وصف آية الله علي خامنئي في تغريدة له بأن الحكومة الاميركية هي «رمز الطغيان على البشرية»، وذلك بعد نشر تقرير يدين استخدام المخابرات الاميركية التعذيب بحق معتقلين مشتبه بضلوعهم في قضايا الارهاب. هذا اول رد فعل ايراني من قبل مسؤول كبير على هذا التقرير الذي كشف ان المخابرات الاميركية اخضعت عشرات من معتقلي «القاعدة» لعمليات استجواب عنيفة، لكن دون جدوى بين عامي 2001 و2009، معتمدة الكذب والخداع على الرأي العام.
على صعيد آخر، اكد مساعد وزير الخارجية الايراني للشؤون العربية والافريقية حسين امير عبد اللهيان، ان بلاده باتت اليوم الاكثر نفوذا في المنطقة، وانها تستخدم هذا النفوذ لضمان امنها القومي ومصالحها القومية وامن المنطقة.
وشدد اللهيان على الدور الذي تضطلع به ايران في التطورات التي يشهدها اليمن ذلك انطلاقاً من قناعتها بان الامن المستدام في اليمن له تداعيات مباشرة على الامن المستدام في منطقة الخليج برمتها. واتهم ايضاً بعض الدول في المنطقة وخارجها بدعم «داعش» لتغيير الاوضاع في العراق وسوريا، لكن «داعش» باتت تهدد تلك الدول نفسها.
في نفس الوقت رأى رئيس الجمهورية حسين روحاني بان هبوط اسعار النفط بشكل متسارع يؤشر الى وجود قرار سياسي وان الهدف منه التأثير على الاوضاع المالية والاقتصادية في بعض الدول المنتجة للنفط ومن بينها ايران، والتي تواجه ازمة اقتصادية – مالية واجتماعية جراء العقوبات الدولية القاسية المفروض عليها من المجتمع الدولي ومن الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي.
تأتي هذه التصريحات في وقت دقيق سواء لجهة تمديد الاتفاق النووي المؤقت بين ايران ومجموعة خمسة زائد واحد، لمدة سبعة اشهر تنتهي في 30 حزيران 2015، او لجهة التطورات العسكرية والامنية التي تجتاح منطقة الشرق الاوسط والتدخل الايراني العلني في مختلف الازمات التي تجتاح سوريا والعراق واليمن ولبنان، وفي وقت استبعدت ايران عن الائتلاف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والذي بدأ بشن حرب طويلة ضد الدولة الاسلامية.
تواجه ايران، دون شك، وباعتراف الرئيس روحاني ظروفاً اقتصادية واجتماعية حرجة بسبب العزلة الدولية المفروضة عليها، وبسبب الاضرار التي اصابتها من الارتدادات التي نتجت عن سياسات ومواقف الرئيس الاسبق محمود احمدي نجاد. وكان الرئيس روحاني قد انتخب على امل ان ينفتح على الغرب من خلال السعي لايجاد حل مقبول للملف النووي، يؤدي الى رفع العقوبات المفروضة على ايران في اسرع وقت ممكن.
لا بدّ هنا من طرح مجموعة اسئلة: هل يمكن ان تخدم مثل هذه التصريحات لهؤلاء المسؤولين الايرانيين الكبار عملية البحث عن حل للمعضلة النووية ضمن الفترة الزمنية المحددة بـ 30 حزيران 2015؟ هل تساعد هذه المواقف على بناء قواعد الثقة مع الدول الغربية من اجل تسريع عملية رفع العقوبات عن ايران؟ هل تساعد هذه التصريحات الادارة الاميركية في جهودها للحؤول دون فرض الكونغرس الاميركي الجديد عقوبات جديدة ضد ايران؟ هل تساعد هذه المواقف على ايجاد ارضية للتنسيق والتعاون بين ايران وبين التحالف الدولي في الحرب على الدولة الاسلامية في العراق؟ هل تشجع هذه التصريحات الدول الاقليمية وخصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي من اجل قبول ايران كشريك فعلي في البحث عن حلول للازمات التي تواجهها دول المنطقة، وخصوصاً في العراق وسوريا واليمن؟ هل تخدم هذه المواقف المطلب الايراني لجهة ضرورة وقف تدهور اسعار النفط، والذي يتوقف على قرار تتخذه «اوبك» والذي يلعب المصدرون من دول مجلس التعاون الخليجي الدور الاساسي في صناعته؟
لا تتسع المساحة للبحث عن اجوبة لكل هذه الاسئلة المهمة، والتي من المفترض ان يطرحها كل مسؤول ايراني على نفسه قبل اعلانه لاي موقف يتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة والغرب، او لجهة الافصاح عن دور ايران وتدخلاتها في مختلف ازمات المنطقة العربية، او لجهة اتهام الدول المؤثرة في تحديد اسعار النفط بالضلوع في مؤامرة سياسية من اجل التأثير على ايران وسياساتها.
لكن يبقى من الضروري قراءة مضمون هذه التصريحات وتوقيفها من اجل استشراف ما يمكن ان يكون لها من ارتدادات اقليمية ودولية تؤثر على الاوضاع الصعبة الراهنة التي تواجهها ايران، والتي يأمل الرئيس روحاني في تجاوزها من خلال اعتماد ديبلوماسية مرنة وواقعية مع القوى الدولية، وخصوصاً الولايات المتحدة ومع القوى الاقليمية، وفي طليعتها المملكة العربية السعودية.
