أصابت الحيرة والارتباك الموقف الرسمي الإسرائيلي بعد انفجار التظاهرات والاحتجاجات في القدس المحتلة، وتزايد التقديرات بشأن توسعها في الضفة الغربية.
ولم تفلح غارات الجيش الإسرائيلي المكثفة على قطاع غزة في خلق الردع الذي تريده الدولة العبرية لمنع إطلاق الصواريخ على مستوطناتها القريبة، فعمدت إلى التظاهر بتعزيز قواتها المدرعة حول القطاع، موحية باستعداد لتصعيد كبير. وفي الوقت نفسه سعى الجيش وعدد من الوزراء إلى محاولة ضبط تعابير حالة الكراهية ضد العرب في أوساط الجنود والشبان الإسرائيليين، عبر التهديد بملاحقة ومحاكمة الداعين إلى الثأر.
وبدا واضحا من اتساع حملة الاحتجاجات في شرقي القدس أن الأمور تتجه، حتى باعتراف الإسرائيليين، نحو التفاقم، بعد أن اكتملت كل عناصر «الانتفاضة الصغيرة». فعدا موجات الشباب المشتبك مع مظاهر الاحتلال وشرطته تبلورت ما يشبه «القيادة الموحدة» للقوى الوطنية والإسلامية التي تدعو، ليس فقط إلى التصدي لسوائب المستوطنين دفاعا عن النفس، وإنما أيضا للدفاع عن عروبة القدس.
فاختطاف وحرق الصبي محمد أبو خضير وتلكؤ إسرائيل في الإقرار بذلك، أو اكتشاف الجاني، وبالتالي منع عمليـات أخرى، أمر خلق دافعا لدى كل فلسطيني في الضفـة الغربيــة للانتفاض والدفاع عن نفسه. وليس مهما عند المنتفضين إن كان أحد سيسمي ما يجري «انتفاضة ثالثة» أم أي اسم آخر، لكن الأهم لديهم هو منع استمرار حالة الإذلال القائمة وإظهار استعدادهم للدفاع عن كرامتهم وحقوقهم.
وتواصلت لليوم الثاني على التوالي المواجهات بين قوات الاحتلال وفلسطينيين تجمعوا في حي شعفاط في القدس الشرقية.
وقالت مصادر في الهلال الأحمر الفلسطيني إن 232 شخصا أصيبوا في المواجهات خلال الساعات الـ24 الماضية، بينها ست إصابات بالرصاص الحي. وجرت مواجهات في عدة مناطق من الضفة الغربية، وخصوصا في قلنديا بالقرب من رام الله، وبيت فجار وبيت لحم جنوب الضفة.
وانشغلت الإدارة الأميركية بمحاولة إقناع كل من الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية بضبط الوضع ومنع تدهوره أكثر.
وأجرت اتصالات مكثفة على مستوى المسؤولين الأميركيين ووزيري الخارجية والدفاع مع الرئاسة الفلسطينية ورئاسة الحكومة الإسرائيلية. لكن كل هذه الاتصالات لم تترك أثرا في ما يجري على الأرض.
فمن ناحية، وكما هو واضح، مظاهر الانتفاضة تتصاعد في القدس والضفة الغربية، ومن ناحية أخرى يزداد انفلات الوضع مع قطاع غزة. وقد أطلقت المقاومة، ردا على الغارات الإسرائيلية التي أدت إلى إصابة 15 شخصا، من القطاع عشرات الصواريخ من بينها «غراد» على دائرة تزيد عن 15 كيلومترا من حدود غزة. وأصابت الصواريخ عدة مبان في مستوطنة سديروت، من دون التبليغ عن وقوع إصابات. لكن استمرار إطلاق الصواريخ من القطاع دفع الجيش الإسرائيلي إلى إعلان سياسة جديدة تقضي بضبط النفس في ظل التهديد برد شديد.
وقد أعطى الجيش الإسرائيلي بشكل تظاهري أوامر لوحدات مدرعات بالاحتشاد قرب قطاع غزة، وسمح للصحافيين بالتقاط ونشر صور لها. كما تقرر الإعلان عن تجنيد «العشرات من أفراد القوات الاحتياطية لأغراض دفاعية»، فضلا عن الإيحاء بوجود «استعداد فعلي» لتنفيذ عملية عسكرية واسعة. وادعى الجيش الإسرائيلي أن غاراته على القطاع وقائية، وأنها ترمي إلى منع إطلاق الصواريخ أو ردع المنفذين.
