ايها الصومال العزيز، نحن على خطاك…
لا، لا. اننا اكثر سوءاً من هناك حيث الصراع بين القبائل من اجل المناصب، واحيانا من اجل المراعي، وربما من اجل اسواق الابل…
لا يباهي الصومال بأنه منارة القرن الافريقي. حفاة وبائسون بعضهم يعلّق صورة اسامة بن لادن على ان الله بعث به لكي يؤمن الطعام للهياكل العظمية، وبعضهم يعلق صورة ناعومي كامبل، عارضة الازياء الشهيرة، او الغزالة النحاسية، بمفاتنها الاستراتيجية والمجنونة، على انها من اصول صومالية..
لطالما قلنا نحن، وتغنينا نحن، اننا بلد الاشعاع الذي انتج كل اولئك المبدعين في الكتابة وفي الشعر وفي الموسيقى و الغناء، وفي الرسم والنحت، وفي السياسة و الاعلام، وحتى في الاناقة، حتى ان داليدا قالت لنا ذات يوم انها تتمنى لو ترقص عارية القدمين على ارصفة الحمراء حيث كان نجوم عالميون ينبهرون بتلك اللحظات الباريسية في احد شوارع الشرق. الفارق انه كان ثمة قلب لبيروت آنذاك، وكانت باريس الديكارتية بل والبونابرتية تُختزل بالحي اللاتيني و بالصراع الفلسفي حول ذلك المخلوق الغامض الذي تحدر من الخطيئة الاصلية…
البعض في البقاع اظهر اننا نلعب جميعا داخل تلك الغرنيكا القاتلة. يتواطأ البعض في عرسال مع «داعش» و«النصرة» فتقطع الطريق ويختطف اي شخص من البلدة ولو كان لا يزال يشعر بالحنين الى القيم العتيقة التي كانت في عرسال قبل ان تبتلى بمصطفى الحجيري (ابو طقية) ومن لف لفه..
وتختطف عصابات الفدية المالية التي لم تفرّق يوماً بين السنّي والشيعي، وبين المسلم والمسيحي، فيتعرض البعض في سعدنايل لسائقي الفانات الذين يلهثون وراء لقمة العيش، ويشبعونهم ضربا واهانة، وان كان يحتسب لشقيق ايمن صوان عقلانيته واخلاقيته العالية في مقاربة المسألة…
وتذبح «داعش» الجندي البطل عباس مدلج الذي اظهر ابوه ذلك المستوى من الرقي الوطني والانساني، فيلقى القبض على نازحين سوريين عند مدخل بعلبك، ويكبلون ويرمون في الشارع لكي يتفرج عليهم الناس. هل كنا بشراً وهل كنا بعلبكيين في تلك اللحظة؟
الصوماليون لا يفعلون ذلك. كتب احدهم ابراهيم بادوي الذي يقيم في روما عن «الارض اليباب» مقتفياً اثر ت.س. اليوت، حيث الارض تتشقق، والاقدام تتشقق، والوجوه تتشقق بعدما اخذت البلاد اسمها من حليب الابل. الآن لا حليب في اثداء الامهات…
اذاً، سنّة و شيعة يعكسون الركام (لعله الركام الابدي) الذي في داخلنا. حتماً لا يفكر الرئيس سعد الحريري هكذا، وان اظهر بعض نوابه انهم اساقفة الفتنة، واساقفة الضغينة، وحتما لا يفكر السيد حسن نصرالله هكذا، وان كان بعض نوابه لا يرتقون في الاداء الى مستوى المرحلة بل هم جزء من ذلك الايقاع اليومي الرتيب و الممل. هل هؤلاء (ونقصد البعض) بمستوى رفاقهم الذين دحروا اسرائيل وعلقوا تيودور هرتزل (ومعه ارييل شارون) على الخشبة؟
هام جداً كان بيان الرئيس الحريري، ولكن يا دولة الرئيس ما هي مفاعيل البيانات عن بعد، والمواقف عن بعد؟ واذا كان من الضروري التنويه بما يفعله وزير الداخلية نهاد المشنوق وكيف يتعاطى، وكيف يفكر، فإن آخرين يمارسون الازدواجية بأبشع صورها. كلام على الشاشة وآخر في …الخندق.
بالحرف الواحد ننقل ما قاله احد النواب من ان الائتلاف الدولي والعربي سيقضي على كل التنظيمات الارهابية، ووفق التصنيف الاميركي والاسرائيلي. وقال ان السنوات القليلة التي تحدث عنها الرئيس باراك اوباما تعني ان السيناريو (الاستراتيجي) الذي سيتم تنفيذه على الارض لا يتوقف عند حدود العراق و سوريا بل انه يصل الى لبنان.
واضح ان المقصود.»حزب الله» الذي لولاه لاصبحت» داعش» في مدينة زحلة بل في وسط بيروت، ولولاه لبقيت اسرائيل في لبنان الى الابد. ولكن أليست المهزلة حين تكون تركيا جزءاً محورياً من الائتلاف وهي التي ترعرع تنظيم الدولة الاسلامية على ايدي استخباراتها، وكان رجاله الذين من اصقاع الارض، بل من اصقاع جهنم، ينقلون بالحافلات المكيفة الى سوريا لا لتقويض النظام فيها فحسب وانما لتقويض كل الانظمة العربية بما في ذلك النظام السعودي والنظام المصري في تصور عبثي، ودونكيشوتي، لاعادة او لاستعادة السلطنة العثمانية..
لا احد يمكنه القول ان تيار المستقبل او «حزب الله» يتوخى الفتنة، والا كان لبنان تحوّل الى حطام من سنوات وسنوات، ولكن لا يكفي ان تبقى المسافات بين الاثنين بانتظار ان يتبلور الايقاع الاقليمي الذي بات مرتبطاً، على كل حال، بالايقاع الدولي. لا بد من لقاء، والآن وليس غداً، بين الشيخ والسيد لان ما جرى في الشارع أشد هولا من ان يعالج بالبيانات. لا بد من التنسيق على الارض. الاثنان يتعاليان ويتكاتفان لتدمير المغول الجدد، وفي هذه اللحظة بالذات.
ولا بد للرئيس الحريري ان يرفع الصوت في وجه اصحاب الوجوه المزدوجة: «اما ان تكونوا تحت عباءتي او تكونوا تحت عباءة ابي بكر البغدادي».
حتما ثمة من آثر ان يظل تحت عباءة الخليفة، وثمة لبنان آخر (على سطح المريخ) ويستورد مغنيات الاوبرا وراقصات السامبا وفرقة الجيش الاحمر التي لا نعرف ما اذا كانت تعزف بأصابع كورساكوف (صاحب شهرزاد) ام بأسنان ستالين.
ذات يوم قال تقي الدين الصلح بالفرنسية لسليمان فرنجية «يا فخامة الرئيس، المسلمون يشعرون بالخجل ان فرحوا، والسبب فلسطين». لماذا لا يخجل اللبنانيون، مسيحيون ومسلمون، بسبب لبنان؟
تعميم المركزي يخفض سعر صرف الدولار؟
بعد أن اصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً يلزم المصارف بالحصول على موافقة مسبقة منه قبل فتح اعتمادات او دفع فواتير...