باتت الذاكرة اللبنانية متخمة بالحروب العدوانية الاسرائيلية على لبنان، ولعل افظعها ما جرى في يوميات العدوان خلال شهري تموز وآب من عام 2006، الحرب الغبية التي فضحت اسطورتهم وبيّنت وهنهم وعجزهم عن هزم المقاومة اللبنانية، ولعل افضل من عبّر عن هزيمة الاحتلال الاسرائيلي هم جنرالات الحرب الذين سيقوا الى المحاكمات، لـ «تورطهم» في «الاخفاقات» وصنع الهزيمة المدوية، ومعهم المحللون العسكريون الاستراتيجيون الذين اخضعوا »حرب لبنان الثانية» لدراسات مستفيضة، كلها انتهت برسم هزيمة الاحتلال امام المقاومة، وصورة كاريكاتورية ساخرة لـ «فرق النخبة» التي كُلفت «تلقين» حزب الله درسا لا ينساه»(!).
كل المستوطنين الاسرائيليين الذين شكلوا مجتمعا هجينا، سمعوا ما قاله «الجنرال» شيمون بيريز (رئيس الكيان الصهيوني في حينه)، بعد الحرب، «انا اسف لان «حزب الله» قد تغلب علينا»، ورئيس بلدية حيفا لم يكن ليصدق ان يوما سيأتي وتُقصف حيفا بالصواريخ. ويبقى المثير للسخرية، ما تحدثت عنه الصحافة الصهيونية بعد اسابيع على انتهاء العدوان على لبنان، عن ان اولى الدروس والعبر التي استخلصتها قيادة الاحتلال في حربها على لبنان، العمل على مضاعفة عدد الصفارات التي تنذر بسقوط صواريخ، من 1500 الى 3000 صفارة.
امر يُجمع عليه الجمهور الصهيوني، بمؤسساته المدنية والعسكرية، بعد عدوان تموز على لبنان، وهو القناعة التامة بان اي حرب قادمة مع لبنان، ستكون كارثية على اسرائيل.
نشرت صيحفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية، شهادة جندي اسرائيلي، يعالج من اثار صدمة الحرب في لبنان، مع اكثر من 300 جندي، كانوا في عداد القوة الاسرائيلية التي شاركت في اقتحام احدى القرى الحدودية في جنوب لبنان، وجاء فيها:
«كنا 116 جندياً داخل احد بيوت بلدة لبنانية، وعرف «حزب الله» بوجودنا وبدأوا يطلقون النار علينا من جميع الاتجاهات، لم يرحمونا، طلبنا عبر جهاز الاتصال المدفعية، وحصلنا عليها.. وكان للبيت نافذة كبيرة، وكنت واقفاً على الشرفة أشاهد قذائفنا التي كانت تقترب شيئاً فشيئاً من البيت، في البداية سقطت على بعد 100 متر منا، ثم خمسين مترا.. اتصلنا لنصحح اتجاه القصف.. فظننا أن القصف سيبتعد، فإذا بالقذيفة التالية تسقط على بعد عشرين مترا وعندها أطلقوا النار علينا، قذيفتان دخانيتان، إحداهما جعلتني أطير باتجاه المطبخ واندلعت النيران، كل شيء احترق وتهاوى عليّ، بدأت بالصراخ من تحت الأنقاض، ثم شعرت بشيء، تبين في ما بعد أنه يد، تسحبني بقوة.. اعتقدوا بأنني أحترق.. فانهالوا عليّ بالضرب.. وحاولت التكلّم لكني لم أستطع وفقدت وعيي، لقد رأيت نفسي وأنا أموت، بينما قال الضابط، وكلانا نخدم معا في قوات الاحتياط، ان الجميع كان يبكي واني متّ بين أيديهم
ان صدمة الحرب ما زالت تنتابني، ويصيبني حتى اليوم نوبات بكاء وذعر وهلع، أتعاطى حبوبا منومة ومهدئة لأني أصبحت عصبي المزاج وأصرخ في وجه كل من يقترب مني، وكنت على استعداد لتقبل الاصابة كجزء من ثمن الحرب التي شاركت فيها، لكنني مقتنع بأن الإصابة النفسية ما كان يجب أن تكون بهذا العمق، شعوري اليوم ان الحكومة أهملتنا وربما هذا أصعب شيء، سمعت كثيرا عن إخفاقات الجيش الإسرائيلي في إدارة المعارك في جنوب لبنان، وسمعت عن أوامر حمقاء، يقولون لنا أن نحتل هدفاً وقد احتللناه مع جرحى وبعد ذلك ننسحب منه، وبعد أن نحتله مرة أخرى والمزيد من الجرحى، لا تفهم ما الذي يريدونه، أعرف أن حوادث إصابة جنود بنيران صديقة أمر يحدث في جميع الحروب، لكن لا يمكنك أن تفهم كيف لا تعرف مكان قواتك برغم كل التكنولوجيا اليوم، فهناك أجهزة كمبيوتر وأقمار اصطناعية وطائرات استطلاع من دون طيار.. التي ما زال صوتها، وهي تحلّق فوقي، يهدر في رأسي حتى الآن، يريدون منحي وساما لكني أرفض، ولا أعتقد أني أستحقه وأنا أكره الجهاز العسكري والحكومة، ليس بسبب الإصابة الجسدية بل بسبب ما حملت من صدمة نفسية… ذهبت إلى الحرب باسماً.. فليعيدوني باسما».