نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية في عددها بتاريخ 14 تشرين اول 2014 صورة للجنرال الايراني قاسم سليماني قائد قوات القدس في الحرس الثوري وهو يقف بين مجموعة من مقاتلي البشمركة الكردية. وكانت الصحيفة قد ذكرت بانها نقلت هذه الصورة عن التلفزيون الرسمي الايراني الذي عرض مجموعة من الصور المماثلة في معرض تسويقه لزيارة سليماني الى العراق للمساعدة في وقف التدهور الامني الحاصل في ظل الهجمات الواسعة التي شنتها «داعش» وخصوصا لجهة منعها من الوصول الى اربيل وبغداد. لم يعد سرا تدخل ايران المباشر في عدد من الازمات التي تشهدها الدول العربية منذ بداية تطورات «الربيع العربي» وخصوصا في سوريا واليمن وغزة ولبنان وان تدخلها ونفوذها الواسع في العراق كان قد بدأ بعد اسقاط نظام صدام حسين عام 2003، حيث نجحت طهران بواسطة حلفائها الاقوياء من الشيعة العراقيين – وعلى رأسها قوات بدر الشيعية في تدعيم نفوذها الامني والسياسي على الارض. كما توصلت بعد الخروج الاميركي من العراق عام 2011 ان تمتلك اليد العليا في تسمية رئيس الوزراء وكبار المسؤولين في الدولة العراقية.
اما في سوريا فان طهران قد نجحت بعد قيام الثورة الايرانية عام 1979 في اقامة تحالف استراتيجي مع نظام حافط الاسد وبعده بشار الاسد. وذلك تحت عنوان «محور المقاومة والممانعة» وامام توسع النفوذ الايراني في المنطقة العربية، فان ايران باتت تعمل بشكل علني مستعملة كل طاقاتها السياسية والمالية والعسكرية للدفاع عن نفوذها وعن حلفائها في ما بات يعرف بـ «الهلال الشيعي» وهذا ما يؤشر اليه بوضوح تدخلها المباشر في سوريا والعراق من اجل دعم حلفائها ومنع النظامين من السقوط تحت ضربات الجماعات المسلحة التكفيرية، وعلى رأسها تنظيم الدولة الاسلامية وجبهة النصرة.
يبدو ان ايران قد شعرت بضرورة ان تلعب دور الفارس المنفرد، في العراق وذلك منذ الاسابيع الاولى لهجوم «داعش» على الموصل واحتلالها، وان نشر صور قاسم سليماني بواسطة التلفزيون الايراني تؤكد على ان طهران قد ارادت بذلك اعلان نواياها واظهار نفوذها في العراق وذلك بعدما رأت بان التحركات الدولية والاقليمية تحاول عزلها عن المشاركة في اي جهد جامع للتصدي لظاهرة «الدولة الاسلامية» في العراق وسوريا. كانت الاشارة الاولى لاستبعاد ايران من اي دور في التحالف الدولي المزمع انشاؤه قد جاءت من الاجتماع الدولي الذي انعقد في باريس في منتصف ايلول عام 2014، والذي حضرته الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن بالاضافة الى الدول الاوروبية ودول عربية وممثلين عن جامعة الدول العربية والامم المتحدة. واستبعدت ايران والمملكة العربية السعودية عن هذا الاجتماع.
بالرغم من ان البيان الذي صدر عن اجتماع باريس لم يذكر الوضع في سوريا فان طهران وبلسان نائب وزير خارجيتها حسين امير عبد اللهيان قد علقت على القرار بالقول «ان افضل الطرق لمحاربة» «داعش» والارهاب في المنطقة تكون بتقديم الدعم للحكومتين العراقية والسورية، وهما تخوضان مواجهة حقيقية وقاسية ضد الارهاب في نفس الوقت سارع قائد الحرب الثوري الجنرال محمد علي جعفري الى القول بان الولايات المتحدة ستندم في حال شن اي هجوم على سوريا. ويؤشر هذان الموقفان للمسؤولين الايرانيين الى مدى حرص ايران للحفاظ على حلفائها في النظامين العراقي والسوري، والى جهوزيتها للقيام بما يلزم للدفاع عن مصالحهاونفوذها في البلدين.
نرى على ارض الواقع بان الاستراتيجية الاميركية في مواجهة الدولة الاسلامية قد تركزت حول احتواء الوضع العسكري على الارض في العراق، بينما اتسمت بالغموض تجاه ما يجري في سوريا باستثناء عمليات المساندة الجوية التي تقدمها الطائرات الاميركية لدعم المقاتلين الاكراد في مدينة كوباني. ويبدو بوضوح بان الرئيس اوباما قد تعمد تأجيل معالجة الوضع في سوريا كجزء اساسي من استراتيجيته في الحرب على الارهاب. وترك هذا الموضوع لمرحلة لاحقة قد لا تبدأ في القريب العاجل، مع امكان ترك امر معالجتها للرئيس الذي سيخلفه في الرئاسة الاميركية. ويرجح ربط عزوف اوباما عن القيام باي تحرك عسكري ضد نظام الاسد بالرغم من اعترافه بانه من الاسباب الاساسية للازمة الراهنة ولنمو تنظيم «داعش» بحرصه على عدم اثارة هواجس ايران حول مستقبل الرئيس الاسد بشكل الخلاف الاميركي – التركي حول الاستراتيجية المعتمدة تجاه سوريا افضل مؤشر على رفض اوباما القيام باي دور فعلي ضد النظام، وذلك على خلفية عدم اثارة غضب ايران التي تتدخل بقوة وبمشاركة حلفائها اللبنانيين والعراقيين من اجل تدعيم نظام بشار الاسد ومنع سقوطه.
