تتسارع الأحداث وتتعقد حول سورية، الأتراك مصرون على حلم المنطقة العازلة في حلب، في حين يرسل الإيرانيون أقوى رسالة لخصوم دمشق مهددين بالباسيج الذي سيدافع عن الشام إن اقتضت الحاجة، أما الملف الداعشي فأبرز ما تم التوصل إليه هو أن “مجاهدي” النكاح قد بلغوا مئات الآلاف خلافاً للتقارير الغربية، دولياً يتجه أحفاد القياصرة إلى أرض التنين، يُشحذ المنجل الشيوعي ليحمله عملاقان تأثرا بفكر “ماركس” الصين وروسيا ومشروع الحلف الكبير بينهما سيُترجم قريباً، فيما يبقى الزحف المقدس للجيش العربي السوري مستمراً في كل المناطق مترافقاً ببوادر جديدة تمثلت بمظاهرات عدائية ضد الميليشيات المسلحة في المناطق التي تسيطر عليها “دوما” مثالاً.
الساحة السورية
بين الميدان والسياسة يزداد دسم التطورات، مواقف معادية وأخرى تتخذ شكل مبادرات وثالثة تحمل طابع الرسائل الحادة للخصوم، موضوع اللاجئين يطل برأسه بين الفينة والأخرى ليثير جدلاً لاسيما في دول الجوار كتركيا، حيث حذر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو من أن بلاده قد تتعرض لموجة جديدة من اللاجئين السوريين تتراوح بين مليونين و3 ملايين لاجئ إذا تقدم الجيش السوري أو تنظيم “داعش” قرب حلب. وهنا يتضح السبب الرئيسي وراء التصريح وهو الهواجس التركية الكبيرة تجاه مدينة حلب وإعادة تحريرها من قبل الجيش العربي السوري، أنقرة لاتزال تصر على حلم المنطقة العازلة في حلب فكان ما قاله أوغلو. وفي الريف الدمشقي يتوالى الزحف المقدس للجيش العربي السوري، في جوبر يُصب الرصاص على رؤوس المسلحين هناك، لا الجهة الشرقية من الحي، فيما سجل الطيران الحربي الكثير من الطلعات التي استهدف مواقع المسلحين في كل من “بالا وزبدين وزملكا وأطراف عربين”. وفي دوما تتخذ الأحداث منحى آخر، حيث يخرج عدد كبير من أهالي المدينة في مظاهرات ضد ميليشيا “جيش الإسلام” ومتزعمها الإرهابي “زهران علوش” الذي يتهمونه باحتكار المواد الغذائية والسلع المختلفة وأنه يقود مافيا تصادر أرزاق الناس وتعتدي عليهم، الأمر الذي اعتبره وزير المصالحة علي حيدر بحسب صحيفة الوطن السورية انتصاراً لمنطق الدولة وغضباً من الناس إلى ما آلت إليه الأمور بعدما اختبروا سيطرة الميليشيات المسلحة على المدينة، فيما يرى مراقبون أن هذه المجريات ستساهم في إحكام تطويق دوما واقتراب تحريرها بسبب انقشاع الحاضنة الشعبية لعصابة “علوش”.
