تخطت قضية حجاب التلميذتين في مدرسة بيروت الإنجيلية حدود الإدارة المصرة على تطبيق نظامها الداخلي، والذي يوجب منع الحجاب، وفرضت تدخلاً من أعلى المراجع السياسية والحزبية ألزمها التراجع عن قرارها ومخالفة قانونها الداخلي. فماذا حصل ومن هي الجهات العليا التي تدخلت؟
في التفاصيل، عقد اجتماع ثلاثي في إدارة المدرسة جمع مدير عام وزارة التربية فادي يرق، ورئيس المدارس الإنجيلية في لبنان وهو من آل شديد، إضافة إلى أحد المشايخ الشيعة. وتوصل المجتمعون إلى اتفاق يقضي بأن تضع الفتاتان (من آل بركات وآل بلوط في الصف السابع ابتدائي) bande على رأسيهما في الصف وفي الكنيسة، وعند خروجهما إلى الملعب تضعان السترة الشتوية الخاصة بالمدرسة على رأسهيما.
و منعًا للإلتباس وبهدف توثيق الإجتماع تم تصوير اللقاء بالفيديو وتسجيل المقترحات المتفق عليها. وقد علم موقع الكلمة أون لاين أن نائب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم تدخل شخصيًا بالموضوع، حيث اتصل بمدير المدرسة بيار رحال الذي رضخ للضغوط السياسية، مخالفًا بذلك القانون الداخلي للمدرسة. وإضافة إلى الضغوط التي مورست من قبل حزب الله، تدخل الرئيس نبيه بري والنائب العماد ميشال عون في الموضوع داعيين إلى السماح بالحجاب.
تلميذتا ال bandana تخرقان نظام المدرسة الإنجلية في بيروت.
القصة وكما بات معلوما انطلقت من تعميم وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب على جميع الثانويات والمدارس الرسمية والخاصة والمعاهد والمدارس المهنية الرسمية والخاصة، التزام مضمون المادتين التاسعة والعاشرة من الدستور اللبناني وعدم إصدار أيّة أنظمة أو قرارات او تعليمات من شأنها المس بالحرية الدينية وبحرية التعليم أو بوسائل التعبير عنهما، وبثقافة التنوع وقبول الآخر وتعزيز مفهوم الديموقراطية، ما دامت تمارس بما لا يعارض النظام العام أو يخل به”.
وانطلق بو صعب من هذا التذكير على خلفية منع المدرسة الانجيلية في بيروت دخول تلميذة محجبة الى المدرسة، لأنها خالفت النظام الداخلي في مدرستها.
وبنظر ادارة المدرسة، فان مسألة العيش المشترك والأخوة والمواطنة الصالحة امور تبدأ من البيت والمدرسة التي تعتبر البيت الثاني للتلميذ. وعلى هذا الأساس تسعى الإدارة وتعمل – في ظل الزمن الرديء الذي نعيش- على أن يتقبل التلامذة بعضهم بعضًا، فالدين بالنسبة لهم هو محبة الله واحترام الإنسان بعيدًا عن لونه أو دينه أو عرقه.
الأب عازار يشدد على الالتزام بقانون المدرسة حتى لو اوجب دخول التلامذة بلباس النوم
رئيس المدارس الكائوليكية في لبنان الأب بطرس عازار أوضح أن المادة العاشرة من الدستور اللبناني تتكلم عن حرية التعليم “ونحن متمسكون بما هو وارد في النظام الداخلي لكل مدرسة، ودعا عبر الكلمة اونلاين كل الأحزاب والطوائف الى احترام المادة المذكورة والنظام الداخلي”. من هنا، يضيف عازار “ما من أحد يلزم الأهل إدخال أولادهم في هذه أو تلك من المدارس بل يختار الأهل المدرسة التي تتوافق مع معتقداتهم ومبادئهم وتقاليدهم. وبموجب القانون 515 الممدد بالقانون 2812014، فعلى الأهل الإطلاع على نظام المدرسة وأن يعرفوا ما هو المطلوب منهم”. كما أنه “ليس بامكان أحد أن يفرض على المدرسة أي شيء أللهم إن كانت الأمور تتعلق بالأخلاق فذاك موضوع آخر”.
