيطان لما قُضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي غني كفرت بما أشركتمونِ من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم” إبراهيم 22.
وعندما نقول فتنة شيطانية نعني أنها ضعيفة التأثير على المؤمنين فهي لا تعدو أن تكون فتنة إغواء وشهوات وهذا معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فخفض فيه ورفع” أي رفع وعظم من شدة فتنته ومع ذلك فهي حقيرة ضعيفة الأثر وصاحبها حقير هين على الله.
– فالدجال اللعين بما أوتي من شبهات وخوارق للعادات يستميل إليه ضعاف القلوب والإيمان من المسلمين فضلاً عن المشركين والملاحدة. فهو يخرج على حين جدب وقحط ومجاعات عالمية فيدعي الصلاح ثم يدعي النبوة ثم يدعي الألهية وعندئذ تطمس عينه ويكتب على جبينه كافر وينفر منه كل ذي لب.
– فيخرج اللعين يلوّح للناس برغيف الخبز وإن معه لجبالاً من الخبز وأنهار الماء، فيفتن به الماديون أصحاب الشهوات وأهل الدنيا الذين لا يبالون من أين يأكلون أمن الحرام أم من الحلال أولئك الذين يقولون: (نحن نتعامل مع الشيطان كي نعيش).
ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم – خاصة من لم يتمكن الإيمان من قلبه – من الوقوف في وجه الدجال فقال: “من سمع بالدجال فلينأ عنه فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات”( ).
أما من وثق بربه وكمل يقينه بالله فله أن يقف في وجه الدجّال كما سنبين قريباً وليس ذلك بضاره شيئاً.
– والدجال سيهبط الأرض كلها في أربعين ليلة يسير فيها سيراً حثيثاً كالغيث استدبرته الريح، يدعو الناس إلى نفسه، تحيط به الشياطين تعينه على ضلالته. شأنه شأن الساحر الذي تنقاد له الشياطين كما ضل وكفر، ويزداد انقيادها له وطاعتها لأمره بازدياد في كفره وضلاله فيكون ذلك كالبرطيل أو الرشوة التي تُرضي عنه الشياطين
وقد روى الإمام أحمد إمام أهل السنة رضي الله عنه حديثاً جميلاً عجيباً بسنده عن محجن بن الأدرع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: خطب الناس يوماً فقال: “يوم الخلاص، وما يوصم الخلاص؟ ثلاثاً. فقيل له وما يوم الخلاص قال: يجئ الدجال فيصعد أحداً فينظر إلى المدينة فيقول لأصحابه: هل ترون هذا القصر الأبيض( )؟ هذا مسجد أحمد. ثم يأتي المدينة فيجد في كل نقب من أنقابها ملكاً مصلتاً سيفه فيأتي سبخة الجرف فيضرب رواقة ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات فلا يبقى منافق فلا يبقى منافق ولا منافقة ولا فاسق ولا فاسقة إلا خرج إليه فذلك يوم الخلاص”( ).
وأخيرا تدبر هذا الحديث
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا أيها الناس إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال وإن الله عز وجل لم يبعث نبياً إلا حذّر أمته الدجال وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم وهو خارج فيكم لا محالة فإن يخرج وأنا بين أظهركم فأنا حجيج لكل مسلم وإن يخرج من بعدي فكل حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم. وإنه يخرج من خلة بين الشام والعراق فيعيث يميناً وشمالاً، يا عبادا لله أيها الناس فاثبتوا فإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه قبلي نبي، … يقول: أنا ربكم، ولا ترون ربّكم حتى تموتوا، وإنه أعور وإن ربكم ليس بأعور، وإنه مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن كاتب أو غير كاتب. وإن من فتنته أنّ معه جنة وناراً فناره جنة وجنته نار فمن ابتلى بناره فليستعذ بالله وليقرأ فواتح الكهف. وإن من فتنته أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك؟ فيقول نعم، فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وامه فيقولان يا بني اتبعه فإنه ربك.
وإنّ من فتنته أن يُسلّط على نفس واجدة فيقتلها ينشرها بالمنشار حتى تلقى شقين ثم يقول: انظروا إلى عبدي هذا فإني أبعثه ثم يزعم أن له رباً غيري فيبعثه الله ويقول له الخبيث: من ربك؟ فيقولك ربي الله وأنت عدو الله أنت الدجال والله ما كنت قط أشد بصيرة بك من اليوم.
وإن من فتنته أن يأمر السماء أن تمطر، فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت. وإن من فتنته أن يمر بالحي فيكذبونه، فلا يبقى لهم سائمة إلا هلكت.
وإن من فتنته أن يمر بالحي فيصدقونه، فيأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت، حتى تروح مواشيهم من يومهم ذلك أسمن ما كانت، وأعظمه، وأمده خواصر وأدره ضروعاً.
وإنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه وظهر عليه، إلا مكة والمدينة، لا يأتيهما من نقب من أنقابهما إلا لقيته الملائكة بالسيوف صلته، حتى ينزل عند الضريب الأحمر، عند منقطع السبخة، فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فلا يبقى فيها منافق ولا منافقة إلا خرج إليه، فتنفي الخبيث منها، كما ينفي الكير خبث الحديد، ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص، قيل: فأين العرب يومئذ؟ قال: هم يومئذ قليل.
وإمامهم رجل صالح، فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح، إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم الصبح، فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقري ليتقدم عيسى، فيضع عيسى يده بين كتفيه، ثم يقول له: تقدم فصل، فإنها لك أقيمت، فيصلي بهم إمامهم، فإذا انصرف قال عيسى: افتحوا الباب فيفتحون ووراءه الدجال، معه سبعون ألف يهودي، كلهم ذو سيف محلّى وساج، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء. وينطلق هارباً.. فيدركه عند باب لُدّ الشرقي، فيقتله، فيهزم الله اليهود، فلا يبقى شيء مما خلق الله عز وجل يتواقى به يهودي، إلا أنطق الله ذلك الشيء، لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابة، إلا الغرقدة، فإنها من شجرهم لا تنطق، غلا قال: يا عبد الله المسلم هذا يهودي فتعال اقتله.
فيكون عيسى بن مريم في أمتي حكماً عدلاً، وإماماً مقسطاً يدق الصليب، ويذبح الخنزير، ويضع الجزية، ويترك الصدقة، فلا يسعى على شاةٍ ولا بعير، وترفع الشحناء والتباغض وتنزع حمّة كل ذات حمّة، حتى يدخل الوليد يده في فِي الحية، فلا تضره، وتضر الوليدة الأسد فلا يضرها، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها، وتملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء وتكون الكلمة واحدة، فلا يعبد إلا الله، وتضع الحرب أوزارها وتسلب قريش ملكها، وتكون الأرض كفاثور الفضة، تنبت نباتها بعهد آدم حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم، ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم، ويكون الثور بكذا وكذا من المال، ويكون الفرس بالدريهمات.
وإن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد، يصيب الناس فيها جوع شديد، يأمر الله السماء السنة الأولى أن تحبس مطرها، ويأمر الأرض أن تحبس ثلث نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثانية فتحبس ثلثي مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله، فلا تقطر قطرة، ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله فلا تنبت خضراء، فلا يبقى ذات ظلف إلا هلكت إلا ما شاء الله، قيل: فما يُعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: التهليل والتكبير، والتحميد، ويجزئ ذلك عليهم مجزأة الطعام”( ).
وفي بعض الروايات في صحيح مسلم: “… قالوا يا رسول الله ما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوماً. يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامهم. قالوا: يا رسول الله فذلك اليوم كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، أقدروا له”.