إسرائيل تعيد تدوير النفايات السورية
يوماً بعد يوم تظهر ما كانت تُسمى بالحرية وكأنها امرأة قبيحة تملأ جسدها ثآليل يخرج منها قيح مقزز، لم تعد كما كانت هذه الكلمة مغرية وبراقة بالنسبة للكثيرين، بل باتت الآن سبباً لكل ويلات القتل والذبح والفوضى التي تعم المنطقة بعد أول صرخة مزورة “حرية” هذه الصرخة منذ سنوات عجاف قادت اليوم إلى التعامل مع الإسرائيلي بشكل علني دون أي حياء، الخيارات باتت واضحة لكل طرف والأهداف أوضح من يسقط الآخر أو يوجعه هو المنتصر، يقتنص أحفاد التلمود هذه الفرصة التاريخية التي لا تأتي إلا كل مائة عام مرة، تُفتح أبواب المستشفيات الصهيونية على مصراعيها لمقاتلي “الحرية” شالوم أيها المجاهدون هلموا لنداويكم كي تعودوا لقتال نظامكم! مستشفيات الاحتلال في طبريا وصفد والجليل الغربي تعج بمقاتلي “الحر” وغيرهم، آخر صيحات الإنسانية التلمودية هي تخصيص قسم خاص لمعالجة جرحى الإرهابيين في المركز الطبيّ للجليل الغربيّ في نهاريا، والهدف منع احتكاكهم بالمرضى الآخرين، حراسة مشددة على مدار الساعة على غرف هؤلاء بحسب ما أوردت صحيفة “الأخبار” اللبنانية، والأهم أن هناك جهات عربية تدفع تكاليف علاج المقاتلين في المستشفيات الإسرائيلية ومن المستحيل أن يكون النظام الأردني من يفعل ذلك وهو الذي اشتًهر بعمليات التسول على اسم اللاجئين السوريين لديه، فهل تكون تلك الجهة قطر أم السعودية؟ الأقدر على الدفع عند كل مناسبة تنذر بالبلاء على شعب من شعوب المنطقة؟
عضو سابق في الكنيست الإسرائيلي وهو الشيخ عباس زكور قال للأخبار إنّ إسرائيل تربح من علاج هؤلاء كثيراً، وتضيف الصحيفة بأن هناك خلافاً بين وزارتي الصحة والمالية الإسرائيليتين تأججت في الفترة الأخيرة حول قضية دفع تكاليف علاج جرحى المعارضة السوريّة.
إذاً فلم يعد الأردن هو الأكثر شكوى من وجود لاجئين سوريين لديه، بل بات كيان الاحتلال الصهيوني لديه نصيب من التذمر والشكوى وباب آخر للاستفادة المالية من خلال جرحى المعارضة السورية، حيث يتواجد في مستشفيات العدو الإسرائيلي حوالي /300/ أو أكثر، وتكلفة علاجهم الشهرية تصل إلى تسعة ملايين دولار، بالمختصر فإن الكيان الصهيوني بات أشبه بمصنع لإعادة تدوير النفايات، يقوم بإنقاذ ما يتم إنقاذه من هؤلاء المسلحين ويشفيهم من أجل معاودة القتال على الأرض السورية.
الداعشيون بمئات الآلاف
يمر الوقت مسرعاً ولا يزال تنظيم داعش يتحول من مجرد مزحة سمجة أو حكاية خرافية ليصبح حقيقة بفضل جهود خبيثة ومدروسة من قبل أميركا وإسرائيل وأجهزة استخبارات، فضلاً عن هؤلاء الذين أعمى بصيرتهم التعصب المذهبي.
في بداية ظهور هذا التنظيم كان يؤخذ على وسائل الإعلام أنها تتعاطى معه بشيء من التضخيم بل والتسويق المقصود وغير المقصود، الآن بات هذا التنظيم حقيقة واقعة بات علينا التعامل معها كظاهرة موجودة بعد أن تم تعويمها كما يجب، ومن أبرع من واشنطن والبريطانيين في صناعة الوحوش وتسمينها من أجل إفلاتها على شعوب المنطقة العربية، الأخوان والقاعدة وطالبان ومجاهدي خلق وبوكو حرام وأنصار الشريعة كلها “مسوخ” يتم تصنيعها جينياً في أروقة المخابرات.