وكان غريبا بعض الشيء إطلاق جهات إسرائيلية رفيعة المستوى تصريحات بأن وجهة الاحتلال ليست للتصعيد. وقال ضابط رفيع المستوى للصحافيين إن «إسرائيل غير معنية بتدهور الوضع نحو عملية كبيرة، مثل الرصاص المسكوب، لكن إذا لم يسد الهدوء، فسنرد بكامل القوة والشدة». وقال ضابط آخر ان الرسالة التي يطلقها الجيش هي أن «الهدوء يقابل بالهدوء، وأن تفهم حركة حماس أن وجهتنا هي الهدوء وليس التصعيد». وأشار إلى أن الحشد العسكري حول قطاع غزة هو «استعداد في حال عدم نجاح مساعي الهدوء. والانتشار لا يجد ترجمة فعلية له على الأرض، لأننا لا نريد الدخول إلى مواجهة واسعة». ومع ذلك تؤكد عدة جهات إسرائيلية أن «حماس» تشارك في إطلاق الصواريخ من القطاع، وأن من يطلق الصواريخ ليس فقط جهات «متمردة» كما كان الوضع في الماضي.
وذكرت «كتائب عز الدين القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، في بيان، ان «التهديدات التي يطلقها العدو، والتلويح بالحرب ضد غزة، لا تعني في قاموسنا سوى اقتراب ساعة الانتقام من العدو وتلقينه دروساً قاسية». وأضافت «لن نسمح ولن نقبل من أحد أن يطالبنا بضبط النفس وضبط قطاع غزة، فنحن لا نعمل عند أحد، وليس لنا دور سوى حماية شعبنا ومقاومة المحتل والدفاع عن أرضنا ومقدساتنا، وإذا كان العدو يبحث عن التنسيق الأمني فليبحث عنه عند غيرنا، فليس له عندنا سوى ما يعرف».
ومن الجلي أن أسبابا سياسية، إقليمية ودولية، تقف خلف ما تدعيه إسرائيل من حالة «ضبط نفس» وصلت إليها بعد أن عربدت طوال أسابيع في الضفة الغربية بحجة البحث عن المستوطنين الثلاثة. لكن هناك من يعتقد أن أسبابا مالية تقف أيضا خلف «ضبط النفس» هذا، فالجيش الإسرائيلي لديه ميزانية تمويلية لظروف اعتيادية، وقد عاش أسابيع عصيبة مؤخرا قبل أن ينال مليار شيكل إضافي. ويمكن لمليار الشيكل هذا ألا يكفي يومي مواجهة واسعة مع القطاع من دون حساب التعويضات التي ستقدم لسكان مستوطنات غلاف غزة حتى إذا لم تصل المواجهة إلى ضرب تل أبيب.
ويتجنب الجيش الإسرائيلي الحديث عن عملية برية في المستقبل المنظور، لكن هناك خشية من أن توسيع مدى إطلاق الصواريخ وإدخال بئر السبع وأسدود فيها تمهيدا لقصف تل أبيب قد يدفعان إلى مثل هذه العملية البرية. لكن هناك أيضا احتمالات أن تصيب هذه الصواريخ مدرسة أو مستشفى أو حتى بيتا، وتقع فيه إصابات كثيرة، حينها تندفع الأمور نحو مواجهة واسعة غير مرغوب فيها حاليا.
ومن الجائز أن منطق «التهدئة» التي تتحدث إسرائيل علنا عنها، بعد أربعة أيام من المداولات المكثفة في المجلس الوزاري المصغر، يشهد على مقدار الإرباك الذي تعيشه حكومة بنيامين نتنياهو. فمن ناحية ليست هناك حكومة يتحدث وزراؤها من البطن أكثر من هذه الحكومة، لكنهم جميعا يعودون للانضباط في الشأن العسكري تحت ما تفرضه وتريده قيادة الجيش. لكن ليس هذا هو الحال في ما يتعلق بالاستيطان، حيث ان وزير الدفاع موشي يعلون نفسه هو من عرض، حتى بمخالفة صريحة لتعهدات للولايات المتحدة، إنشاء مستوطنة جديدة في «غوش عتسيون».
لكن ثمة من يوحون بأن رسالة «التهدئة» الإسرائيلية الصريحة هي نوع من محاولة «تركيب ملف» لحركة «حماس». وقال بعضهم إن هدف هذه الرسالة، المرتبة مسبقا مع المستوى السياسي، هو توفير «نقطة تراجع أخيرة لحماس» قبل حدوث صدام عسكري واسع. لكن كما سلف، فان هذا الصدام «الواسع» مخيف من وجهة نظر إسرائيلية، لأنه قد يجري متزامنا في كل الجبهات، وليس فقط في الضفة والقطاع.
عبد السلام: دول العدوان تتحمل مسؤولية إفشال الهدنة باليمن وتفاقم المعاناة
كشف رئيس وفد صنعاء المفاوض محمد عبد السلام، اليوم الإثنين، عن آخر مستجدات الهدنة أثناء التواصل مع الاتحاد الأوروبي للشؤون...