يمكن إنكار شدة خطورة التنظيمات الإرهابية التي انتشرت منذ عقود من الزمن كالنار في الهشيم، باثّة الرعب والإرهاب في أنحاء مختلفة من العالم، ولعل تصاعد وتيرة هجمات تلك الميليشيات في السنوات الأخيرة مع موجة ما يسمى بـ”الربيع العربي” والتي أدت إلى تشويه توق تلك الشعوب المنتفضة للحرية والديمقراطية والعدالة، فتح المجال أمام القوى العظمى في العالم لمد أيديها في الأقطار العربية ومحاولة تحويل وجهة الانتفاضات إلى نقاط الوصول التي تبحث عنها والتي فيها مصلحة تلك القوى فقط. وفي تجل جديد لهذا التدخل العسكري والسياسي الغربي في الشعوب، بعد أن أصبح سنة متبعة منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، تتأهب القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية للقيام بتدخل عسكري في كل من العراق وسوريا “للقضاء على ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية”.
ونظرا للإشكال الذي خلفته التجربة الأميركية في العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين البعثي، والذي أدى إلى تثبيت نظام طائفي عنيف، فقد سارعت الأمم المتحدة إزاء الأزمة السورية إلى محاولة تجاوز فرضية أن تتكرر تجربة العراق ونادت بالتنسيق مع النظام السوري الحالي لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي وهو ما جاء على لسان رئيس لجنة التحقيق الدولية حول سوريا باولو سيرجيو بينيرو. وفي المقابل، ترفض المعارضة السورية رفضا قاطعا التسوية مع نظام الأسد في محاربة الإرهاب مؤكدة أن القضاء على الإرهاب يمر حتما عبر إسقاط نظام بشار الأسد وهو ما عبر عنه عضو الائتلاف الوطني المعارض سمير نشار.
“يؤكد تزايد خطر الجهاديين في سوريا على ضرورة أن يتوصل النظام والمعارضة إلى تسوية من أجل وضع حد لثلاث سنوات ونصف السنة من النزاع”.
بهذه الكلمات اتخذ رئيس لجنة التحقيق الدولية حول سوريا لدى الأمم المتحدة باولو سيرجيو بينيرو موقعه في خارطة الصراع السوري عندما أعلن صراحة عن حاجة المنتظم الأممي لنظام بشار الأسد حتى وإن كانت تدينه في كل مناسبة.
وقال بينيرو أن “النزاع السوري لن تتم تسويته فـي ساحــة المعركة” وذلك في إشــارة إلى ما تتأهب له الدول الغربية من ضربة محتملة ربما بالتنسيق مع سوريا للقضاء على تنظيــم مـا يسمـى بالـدولــة الإسلاميــة.
وصرح بينيرو أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قائلا: “نحن في لحظة حرجة من النزاع.
وبينما تدعو المعاناة الهائلة منذ مدة طويلة لعمل ديبلوماسي فإن نشوء تنظيم الدولة الإسلامية يعزز ضرورة أن تجد الحكومة السورية الحالية أرضية مشتركة مع أبرز حركات المعارضة والالتزام بالقيام بتسويات من أجل حل سياسي للنزاع”.
وفي حين يقول رئيس لجنة التحقيق الدولية حول سوريا أنه “لا توجد كلمات” لوصف فظائع النزاع الدائر في سوريا، فإنه قد ندد مجددا بعدم تحرك الأسرة الدولية “مما أتاح لأطراف النزاع الإفلات من العقاب وزاد من العنف الذي امتد في كل أنحاء سورا. والمستفيد الأخير منه هو تنظيم الدولة الإسلامية”.
وأضاف بينيرو أن التنظيم الذي صنفه مجلس الأمن الدولي في أغسطس مجموعة إرهابية، قام بإعدام مدنيين ومقاتلين أسرى وجنود نظاميين علنا في الشهرين الماضيين، كما أعدم مئات الجنود الذين أسروا في الرقة ومئات الأفراد من عشيرة “الشعيطات” في دير الزور.
وتابع أن “المجموعات المعارضة المسلحة ليست وحدها المسؤولة عن الدمار والقتل في سوريا. فالنظام لا يزال المسؤول عن غالبية الضحايا المدنيين فهو يتعرض كل يوم للمدنيين ويقتلهم من خلال القصف وعلى الحواجز وفي مراكز الاستجواب”.
ولدعم تقريرها، رفعت لجنة التحقيق أمام المجلس شهادة 12 من الضحايا تم جمعها مؤخرا من أصل 3200 شهادة جمعتها خلال عملها.
وإحدى هذه الشهادات هي لصحافي سوري معارض نجا من سجن لتنظيم الدولة الإسلامية في حلب، وتمت مقابلته في 15 أغسطس الماضي.
وروى الصحافي الذي رفض الكشف عن هويته من أجل سلامته أن النظام أوقفه وعذبه ثلاث مرات في 2011 و2012 وأن خمسة أفراد من تنظيم الدولة الإسلامية اعتقلوه في بيته في نوفمبر 2013 بسبب مقالاته المعارضة للجهاديين.