لقد تحدثت الكثير من التقارير الأميركية بأنّ مقاتلي داعش في سورية والعراق يبلغون عشرات الآلاف ولا يتعدون الأربعين ألفاً، بنظرة سريعة على كل تلك الضربات الموجهة للتنظيم سواء من قبل الجيشين السوري والعراقي من جهة أو من قبل التحالف من جهة أخرى وعلى الرغم من قتال الأكراد والعشائر العربية لهم، فإن مقاتلي التنظيم لا يتناقصون بل في ازدياد، في هذا السياق نشرت صحيفة الاندبندنت البريطانية تصريحات لرئيس طاقم رئيس حكومة إقليم كردستان فؤاد حسين، قال فيها إن هناك مئات الآلاف من المقاتلين لدى تنظيم داعش، لأنهم استطاعوا حشد الشباب العرب في المناطق التي سيطروا عليها، مضيفاً بأنّ المخابرات الأميركية ووكالات الأمن القومي الأميركي ربما كانت تتحدث عن المقاتلين النظاميين في “داعش”، أي أكثر من 31 ألف مقاتل، ولكن المعارك التي خاضها التنظيم أظهرت أن “داعش” أصبح قوة ضاربة، وتابع حسين “نحن نتحدث عن دول لها جيش وقاعدة إيديولوجية”، وعليه “فهو يريد من كل شخص التدرب، ومعرفة استخدام البندقية، ويريد في الوقت نفسه تدريب كل شخص على الإيديولوجيا، أي غسيل الدماغ.
كلام المسؤول الكردستاني لا يخلو من قلة في النضح، فهو قد وقع في فخ الخطأ في التعبير عندما قال بأن التنظيم المتطرف استطاع تجنيد الشبان العرب في المناطق التي يسيطر عليها، هذا التصريح يتزامن مع المعارك التي تخوضها البشمركة الكردية ضد داعش، ولا ينقص منطقة تعج بالتوتر المذهبي والطائفي أن يزيد عليها توتراً عرقياً، توقيت التصريح واستغلاله من قبل الصحيفة البريطانية بذكاء يدل على عدم نضج ما صدر عن الإقليم الكردستاني العراقي لأنه يصور بأن العرب هم من يصدرون الإرهاب من خلال تحديد القومية التي ينتمي إليها مقاتلو داعش مؤخراً، إن وجود مئات آلاف المقاتلين قد يكون مبالغ فيه وقد يكون هدف المسؤول الكردي منه تضخيم ما يفعله مقاتلو البيشمركة عندما يقارعون عدواً لديه مقاتلون بمئات الآلاف، لكن إن صح كلامه فإن عمليات التحالف الدولي ستطول وستمتد سنيناً في المنطقة، وبالفعل هذا ما صرح به الرئيس الأميركي أوباما من أن الحرب على الإرهاب قد تستمر سنيناً.
الحلف الروسي ـ الصيني
يتجه أحفاد القياصرة إلى أرض التنين، يُشحذ المنجل الشيوعي ليحمله عملاقان تأثرا بفكر “ماركس” الصين وروسيا قطبان إن توثق حلفهما أكثر ستتغير الكثير من ملامح العالم الاقتصادية والسياسية، في هذا السياق صرّح وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في لقاء مع نظيره الصيني تشانغ وان تشيوان أن تعزيز العلاقات مع الصين يمثل إحدى أولويات روسيا، مشيراً إلى أن البلدين يجريان بشكل منتظم تدريبات عسكرية بحرية مشتركة وتدريبات لمكافحة الإرهاب، مؤكداً المستوى العالي للتعاون العسكري التقني بين روسيا والصين، كما كان لافتاً إشادة الوزير الروسي بالمستوى العالي من التعاون الذي أبداه الصينيون أثناء عملية مرافقة السفن الحاملة للأسلحة الكيميائية السورية، كما أكد على أهمية تضامن روسيا والصين في مواجهة “محاولات تزوير التاريخ وتمجيد الفاشية”، وأعرب وزيرا الدفاع للبلدين عن قلقهما بشأن محاولات الولايات المتحدة تعزيز وجودها السياسي العسكري في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
طهران تهدد واشنطن بالباسيج
قال قائد قوات التعبئة الشعبية “الباسيج” التابعة للحرس الثوري الإيراني محمد رضا نقدي إن ملايين الإيرانيين مستعدون للذهاب إلى سورية وغزة وهم يراجعوننا لهذا الغرض، مضيفاً إن قوات التعبئة تضم 22 مليون عضو، كما اعتبر أن السفارة الأميركية في بغداد مركز قيادة تنظيم “الدولة الإسلامية”، مضيفاً أنّ الولايات المتحدة كانت تخطط لتواجد “داعش” بالقرب من الحدود الإيرانية بهدف الضغط على طهران.