تقول مصادر الادارة الاميركية بانها لا تتعاون عسكريا مع ايران، ولكنها فتحت فعليا بعض القنوات الخاصة، من اجل التنسيق «غير المباشر» من اجل احتواء ودحر الدولة الاسلامية. وربطت صحيفة «وول ستريت جورنال» في عدة مقالات لها بان التنسيق مع ايران يأتي نتيجة حرص الادارة الاميركية على الحؤول دون قيام حلفاء ايران في العراق بتهديد المصالح الاميركية، وخصوصا العمليات العسكرية التي تنفذها القيادة المركزية في العراق وسوريا، اذا ما شعرت طهران بان هذه العمليات يمكن ان تهدد مصالحها في العراق ونظام بشار الاسد في دمشق.
من هنا فانه يمكن الخروج باستثناء اولي بان استراتيجية اوباما الراهنة في العراق وسوريا هي في حال تواصل وانسجام مع الاستراتيجية الايرانية ضد الدولة الاسلامية، وتجاه الموقف المتعلق بوضع النظام السوري (على الاقل في الوقت الراهن) وذلك بالرغم من الانتقادات الموجهة للادارة من الكونغرس الاميركي ومن حلفاء واشنطن في المنطقة وعلى رأس تركيا والمملكة العربية السعودية.
كان من الطبيعي ان تسرع ايران من تدخلها العسكري في العراق بدءا من شهر تشرين اول، وظهور قائد قوات القدس في العراق وذلك للاسباب الاتية.
اولا: بسبب التعديل الذي حصل في المواقف السياسية الايرانية، بالتخلي عن رئيس الحكومة نوري المالكي، الذي كان يعتبر الحليف الاساسي والقوي لايران، ولا تريد طهران ان تظهر اي ضعف في موقعها داخل العراق، ولذلك فانها قد لجأت الى تغيير اسلوبها، وجعل تدخلها مباشرا على الارض وظاهرا في وسائل الاعلام، لم تقتصر الامور على التصريحات وظهور سليماني، بل تعدتها الى عمليات عسكرية على الارض حيث تدخلت المدفعية الايرانية ضد «داعش» في المناطق القريبة من الحدود في محافظة ديالا. وتفيد المعلومات بان سليماني قد اشرف شخصيا على وضع الخطة لحماية العاصمة بغداد ومنع «داعش». من الوصول اليها. وذلك بعد سيطرة داعش على مناطق الفلوجة والرمادي من اجل تطويق العاصمة.
ثانيا: اظهرت ايران حرصا على الحفاظ على علاقاتها مع اقليم كردستان، وهذا ما دفعها الى تقديم دعمها العسكري المباشر والسريع لقوات البشمركة، وذلك من اجل منع التهديد المباشر الذي اقترب من اربيل لمسافة 30 كيلومترا.
ثالثا: لا تحتاج ايران لحماية مصالحها في العراق لارسال قواتها العسكرية الى هناك، فهي قادرة على الحفاظ على نفوذها ومصالحها من خلال توجيهها لعمليات حلفائها من الميليشيات وعلى رأسها قوات بدر التابعة للمجلس الاسلامي الاعلى بقيادة عمار الحكيم.
ان التنسيق القائم بين الجانبين الاميركي والايراني (والذي لا يرتقي الى التعاون) لم يمنع السيد خامنئي من التعبير عن معارضته للتحالف الدولي ضد «داعش» بقيادة اميركية، وهو يرى فيه وسيلة تستعملها واشنطن لزيادة حجم وجودها العسكري في الشرق الاوسط، واتهم خامنئي واشنطن وتل ابيب ولندن بايجاد «داعش» من اجل توسيع الانقسام الشيعي – السني.
في الاستنتاج العام تتصرف القيادة الايرانية تجاه عمليات التحالف في العراق وسوريا، وذلك بالرغم من الهواجس التي تراودها حيال امكانية توسيع هذه العمليات لتشمل النظام السوري في ظل المراجعة الراهنة التي يجريها مجلس الامن القومي بطلب من اوباما. وتحت الضغوط التي يمارسها الجمهوريون في الكونغرس من اجل ان تشمل الاستراتيجية المعدلة النظام السوري. كان يمكن ان لا يكتفي الاميركيون بالتنسيق الراهن والانتقال الى مرحلة جديدة من التعاون في العراق، لكن تعثر المفاوضات حول البرنامج النووي الايراني لا يوحي بامكانية حدوث ذلك في المستقبل المنظور.
الصدر: نوافق على الحوار إذا كان علنيًا ولتشكيل حكومة بعيدة عن التبعية والتدخلات الخارجية
أعلن زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر، عن موافقته على المشاركة في الحوار مع جميع الجهات في البلاد ولكن...