واحتجز الصحافي في مستشفى سابق في قضاء عسكر داخل زنزانة تحت الأرض. وكان هناك 12 زنزانة في كل منها بين 40 و50 شخصا يعتبرون معارضين لتنظيم الدولة الإسلامية. وكان يتم إخراج المعتقلين يوميا لضربهم وهو ما تعرض له أيضا.
وقال سيرجيو بينيرو إن عمليات الإعدام دون محاكمة كانت تتم دائما بالشكل نفسه ويقول: “يصل اثنان من التنظيم ويناديان على أسماء أشخاص يقومون بعصب أعينهم بينما يطلب من الباقين أن يستديروا لمواجهة الحائط حتى لا يروا وجوههم، ويصطحبون المحكوم عليهم إلى الطابق الأول وبعدها تسمـع طلقــات ناريــة. هذا ما يحصل مرة في اليوم وكل يوم”.
وقد ارتكز رئيس لجنة التحقيق الدولية حول سوريا باولو بينيرو إلى هذه الشهادات العينية والعديد من التحقيقات والأدلة الأخرى لبلورة موقف لجنته من النظام السوري واستنتاج أن “ضرورة فتح حوارات مع الحكومة السورية الحالية وإيجاد نقاط اتفاق بينها وبين المعارضة الحالية سوف ينهي هذه الفظاعات والجرائم التي ترتكب في حق الإنسان كل يوم من قبل التنظيم المتطرف والإرهابي المسمى الدولة الإسلامية”.
شكّك عضو الائتلاف الوطني “سمير نشار” في جدية الولايات المتحدة الأميركية في تنفيذ الضربة ضد “داعش” والنظام معا، قائلا إنه “لا يعتقد أن الولايات المتحدة ستهاجم التنظيم والنظام في آن واحد”، مشيرا أن تنفيذ الضربة ضد “داعش” فقط يعد “خدمة مجانية للنظام السوري”.
وأكد نشار في تصريحات له على “رفض التطرف بكافة أشكاله من قبل المعارضة السورية” في حين، لم يؤكد أو ينف إمكانية قيام الولايات المتحدة الأميركية بتدريب عناصر تابعة للمعارضة السورية المسلحة، مستبعدا “فرضية وجود أي تنسيق مسبق بين النظام والقيادة الأميركية” في وقت قلل فيه من أهمية أن يلعب النظام دورا في ضرب مواقع التنظيم.
وأكد سمير نشار على “وجوب شمولية الحرب ضد الإرهاب، بما في ذلك إرهاب النظام الأسدي، والميليشيات الطائفية التي استقدمها من العراق، فضلا عن حزب الله اللبناني، من أجل التنكيل بالشعب السوري”.
وأشاد نشار بجهود الشعب السوري في ما أسماه “مقارعة كلٍ من النظام والمجموعات الإرهابية”، مقللا من أهمية الرأي القائل باحتمال رد النظام على الضربات الأميركية ضد التنظيم، مضيفا: “النظام العاجز عن إخراج مقاتلي المعارضة المسلحة من أحياء مدينة دمشق، والفاشل في الرد على الهجمات الإسرائيلية مرات عديدة، بالتأكيد لن يستطيع فعل أي شيء إزاء الهجمات الأميركية، بل يوجه ترسانته لقتال الشعب السوري الأعزل”.
وقد رحب عضو الائتلاف الوطني المعارض بالضربات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية ضد تنظيم الدولة، شريطة أن تكون الضربات موجهة في نفس الوقت لمراكز قوى السلطة الحالية، قائلا أن “نظام الأسد هو مصدر الإرهاب في المنطقة، وأن الحرب على الإرهاب يجب أن تشمل جميع أقطاب الإرهاب وإلا فلن ترى المنطقة الأمن والاستقرار”.
وأشار سمير نشار إلى وجود “تنسيق أمني بين الولايات المتحدة الأميركية، والائتلاف الوطني، والجيش الحر، والفصائل المعتدلة من المعارضة السورية”، متوقعا أن “تقدم الدول المشاركة في الحرب على الإرهاب، أسلحة نوعية لقوات المعارضة، لكي تفرض سيطرتها على المناطق التي سيتم إنهاء وجود داعش فيها، لكي لا تشهد المنطقة فراغا في السلطة”.
وهذا ما يعده نشار جزءا من استراتيجية المواجهة مع النظام وإنهاء سيطرته بشكل يتوازى مع القضاء على الإرهاب.
كما ذهب سمير نشار إلى أن “قدرات النظام السوري العسكرية قد استنزفت، وهو يستعين بميليشيات إرهابية أتى بها من خارج البلاد، في ظل مقتل أكثر من 100 ألف عسكري من أبناء الطائفة العلوية، التي ارتكز عليها، فضلاً عن أن الشريحة العاقلة ضمن الطائفة العلوية، باتت مدركة أن نظام الأسد بات قاب قوسين أو أدنى من الانهيار”.
لذلك، يقول سمير نشار أنه “على العلويين لفظ نظام الأسد والالتحام بالشعب السوري، فالنظام فقد سيطرته على الأمور، والطائفة العلوية هي ضحية السياسات غير المجدية لنظام الأسد” على حد تعبيره.