ما سر هذه الرسالة الإيرانية اللاذعة لواشنطن؟ هل من تأثير لها لاحقاً على مفاوضات الملف النووي؟ أم إنّ الأميركيين حريصون على فصل موضوع الملف النووي عن باقي الملفات لاسيما الملف السوري حالياً بسبب الحاجة الفعلية على إبقاء تواصل من نوع ما مع طهران؟ كيف ستتلقف الأنظمة الخليجية هذه الرسالة الإيرانية؟ الملايين مستعدون للقتال في سورية وغزة هو تحدٍ واضح لكل تلك الاتهامات التي ساقتها الرياض والدوحة وغيرها من وجود مقاتلين إيرانيين في سورية، بمعنى آخر إنّ طهران عندما تريد فعلاً الزج بمقاتليها فلن تخجل بذلك بل ستعلنه صراحةً لأنها تجاهر بحلفها الوثيق مع دمشق وتربط مصيرها بمصير الشام، اللافت أيضاً هو ما قاله المسؤول الإيراني من أن النوايا الأميركية كانت مقاتلة “داعش” على الحدود مع إيران! فهل الحديث عن ملايين المقاتلين المستعدين للتوجه إلى سورية هي رسالة رد على تلك النية الأميركية؟ الأكيد بعد كل ذلك أن إيران لن تسمح بسقوط دمشق والأكيد أيضاً أن طهران تعلم علم اليقين مدى القدرات السورية الحالية، لذلك لم يُرسل أحد من تلك الملايين المستعدة للقتال على الأرض السورية حتى الآن.
…
المجهر السياسي
أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في مؤتمر صحفي في سيدني الأسترالية أن العراقيين والسوريين هم الذين يجب أن ينتصروا على تنظيم “الدولة الإسلامية” بدعم من التحالف الدولي، مؤكداً على ضرورة التعاون الوثيق وتبادل المعلومات الاستخباراتية المطلوبة من أجل وضع حد لنشاط المتطرفين.
وكأن هولاند يريد أن يجعل كلامه فضفاضاً قابلاً للتأويل، إذ ما معنى أن يكون السوريون هم من يجب أن ينتصروا على الإرهاب؟ هل قصد بالسوريين الجيش العربي السوري والقوات الرديفة له، أم قصد بهم تلك الميليشيات التي تدعمها باريس والغرب؟ أم الميليشيا التي يتم تدريبها أميركياً وغربياً على الأراضي السعودية؟ وكيف يمكن تبادل المعلومات الاستخباراتية مع السوريين إن لم تقم باريس وغيرها من عواصم القرار الغربي بالتواصل مع دمشق؟ ولاسيما أن الميليشيات المسلحة لا تمتلك القدرة على ذلك ما يجعل الغرب بحاجة فعلية لدمشق.
…
دان وزير الخارجية الأميركي جون كيري الهجوم الذي وقع على كنيس يهودي في القدس واعتبره تصرفاً لا إنسانياً وعملاً وحشياً لا معنى له، داعياً القيادة الفلسطينية إلى إدانة الهجوم الأكثر دموية منذ سنوات في المدينة المقدسة، بأشد العبارات الممكنة واتخاذ الخطوات المناسبة لمنع حدوث ذلك مرة أخرى.
مما لا شك فيه بأن استهداف أية عقيدة سماوية كانت أم وضعية غير مرحب به من حيث المبدأ، لكن أن يتم استهداف كنيس يحتوي متطرفين يقومون بالاعتداء على مقدسات الآخرين وأرواحهم دون وضع حد لهم فهذا شيء آخر، لم يكلف كيري نفسه عناء التذكير بتدنيس الكنائس والمساجد في سورية من قبل الميليشيات التكفيرية، لم يعرج على الأيقونات والتماثيل والمقامات المدمرة والمعتدى عليها في العراق وسورية، بل لم يذكر بالمعية تدنيس الأقصى في القدس، قامت الدنيا لأجل الكنيس ثم عاودت النوم وغض البصر عمّا يجري بحق الفلسطينيين والسوريين والعراقيين.