هل يدرك السعوديون و الايرانيون انهم بذلك الصراع، ولعله الصراع من اجل المجهول، فرشوا السجادة الحمراء للخليفة ابي بكر البغدادي الذي من يستطيع ان ينفي انه الاكثر استقطاباً للقاعدة في لبنان وفي سوريا وفي العراق وفي الاردن وحتى في المملكة نفسها؟
وهل يدركون ان صراع اللامعنى، واللاعقل، واللامنطق، شرّع الابواب، كل الابواب، امام الفتنة الكبرى ليموت ما تبقى من لبنان، وما تبقى من سوريا، وما تبقى من العراق، ودون ان تكون السعودية، ودون ان تكون ايران، بمنأى عن ذلك الزلزال الذي وان قلنا انه الآتي من قاع التاريخ كما من قاع الايديولوجيا، فهو من صنع ايدينا، وقد آن الاوان لنقول الحقيقة بملء افواهنا، وبملء وعينا؟
وهل يدركون ماذا يعني ذلك التحالف الدولي، بأبعاده التراجيدية، سوى اعادة هيكلة المنطقة استراتيجياً لتكون المسرح الخلفي لرعاة البقر( اما نحن فرعاة الابل) للعبة القرن على ضفاف الباسيفيك وحيث الامبراطوريات الكبرى التي في صعودها قد تدفع اميركا الى داخل اميركا كما اراد الرئيس جيمس مونرو، وكان مبدأه الشهير في عام 1823؟
وهل يدرك السعوديون والايرانيون انه كان يفترض بهم ان يجمعوا بين ضفتي الخليج وبدعوة من المستقبل والى المستقبل الذي ندير له ظهورنا، بدلاً من ان نجعل الخليج، وهو منجم اللآلىء، مستنقعاً للضغينة وللغرائزية وللاغتيال العبثي للثروات وللامكانات؟
وهل يدركون انهم بذلك الصراع تركوا السلطان العثماني،وقد تواطأنا معه بكل جوارحنا، وبكل ملياراتنا، وبكل قبليتنا، من اجل ان يرقص، وبحصانه إياه، فوق جثثنا؟ لاحظوا كيف اغوى سعود البرزاني الذي، وبغباء منقطع النظير، مدّ له يده على انه العرّاب الاستراتيجي لدولة كردستان، فإذا به يطلق العنان لابي بكر البغدادي لكي يقتل من يقتل ويهجّر من يهجّر من اكراد سوريا؟
وهل يدرك السعوديون والايرانيون اي عباءة فولكلورية على كتفي ذلك التحالف الذي اعطى كل الوقت لقيادات داعش و لمقاتلي داعش لاعادة التموضع، ثم اطلق التوما هوك ليدمر ابنية خالية حتى من القطط وحتى من الاثاث…
ولقد لاحظنا الى اين آل الصراع. كسروا ظهرنا في العراق فنكسر ظهرهم في اليمن.أليس هذا ما انتهت اليه اللعبة التي اتاحت للبغدادي ان يدق ابواب السعودية كما ان يدق ابواب ايران، ولن نمضي اكثر في هذه اللغة الرمادية ونقول انه فات الاوان على ما حدث في نيويورك، وحيث التقى الجبلان( سعود الفيصل و محمد جواد ظريف).
اجل، التقى الجبلان بعدما خسرت ايران في العراق وخسرت السعودية في اليمن. طويا صفحة الماضي وافتتحا صفحة جديدة، فهل تفضي الى ما دعاها معلق ايراني بـ« ليلة الزعفران في نيويورك» الى اقفال ليلة الدم، الطويلة و الطويلة جدا، في المشرق العربي؟ لعل العدوى تنتقل الى الضفة الاخرى من العالم العربي، وحيث قطع الرؤوس وصل الى ارض الكنانة، وحيث السواطير لم تعد تتلألأ في ليبيا فحسب بل و في تونس التي طالما اعتبرنا انها المثال الوحيد لتلك الخرافة التي تدعى الربيع العربي ؟
الآن وقد اردرك السعوديون والايرانيون ان الصراع هو جهنم وحول جهنم، هل ينتقلون في الحال، ومن نيويورك الى بيروت التي هدد سراج الدين زريقات الذي خرج للتو من الظل و بأصابع خارجية بطبيعة الحال، باحتلال وسط بيروت وقد بدأ انصاره يشيعون ( تابعوا مواقع التواصل الاجتماعي) ان دراجاتهم النارية على بعد ثوان قليلة من الداون تاون وحيث تقع دارة الرئيس سعد الحريري…
ايها السعوديون، وايها الايرانيون، لبنان على وشك ان ينتحر. رجال دين، ونواب، يعلنون على الملأ ولاءهم للدولة الاسلامية ولـ«جبهة النصرة» ، ويعتبرون ان حصار الارهابيين في الجرود هو حصار لعرسال بل هو حصار لـ«اهل السنّة» الذين هم تمام سلام، ونهاد المشنوق، ومحمد المشنوق، ورشيد درباس، والذين هم سعد الحريري، وليس اولئك، ومن بينهم نواب، الذين ينفخون في الابواق وفي النيران ايضا..
ولاولئك الذين لا يعلمون ان السنّة هم اهل الامة، وهم اهل اللبنانيين كلهم، ولاولئك المسيحيين الذين ضاعت اولوياتهم امام جاذبية المال كما امام جاذبية الثأر، فراحوا يدافعون عن البغدادي و يبررون افعاله، نسأل هل الاكراد، ومنهم صلاح الدين الايوبي ومنهم يوسف العظمة، سنّة ام هم رافضة و نصارى و يهود ويحل قطع روؤسهم، كما دعا ابو محمد العدناني الى قطع رؤوس الاميركيين و الفرنسيين بوجه خاص، ودون ان ينسى الدعوة الى سبي نسائهن بالشعر الاشقر و بالعيون الزرقاء، وهو هاجس العرب منذ الجاهلية؟
الاكراد سنّة، وبالرغم من ذلك، يجتاح الداعشيون قراهم، و يذبحون رجالهم، ويسبون نساءهم، ويستبيحون كل ما حُلّل وكل ما حُرّم، فهل يتوقع من يؤازرهم في الموقف او في الكلام، او حتى في الصمت، ناهيك بالانتظار، في لبنان انهم سيتركون حجراً فوق حجر ورأساً فوق كتف ان وصلوا الى تمثال الشهداء الذي لن يبقى في مكانه على كل حال لانه صنع بـ« ايد صليبية»، ولانه يسيء الى جمال باشا السفاح، وبالتالي الى الباب العالي؟
النار في ثيابنا. ادركونا.هل نستحق ان يدركونا؟!
نبيه البرجي