لنفرض جدلا أن دول منظمة ‘أوبك’ اتفقت على خفض الإنتاج من 30 مليون برميل يوميا إلى 29 أو حتى 28 مليونا، فهل سيتم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه؟
الجواب بإيجاز شديد: كلا لن يتم التنفيذ.
والسؤال ما هي الدولة أو الدول التي ستنفذ خفض الإنتاج بقدر مليون برميل يوميا أو مليونين أو أقل أو أكثر؟
إن تاريخ منظمة ‘أوبك’ الطويل يبين بوضوح أن من سيلتزم إذا اقتنع بصواب القرار بخفض الإنتاج هي دول الخليج العربية، أي السعودية والإمارات والكويت وقطر.
ولنفرض أيضا أن دول الخليج العربية خفضت إنتاجها فعلا، وفقا لما تم الاتفاق عليه في ما يخص كل دولة من الدول الأعضاء في منظمة ‘أوبك’، فماذا سيحدث بعد خفض دول الخليج العربية كمية ما تنتجه من نفط؟
سترفع روسيا وكازاخستان، والأرجح أيضا سترفع إيران وفنزويلا وأنغولا والإكوادور وربما نيجيريا، بل وكل دولة أخرى منتجة للنفط التقليدي وغير التقليدي إنتاجها بأكبر قدر تستطيعه، وعندما يعرف ذوو الشأن ما يحدث على أرض الواقع بالنسبة إلى مجموع ما ينتجه العالم أجمع وليس الدول الأعضاء في منظمة ‘أوبك’ فقط، ستعود أسعار النفط إلى مستواها الطبيعي الذي يحدده مجموع ما يتم إنتاجه فعلا ومجموع ما يتم طلبه فعلا، إضافة إلى ما يتم توقعه من المطلوب والمعروض في المستقبل، في ظل ظروف نسبة النمو لاقتصاد العالم ككل آنيا وفي المستقبل.
انتشرت أسطورة قدرة منظمة ‘أوبك’ الاستثنائية على تحديد الأسعار ورفعها متى تشاء إلى مستوى أعلى من المستوى الذي تمليه قوى الأسواق الحرة، ويظهر أن انتشار هذه الأسطورة لم يكن صدفة وإنما لأسباب سياسية بحتة للإساءة إلى سمعة العرب منذ أواخر السبعينات من القرن الماضي، وقبل أن يتشرف تنظيما ‘القاعدة’ و’داعش’ بإنجاز مهمة الإساءة الأعظم بأفعالهما المشينة بكفاءة يحسدان عليها.
وعلى أسس تحليلية موضوعية، فكي يستطيع أي كيان تكوين منظمة أو مجموعة احتكارية أو ‘كارتيل’، لا بد أن يفي هذا التنظيم بشرطين على الأقل، أولهما تطابق المصالح بين أعضائه أو على الأقل غياب تناقض المصالح، فهل تتطابق مصالح كل دولة عضو في منظمة ‘أوبك’ مع كل دولة أخرى من الدول الأعضاء؟
تتكون منظمة ‘أوبك’ حاليا من 12 دولة مستقلة لكل منها كامل سيادتها، ومن الواضح حاليا بل ومنذ بضعة عقود أن مصالح الدول الأعضاء في منظمة ‘أوبك’ غير متطابقة وهناك تناقض مصالح في ما بينها على المستويات الاقتصادية والأهم على المستويات السياسية، فهل مصالح فنزويلا الاقتصادية والسياسية متوافقة مع مصالح العراق على سبيل المثال؟
والشرط الثاني الضروري لتكوين منظمة محتكرة (كارتيل) أن يسيطر أعضاء المنظمة مجتمعين على جل المنتج الذي يزعم أنهم محتكروه، وهذا ليس متحققا حاليا ولم يتحقق سابقا في منظمة ‘أوبك’.
إن مجموع ما ينتجه العالم أجمع من النفط يقدر في أواخر 2014 بنحو 91 مليون برميل يوميا، وفي الوقت ذاته يقدر مجموع ما تنتجه الدول الأعضاء في منظمة ‘أوبك’ بنحو 30 برميلا يوميا، فحتى لو كانت مصالح جميع الدول الأعضاء في منظمة ‘أوبك’ متطابقة تماما على المستويات الاقتصادية والسياسية كافة، فهل يستطيع من ينتج أقل من الثلث من مجموع ما ينتجه العالم أجمع، أن يتحكم بالأسعار ارتفاعا أو انخفاضا؟
خلاصة الموضوع، لا يجهل أي مراقب متابع أن من المغري لمنتجي النفوط غير التقليدية في الولايات المتحدة الأميركية وكندا، وللدول المنتجة من داخل ‘أوبك’ ومن خارجها التي تمر بأزمات اقتصادية خانقة، أن تطالب الدول الأفضل حالا من اعضاء منظمة ‘أوبك’ بخفض الإنتاج لرفع الأسعار ولو موقتا. إن من يحاول التحكم في عوامل السوق كمن يريد أن يسد السيل بعباءته، ومصلحة الجميع تتحقق بترك عوامل السوق تحدد السعر الذي يحقق التوازن بين المطلوب والمعروض، فتقل احتمالات ودرجات اضطرابات الأسعار، واستقرار الأسعار يخدم مصالح المستهلكين والمنتجين معا.