من خلال مثل هذه القراءة يمكن ابداء مجموعة ملاحظات، ابرزها:
اولاً، يبدو من تصريح آية الله خامنئي بانه ما زال يرى في الولايات المتحدة مصدراً للشر – حيث يصفها بانها «رمز الطغيان على البشرية»، وذلك كبديل للتوصيف السابق الذي يصف اميركا «بالشيطان الاكبر». يؤشر هذا التصريح على ان التفويض الذي اعطاه المرشد للرئيس روحاني للبحث عن حل للملف النووي مقابل الغاء نظام العقوبات ليس شاملاً ونهائياً، وبان التناقض واجواء العداء لاميركا هي مرشحة للاستمرار. لن تساعد مثل هذه التصريحات التي تصدر عن المرشد جهود الادارة الاميركية من اجل احتواء اجواء العداء داخل الاكثرية الجمهورية في الكونغرس والتي تسعى الى سن قوانين لفرض عقوبات جديدة ضد طهران، في محاولة حثيثة من اجل فرض عزلة كاملة عليها، ومن اجل افشال كل المحاولات المبذولة من اجل التوصل لحل للملف النووي.
ثانياً، من المؤكد ان اعتداد مساعد وزير الخارجية حسين امير عبد اللهيان حول فائض النفوذ الايراني في المنطقة، لا يخدم على المستوى البعيد مصالح ايران السياسية والاقتصادية والامنية مع دول الجوار، خصوصاً في ظل الاتهامات التي تصدر عن هذه الدول لايران بانها تسعى لفرض هيمنتها على المنطقة، وذلك من خلال استعمالها للشرائح الشيعية في هذه الدول للتخريب على النظام العام والعمل على اضعاف السلطة او اسقاطها، خدمة للنفوذ والهيمنة الايرانية.
يتجاهل عبد اللهيان كل الاتهامات العربية لايران حول اضطلاعها مباشرة او بواسطة حلفائها بتسعير الخلاف الشيعي- السني في المجتمعات العربية، وبان العصبية الشيعية المدعومة ايرانياً شكلت سبباً مباشراً لنشوء حركات سنية متطرفة على غرار داعش والنصرة وغيرها من الحركات التكفيرية.
ويتحدث عبد اللهيان عن الدور الذي تلعبه بلاده في اليمن، ويضعه في خدمة الامن المستدام لليمن وللمنطقة، في الوقت الذي يبدو فيه بان انقضاض الحركة الحوثية على السلطة ومؤسساتها قد دفع اليمن الى حالة «اللادولة»، مع مخاض الانزلاق الى حرب اهلية، بالاضافة الى تشجيع الانفصال، وعودة اليمن الى يمنيين.
ثالثاً، يتطلب التضامن بين ايران والدول الخليجية المصدرة للنفط وعلى رأسها ان تقوم ايران باعادة تقييم لسياساتها في الخليج وفي العراق ولبنان وسوريا، كي تراعي مصالح الدول العربية والاقليمية، كما تراعي مستقبل الشعب السوري ومستقبل الاستقرار في الدول الاخرى. وكان من المفترض ان يبادر الرئيس روحاني شخصياً خلال العام المنصرم لبذل كل الجهود الممكنة من اجل بناء قواعد الثقة مع الدول العربية وخصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي ومصر، لكي يبدو بأن ادارة الشؤون الايرانية – العربية هي ما زالت بيد المحافظين، وتحديداً بيد قيادات الحرس الثوري، وبتفويض كامل من المرشد خامنئي.
رابعا، يعتقد العديد من الخبراء بأن الاتفاق الثوري الموقت الذي وقع بين ايران والدول خمسة زائد واحد في تشرين ثاني 2013 قد حقق قدراً كبيراً من التقدم نحو حل مرض لكل الاطراف، وبأن التجديد للاتفاق لسبعة اشهر قد يعطي ثماره، ويحقق رفع العقوبات عن ايران، ويتطلب تحقيق ذلك ان يخفف المحافظون في ايران من تحدياتهم لاميركا ولدول الجوار، وان يمنحوا الرئيس روحاني فرصة للسير قدماً في سياسة الانفتاح مع اميركا ومع القوى الاقليمية، والدولية.
ان امام ايران فرصة ذهبية الآن للخروج من ازمتها، وان على المحافظين اعطاء الرئيس روحاني الدعم الكامل لاصطيادها، وعليهم ان يدركوا بأن هناك عاصفة باتت تتشكل في الافق، وهي قادمة باتجاه المنطقة، ويمكن ان تصيب ايران بأضرار بالغة، سواء جراء التطورات الامنية او جراء استمرار تدني اسعار النفط او جراء فرض عقوبات جديدة من قبل الكونغرس الاميركي.
سي أن أن: تحذير بايدن من النووي الروسي لم يبن على معلومات استخبارية
قال العديد من المسؤولين الأميركيين لشبكة CNN إنّ "تحذير الرئيس جو بايدن ليلة الخميس من أن العالم يواجه أعلى احتمال...