من هنا، يؤكد الاب عازار العمل مع البطريركية المارونية من أجل وضع الأمور في نصابها الصحيح، مشيرا الى أنه على الأهل الالتزام بقانون المدرسة أيًا كان “فإذا نص على وجوب دخول التلامذة بلباس النوم فعليهم القيام بذلك وإذا كان القانون ينص على دخولهم إلى المدرسة بعباءة كاهن فعلى التلامذة والأهل الالتزام والعمل بذلك”.
أبو صعب: الدستور فوق الجميع وقراراتي جاءت بعد التشاور مع بكركي
من ناحيته شرح وزير التربية الياس أبو صعب عبر الكلمة اونلاين ماهية المواد الدستورية المتعلقة بهذا الامر، فاشار الى ان الدستور هو الركيزة الأساسية في الجمهورية اللبنانية، وعلى هذا الأساس وجه تعميمًا تطرق فيه إلى المادة العاشرة من الدستور اللبناني التي تنص على حرية المعتقد، لافتا الى ان المشكلة الحقيقية بدأت بمدرسة سابيس في أدما التي منعت إدارتها التلامذة من وضع الصلبان والدخول إليها، موضحا انه منذ ذلك الحين قام بمشاورات مع بكركي والمدارس الكاثوليكية فأفضت الحركة إلى حفظ حق الأشخاص بالتعبير عن معتقداتهم وشعائرهم الدينية. وبعد إجتماعات متتالية أعلن التعميم وأجبر المدرسة حينها أن تسمح لتلامذتها وضع الصلبان والدخول إليها.
واشار الى ان ادارة المدرسة استندت الى دستورها الداخلي الذي يسمح بالحجاب ويمنع الصليب، ما يتعارض تمامًا مع الدستور اللبناني الذي يحفظ حق الفرد بالتعبير عن حريته مهما كانت هذه الحرية لأن الدستور فوق الجميع… لافتا الى انه لا يوجد قانون يمنع المظاهر الدينية، “أما ما حصل في المدرسة الإنجيلية في بيروت فالإدارة تريد منع التلميذتين من ارتداء الحجاب الى ان توصلت الإدارة الى ما تم ذكره”.
ومستندا الى الدستور، يشير بو صعب الى انه ما من مدرسة يمكن لادارتها فرض أو إملاء أي شيء على تلميذ يتناقض مع معتقداته الدينية أيا كانت تلك المعتقدات. أما إذا كانت المدرسة لا تريد قبول التلميذة لأنها مسلمة فهذا أمر خطير ويمس يالخصوصيات، وما من أحد باستطاعته تحمل عواقب هذا القرار لأننا بهذه الحالة نكون مخالفين للدستور”.
ويعطي بو صعب فرنسا كمثال على منع ارتداء الحجاب، فيؤكد انه عندما منعت السلطات ارتداءه إضطر النواب إلى تعديل القانون داخل المجلس النيابي “فإذا قمنا بتعديل القانون في لبنان عندها تلتزم الإدارات بالدستور الجديد، أما إذا بقي الدستور اللبناني كما هو الآن بالحفاظ على حق الفرد في التعبير عن حريته الدينية فعلى إدارات المدارس تطبيق الدستور والالتزام به حرفيًا. فإما أن يطبق القانون كما هو أو لا يطبق. من هنا ليس بامكان أي مدرسة منع أي تلميذ من وضع الصليب أو أي تلميذة من وضع الحجاب” يختم بو صعب توضيحه لموقعنا.
في المحصلة، ما هي الفائدة التي يجنيها المواطن من طرح هذه القضية بهذا الشكل في وقت احوج ما نكون الى لملمة المذهبية والطائفية التي تتسلل من كل حدب وصوب وتفتك بوحدة الحياة التي يسعى اللبناني للوصول اليها في زمن داعش واخواتها.