منذ اندلاع الأحداث في سوريا، لم يتوقف استهداف الجيش اللبناني من قبل حلفاء المسلحين والجماعات الإرهابية المناوئة للدولة السورية، وإذا كان هذا الاستهداف اتخذ في السابق أشكالا ظرفية لممارسة ضغوط على المؤسسة العسكرية لتغض الطرف عن ممارسات خارجة على القانون أو قد تزج الدولة اللبنانية في انتهاكات لا تأتلف مع سياساتها، إلّا أنه في هذه المرحلة وخصوصا بعد استعادة الجيش السوري لبعض المناطق الاستراتيجية في منطقة القلمون وطرده المسلحين منها، اتخذ منحى ممنهجا ومبرمجا، يتعدى الضغوط المعروفة إلى أهداف ومشاريع تهدد الكيان اللبناني ومؤسسات دولته برمتها.
تعددت أشكال الاستهداف، من انتقادات لسياسيين لأداء الجيش كما جرى تحت قبّة البرلمان أخيرا (خالد ضاهر)، مرورا بالتشهير بقائده وضباطه، وصولا إلى فتاوى تنعته بالفئوية (الجيش الصفوي) وتدعو أبناء طائفة معينة للانشقاق عليه والخروج على أوامر قيادته، إضافة إلى محاولات إنهاكه بإشعال الاشتباكات وقطع الطرق، ومن ثم مهاجمة دورياته ومراكزه ما أدى إلى استشهاد وجرح عدد من أفراده.
بالمقابل، وعلى الرغم من خطورة ما يتعرض له الجيش، لم تجابه حملة الاستهداف هذه، بردع سياسي أو شعبي وازن خصوصا في البيئة التي تنطلق منها الفتاوى أو التعديات المسلحة للجيش، في حين وضع بعض الإعلام هذه الحملة الممنهجة في خانة الضغوط والتجاذبات السياسية الهادفة إلى وضع اليد على قرار المؤسسة العسكرية أو تطويعها بما يخدم هذا الفريق أو ذاك.
الفرزلي: وضع اليد على الشمال
نائب رئيس المجلس النيابي السابق الياس الفرزلي، يتجاوز هذه التفسيرات، ويربط هذه الحملة بشروع الجماعات المسلحة والإرهابية في سوريا بالبحث عن عمق استراتيجي للتعويض عن خسارتهم لقواعدهم الرئيسية في بعض مناطق القلمون، وفي ظل اندفاعة الجيش العربي السوري لتنظيف كامل المنطقة المذكورة وإعادتها لكنف الدولة السورية بعد إخراج المسلحين منها.
ويرى الفرزلي أن ما يتعرض له الجيش : “هو بالدرجة الاولى، هو نوع من ممارسة الضغوط على الجيش للحؤول دون اتخاذه لقرارات اساسية وجذرية تؤدي الى احداث تغيير نوعي على الارض، ثانيا هناك نظرة بعيدة المدى وانا مقتنع بها شخصيا وهي ان الشمال اللبناني بشكل خاص لن يكون بمنأى عما جرى ويجري في المنطقة، لجهة اعتماده كمنطقة تدين بتموضع سياسي وامني وعسكري بعد فقدان القلمون ومنطقة الحصن والقصير لكي يكون هنا ك ظهير استراتيجي حقيقي، لذلك اعتقد ان هذه المقدمات،وهذا امر طبيعي لقوى اساسية تعتبر نفسها معنية بالارض والميدان وتريد ان تمهد لوضع يدها على المنطقة بشكل نهائي، تصح او لا تصح النظرية لا ادري ولكن اعتقد ان هذا هو التوجه الاستراتيجي”.
لا يرى الفرزلي الردود الرسمية على مستوى ما يحاك للجيش أو لبعض المناطق إن في الشمال أو في عرسال، ويدعو من السلطة إلى اتخاذ: ” الموقف السياسي الحاد والصارم خصوصا من المسؤولين في الحقائب الامنية لمواجهة ما يسمى تطرف والتصدي لاي عمل ميداني يؤدي الى الاخلال بالامن وزعزعة الثقة بالدولة، هذا على مستوى رئيس”.
بقرادوني: إعطاء الصلاحية للجيش أو توريط لبنان في سوريا
من جهته الوزير السابق كريم بقرادوني يضع علامات استفهام كبيرة حول الحملة الأخيرة على الجيش، ويعتبر أن هناك ما يتجاوز الحملة، ويقول: “ان استهداف الجيش هو واقع وليس وليس احتمالا، لان هناك مشروعا يقوم على تفكيك الجيش من اجل تفكيك الوطن والدولة وخلق امارات مستقلة بعضها عن بعض وهذا مشروع ليس فقط للبنان بل هو قائم في سوريا والمنطقة، اذا نقطة انطلاق الامارات في المنطقة هي تفكيك الجيش،هذا اولا وبالتالي تفكيك الجيش هو العنوان الاول لإقامة الامارات في المنطقة العربية”.
يرى بقرادوني هناك صلة بين خلق مناخات الفتنة في البلد، والدعوات المشبوهة للعسكريين السنّة للخروج من الجيش بنية تفكيكه وتعريته من ثوبه الوطني، ويرى “ان طرابلس تشكل بتكوينها المجال الاوسع والافضل لاستنزاف الجيش من جهة ورفع سقف الفتنة في كل لبنان، لهذا السبب تجد تناغما بين طرابلس وعرسال، تهدأ في طرابلس وتتأزم في عرسال ويحدث العكس”.
وللخلاص من فخ وقوع لبنان بالذي يجري في سوريا، لا يجد بقرادوني سوى إعطاء الجيش كامل الصلاحية للتعامل مع ما يجري على الارض من مخططات ومشاريع تودي بوحدة البلد السياسية والترابية، ويقول” المطلوب اطلاق يد الجيش، اي اعطاءه غطاء سياسيا لكي يستطيع ان يتحرك بدون ان يكون هناك ضغط سياسي عليه،لان التدخلات السياسية تمنع الجيش من القيام بمهامه، واعتقد ان الجيش لم يعط للجيش الغطاء للقيام بمهامه.”
ويتوقف بقرادوني عند موقف وزير العدل أشرف ريفي: انني تفاءلت بتعيين اشرف ريفي وزيرا للعدل، وقلت ان هذا الاخير قادر على الامساك بوضع طرابلس، ولكني الان انتقلت من وضع التفاؤل الى التساؤل:لماذا لا يقوم ريفي بانهاءالحالة الشاذة في طرابلس بعد ان اصبح الان في الحكومة والمفروض ان يكون رأس رمح لوقف وتجميد الوضع في طرابلس، اي ان تفاؤلي به وزيرا للعدل تحول الى تساؤل حول: ماذا سيفعل لطرابلس بعد ان اصبح وزيرا ؟ وهل سيطرح على مجلس الوزراء قضية اعطاء غطاء سياسي للجيش لضمان الامن في طرابلس، لأن البديل عن ذلك توريط لبنان في سوريا”.