وفي ذات السياق، يواصل عضو الائتلاف السوري المعارض سمير نشار تفسيره لموقفه الرافض لأية تسوية مع النظام السوري، بقوله أن “أية استراتيجية للتعامل مع داعش، تتجاهل مخاطر النظام السوري وضرورة إسقاطه، ستؤدي حتماً إلى بقاء البيئة المولدة والجاذبة للتطرف والإرهاب”.
وأضاف نشار: “إن تجاهل أهمية سقوط داعش في سوريا، قد يدفع المقاتلين في العراق إلى إعادة التدفق من جديد نحوها، وسيشكّل ذلك خطراً كبيرا على من بقي من المعارضة السورية المسلحة المعتدلة، لذلك فإن الضربات يجب أن تكون موجهة ضد معاقل التنظيم في العراق وسوريا، ويجب على المعارضة السورية أن تستغل الوضع لتقديم نفسها كشريك للمجتمع الدولي في محاربة الإرهاب، على أن يكون مطلبها التمسك بالإطاحة بالأسد”.
إجماع دولي على مواجهة داعش والمنظمات المسلمة تطلق “نداء باريس”
باريس- وافق وزراء خارجية نحو 30 دولة عربية وغربية خلال اجتماع دولي نظّم في العاصمة الفرنسية باريس لمساندة العراق على اتخاذ “كل السبل الممكنة” في مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية. وبحث المشاركون في الاجتماع الدور الذي يمكن أن تقوم به كل دولة في الحرب ضد الإسلاميين المتطرفين الذين يسيطرون على مناطق في سورية والعراق.
ووافق وزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والمملكة العربية السعودية وقطر ودول أخرى على “الحاجة الملحة لاستئصال داعش” من المناطق التي تسيطر عليها في العراق ووعدوا بغداد بمساعدات عسكرية. وقال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في مستهل الاجتماع الذي يستضيفه بمشاركة الرئيس العراقي فؤاد معصوم أنه “لا يوجد وقت نضيعه” ضد المتطرفين الذين بثوا شريطا مصورا في وقت سابق يظهر قطع رأس عامل الإغاثة البريطاني ديفيد هاينز.
وتابع: “إن صراع العراق ضد الإرهاب هو أيضا صراعنا”، في إشارة إلى المخاوف من أن آلاف الأوروبيين الذين يعتقد أنهم يقاتلون في العراق وسورية ضمن تنظيم “الدولة الإسلامية” قد يعودون إلى بلدانهم لشن هجمات.
ووافقت نحو 40 دولة على أن تلعب دورا في حملة تقودها الولايات المتحدة للحد من تأثير تنظيم الدولة الإسلامية، والقضاء عليه في نهاية المطاف حسبما قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بعد أن قام تنظيم “الدولة الإسلامية” بإعدام صحفيين أميركيين اثنين في وقت سابق.
وقال رئيس الوزراء العراقي الجديد فؤاد معصوم في مقابلة صحفية أنه “من الناحية العسكرية نحن لا نحتاج إلى قوات على الأرض بل إلى غطاء جوي وخبرات دول مثل فرنسا”. يذكر أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري أمضى الأسبوع الماضي في التنقل بين دول الشرق الأوسط لمحاولة حشد الدعم لهجوم جديد بقيادة الولايات المتحدة في المنطقة، بعد 11 عاما من بدء الحرب الأخيرة في العراق.
وقد أصدرت بدورها اتحادات المساجد الفرنسية ما أسمته “نداء من مسلمي فرنسا” ضد تنظيم الدولة الإسلامية وطالبوا بتحقيق في مصادر دعمه وموارده. وكتب المسؤولون “ندين بحزم الفظاعات التي يرتكبها تنظيم داعش بحق المدنيين في العراق وسوريا وفي أوساط المسيحيين والأيزيديين والأكراد والتركمان والمسلمين الشيعة والسنة وعمال القطاع الإنساني والصحافيين”. وكرروا طلبا للحكومة الفرنسية بالتوقف عن تسمية التنظيم “الدولة الإسلامية”، وأشاروا إلى أنه بالرغم من اسمه فإنه “لا علاقة له لا بالدولة ولا بالإسلام”.
وقد وقعت عشر مؤسسات كبرى من بينها تجمع المساجد المغربية واتحاد مسجد باريس الكبير (المرتبط بالجزائر) ولجنة تنسيق شؤون المسلمين الأتراك في فرنسا، وجمعية الإيمان والعمل (تيار التبليغ) على نص أسموه “نداء باريس” وقد احتوى دعوة لمسلمي العالم إلى التسامح ونبذ التطرف والعنف وإدانة كل الممارسات الإرهابية.
وأضاف الموقعون إنه “أمام حجم جرائم داعش وأهمية الموارد المادية التي تملكها، ندعو المجتمع الدولي إلى فتح تحقيق لتحديد المسؤوليات في دعم هذه المنظمة الإرهابية ومصادر مواردها”.