يظهر بوضوح من مجمل التطورات الحاصلة على الارض من خلال الاستراتيجية التي تطبقها الولايات المتحدة على الارض ضد الدولة الاسلامية، ومن خلال الجهود المكثفة التي بذلها وزير الخارجية جون كيري في مفاوضات فيينا من اجل التوصل الى اتفاق اطار مع الوفد الايراني المفاوض، ومن القرار «المفاجىء» الذي طلب فيه الرئىس اوباما من وزير الدفاع تشاك هاغل، ان الرئىس الاميركي مصرّ كل الاصرار على التمسك بالخيارات السياسية والاستراتيجية التي اعتمدها منذ بداية رئاسته الاولى. يقول الرئىس اوباما وفي كل مناسبة وبصراحته المعهودة أن على الجميع قبول رؤيتي وخياراتي، وان على من يعارض او ينتقد هذه الخيارات ان يغادر موقعه في الادارة الاميركية. من هنا يمكن تفسير التغييرات التي حدثت في المواقع الهامة، في الدولة، والتي كان من ابرزها تغيير ثلاثة وزراء للدفاع هم غايتس، وبانيتا وهاغل. لقد عبر ليون بانيتا وزير الدفع الاسبق في مذكراته التي صدرت مؤخرآً عن مدى المعاناة التي واجهها في التعامل مع الرئىس اوباما او مع فريقه الامني داخل البيت الابيض خلال فترة ترؤسه لوكالة المخابرات المركزية او خلال فترة وجوده في وزارة الدفاع. يروي بانيتا انه حاول في احدى المرات التأثير على خيارات الرئيس الأمنية فطلب موعداً معه لبحث الامر، واحضر معه سبعة من كبار مساعديه في الوكالة المركزية من اجل ان يسمع الرئيس اراء هؤلاء الخبراء. كانت المفاجأة الكبيرة أن الرئىس اوباما قد بدأ الاجتماع بالتعبير عن قناعته بالاختيار الذي اعتمده، وعندما فرغ من الكلام الذي كان واضحاً لجهة البقاء على خياره، طلب من بانيتا ومساعديه ابداء آرائهم.
هذا في الاسلوب الذي يتعاطى فيه الرئىس مع مساعديه الكبار في مجال الأمن القومي من خارج فريقه الخاص داخل البيت الابيض.
القرارات الأمنية والاستراتيجيات التي يعتمدها الرئىس الاميركي تؤثر دون شك على الأمن والاستقرار الدوليين، وخصوصاً في المناطق التي تشهد تحوّلات سياسية درامايتكية واضطرابات شاملة، مثل منطقة الشرق الاوسط. ويتسبب الخلاف حول صحة وواقعية هذه القرارات الرئاسية نقطة المركز في الصراع الدائر بين الفريق الخاص في البيت الابيض والمساعدين الآخرين في مؤسسات الدولة الكبرى كوزارة الدفاع ووزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية.
يطالب المسؤولون في البنتاغون الرئىس بتعديل استراتيجيته الخاصة بالحرب على الدولة الاسلامية في العراق وسوريا، وبسد الثغرات الكبيرة فيها من أجل وقف هجوم «داعش» على الرمادي وعلى عين العرب، والتوسع باتجاه حلب، دون ان يلقوا آذاناً صاغية من قبل الرئىس اوباما. ويطالب الجنرال مارتن ديمبسي بنشر قوات اميركية في العراق لاحتواء «داعش» واستعادة مدينة الموصل، والسيطرة على الحدود مع سوريا. يمكن للقوات الاميركية المنتشرة على الارض ان تقوم بدور رئيسي من خلال الاستفادة من الضربات الجوية التي يشنها التحالف ومن خلال تفعيل عمل القوات العراقية في مواجهة «داعش» في الانبار وفي محافظات أخرى. جاء في مؤتمر صحافي عقده الرئىس اوباما في اوستراليا يوم الاحد في 16 تشرين الثاني بانه يرفض ارسال قوات خاصة اميركية على الخطوط الامامية للمواجهة مع الدولة الاسلامية، وكأنه قد اراد الرد بصورة مباشرة على مطالب قياداته العسكرية بضرورة نشر قوات ميركية في مواجهة «داعش». وكان من السخرية ان يربط وباما قراره بنشر قوات اميركية بحدوث تطورات خطيرة، ومن ابرزها حصول الدولة الاسلامية على سلاح نووي.
كان وزير الدفاع الاسبق روبرت غايتس قد ظهر امام وسائل الاعلام مدافعاً عن مواقف الجنرالات من خلال قوله بصراحة، كلية، انه يعتقد بأن القوت العراقية لا تملك القدرات لمواجهة واضعاف الدولة الاسلامية دون نشر قوات خاصة اميركية. ونقلت صحيفة «وول ستريت» عن غايتس قوله أن الرئىس اوباما قد «أعطى القادة العسكريين مهمة تدمير الدولة الاسلامية، ولكن عندما تحد من السلطات التي يطلبونها لانجاز الهدف، فانه يتركهم عرضة لحالة من الارباك والشك والاحباط».
تقتصر استراتيجية اوباما على مواجهة الدولة الاسلامية في العراق بل تتوسع لتشمل سوريا، ومن المفترض ان يعالج هذا الشق كامل الوضع في سوريا، وبالتالي اتخاذ موقف واضح من نظام الرئىس بشار الاسد. سئل الرئيس اوباما اثناء مؤتمره الصحافي في اوستراليا ان كان يبحث مسألة اسقاط النظام السوري، وكن جوابه بـ«كلا»، في الوقت الذي نبحث فيه عن حل سياسي داخل سوريا، فاننا لم نقترب من هذه المرحلة بعد، من المؤكد ان جواب اوباما هذا قد اثلج قلوب الحكام في دمشق وطهران، حيث انه يشكل اجازة كاملة لاستمرار سياسة التدمير الممنهج التي يعتمدها نظام الاسد، كما انه يعطي الضوء الاخضر لايران وحلفائها لمزيد من التدخل في الصراع السوري الداخلي.
ظهر الخلاف بين اوباما ووزير دفاعه هايغل حول موضوع الاستراتيجية المعتمدة في سوريا، وذلك من خلال اعتراف هايغل بان الاسد يستفيد من الغارات الاميركية، وهنا لا يمكن ربط تنفيذ النظام السوري لغارات مكثفة على مدينة الرقة خلال اليومين الماضيين بالموقف الذي عبّر عنه اوباما في الفترة الاخيرة تجاه النظام السوري. ولا بدّ هنا من التساؤل عن وجود تشجيع ايراني للنظام السوري لاختبار النوايا الاميركية، وردود الفعل على تدخل سلاح الطيران السوري في قلب منطقة العمليات الجوية الاميركية؟ والسؤال الآخر الأشد احراجاً: هل قبلت ادارة اوباما بان تصبح ايران وسوريا كحليفين في الحرب على الدولة الاسلامية؟
لا تقتصر الخلافات التي اثارتها استراتيجية اوباما تجاه الدولة الاسلامية على ما ظهر من تناقضات بينه وبين قياداته العسكرية او مع الكونغرس، بل تتعدى حدود ذلك لتشمل حلفاء اميركا الاساسيين في المنطقة، وخصوصاً تركيا ودول الخليج، حيث يبدو بوضوح بان الخلاف ينصب على الشق الخاص بسوريا وبموقف الرئيس اوباما من النظام السوري. هذا بالاضافة الى الشكوك والهواجس التي يثيرها الحوار «السرّي» الذي تجريه الولايات المتحدة مع ايران في الشأن النووي، والذي يثير خشية الحلفاء من ان يتحوّل الى صفقة سرية تجريها واشنطن مع طهران دون مراعاة مصالح هؤلاء الحلفاء في تركيا والخليج.
لا يرى حلفاء اميركا في تركيا والخليج اي امكانية لنجاح استراتيجية اوباما اذا لم تتضمن موقفاً واضحاً من مستقبل النظام السوري. ويرى هؤلاء الحلفاء بأن تدريب ودعم بضعة آلاف من المعارضة المعتدلة لمواجهة «داعش» ومواجهة النظام لن يجدي نفعاً، وبأن الوقت يعمل ضد ذلك، حيث يدفع النظام للتحرك لملء اي منطقة يمكن ان تخسرها او تنسحب منها «داعش».
لا بدّ من الاشارة الى استمرار تركيا في مواقفها المتعارضة مع الاستراتيجية المعتمدة في سوريا بالرغم من كل الجهود التي بذلتها واشنطن لاقناع القيادة التركية بتعديل رفضها المشاركة في العمليات عبر الحدود مع سوريا، والتي كان آخرها زيارة نائب الرئىس لاميركي لانقره واجتماعه مع الرئيس اردوغان.
بالرغم من ان اعتراف اوباما بمخاطر التهديد الذي تمثله الدولة الاسلامية على السلم الاقليمي والدولي وعلى المصالح الاميركية في الشرق الاوسط، وبالرغم من سعيه لتطوير قدرات التحالف لمواجهة هذا التهديد، فان الاستراتيجية المعتمدة هي غير مجدية لتحقيق الهدف المنشود، وذلك باعتراف وزيري دفاعه الاسبق والحالي المستقيل، وايضاً باعتراف قادته العسكريين وعلى رأسهم الجنرال ديمبسي رئىس هيئة الاركان المشتركة للجيوش الاميركية.
اذا تابع اوباما في عناده لتعديل الاستراتيجية الراهنة، ومن منطلقات مبدئية وايديولوجية، فان المتوقع ان تنتهي هذه الاستراتيجية الى فشل ذريع، يؤدي الى مزيد من العنف والفوضى، والتي قد تتمدد باتجاه الدول المجاورة لسوريا والعراق.
سي أن أن: تحذير بايدن من النووي الروسي لم يبن على معلومات استخبارية
قال العديد من المسؤولين الأميركيين لشبكة CNN إنّ "تحذير الرئيس جو بايدن ليلة الخميس من أن العالم يواجه أعلى احتمال...