قبل فترة في نهايات سنة 2008 تقريباً، ظهر على صفحات الانترنيت موضوع انتشر بسرعة بعبارات تكاد تكون متطابقة ومضمونه إن هناك تقرير صادر عن الأمم المتحدة في سنة 2002 وتفهم من بعضها انه نص كلام الأمين العام في حينها كوفي عنان ينص على أن الأمم المتحدة تقول إن الإمام علي بن أبي طالب (ع) هو اعدل حاكم في تاريخ البشرية.
ورغم حلاوة الموضوع الظاهرية إلا انه أثار انتباهي في حينها واستغربته لعدة أسباب لعل أهمها إنه أين كان الحديث عن هذا الأمر ولماذا لم يظهر إلا في سنة 2008 أي بعد صدور التقرير المزعوم بست سنوات فقررت أن ابحث عن هذا الموضوع لأعرف أصله ومن وراءه، ولكني لم أكمل عملية البحث حينها ونسيت الموضوع فترة وقبل أيام وجدت إن الموضوع أثير من جديد على صفحات موقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) فقررت أن ابحث عنه بجدية أكثر فكان أن حصلت على النتائج التالية:
1-إن أقدم ذكر لهذا النص “وفي ختام حديثي أقول انه كان يوما مشهودا ومبهجا مفعما بالفخر والاعتزاز لمحبي الإمام علي في مشارق الأرض ومغاربها حين أصدرت هيئة الأمم المتحدة في نيويورك، لجنة حقوق الإنسان عام 2002 قرارا اعتبر علي بن أبي طالب خليفة المسلمين: اعدل حاكم في تاريخ البشر على الإطلاق مستندة بوثائق شملت 160 صفحة باللغة الانجليزية وقد قيم التقرير المذكور الصفات الأخلاقية لعلي بن أبي طالب بالرائعة وجعلها في موضع الاعتزاز للمسلمين وكنموذج للبشرية جمعاء …… والسلام” وقد جاء هذا النص في مقالة-محاضرة في الأصل-لطبيب العيون العراقي المقيم في واشنطن (رضا العطار) نشرها على موقع كتابات بتاريخ “20/9/2008″ تحت عنوان ” مفهوم الخلافة في دولة الإمام علي”.
2-اغلب ما نشر عن هذا الموضوع كان اقتباساً من هذا النص مع الإشارة له أو بدونه ومع ذكر اسم الكاتب في الكثير من المواقع التي نشرت الخبر تحت عنوان يكاد يكون متطابق “لا عجب أن أصدرت سكرتارية الأمم المتحدة, لجنة حقوق الإنسان , في نيويورك عام 2002 برئاسة أمينها العام كوفي عنان قرارها التاريخي هذا’ يعتبر خليفة المسلمين علي بن أبي طالب اعدل حاكم ظهر في تاريخ البشر مستندة بوثائق شملت 160 صفحة باللغة الانكليزية ،حقاً كان أمير المؤمنين علي في إدارته لشؤون الدولة الإسلامية متحلياً بمكارم الأخلاق, و لهذا دعت المنظمة العالمية لحقوق الإنسان حكام ممالك الأرض بالاقتداء بنهجه الإنساني السليم في الحكم المتجلي بروح العدالة الاجتماعية و السلام”
3-البعض من المواقع الالكترونية نشرت الموضوع وأشارت بالخطأ إلى عنوان مقال آخر للكاتب حيث ذكرت انه ورد في مقال “الإسلام ومكارم الأخلاق” في حين إن هذا المقال للكاتب يتحدث عن موضوع آخر، ولم يرد فيه نص الكاتب موضوع النقاش.
4-بعض المواقع ذكرت النص في الفقرة (2) أو جزء منه ولكنها أشارت إلى مصدر اقتباس آخر ألا وهو مقال تحت عنوان “United Nations on Imam Ali Ibn Abi Talib ” من موقع “Human Rights for Islam”.
5-لم استطع تحديد أي المصدرين أقدم من الآخر.
6-بالنسبة للنص الأول –أي نص العطار- فان ابسط ما يُقال في حقه انه:
أ-لا وجود لمثل هكذا قرار وقد بحثت في موقع الأمم المتحدة فلم أجد لهذا القرار أي وجود يذكر.
ب-لم يأتي أي ذكر للإمام علي (ع) في وثائق الأمم المتحدة لسنة 2002 إلا في وثيقة واحدة سنتحدث عنها في الفقرة التالية.
ج-اقل ما يقال في حق الرجل –أي العطار- انه متوهم أو انه نقل ما ورد في النص الثاني بتصرف شديد، ولا نريد أن نسيء الظن به أكثر من ذلك.
7-بالنسبة للنص الثاني من موقع ” Human Rights for Islam” فاقل ما يقال فيه:
أ-إن اغلبه اقتباس بالنص من “تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002”
أوArab Human Development Report 2002″ ” الصادر من “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي /الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي”.
ب-إن مقدمته والتي ترجمتها “ونصحت الأمم المتحدة مشجعةً الدول العربية لاتخاذ الإمام علي بن أبي طالب (ع) كمثال في إنشاء نظام يقوم على العدالة والديمقراطية والمعرفة”لا وجود لها في التقرير الأصلي.
8-يبدو من الظاهر إن النص الثاني هو الأقدم وان الأول اقتبس منه دون مراعاة للدقة.
9-لدى مراجعة الوثيقة الأممية المذكورة” تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002″ تبين انه ورد فيها ذكر الإمام علي (ع) مرتان ،الأولى في الصفحة 76 والثانية في الصفحة 103 من النسخة العربية للتقرير المكون من 174 صفحة ،وفي كلاهما كان ذكره عبارة عن ذكر نصوص له (ع) من نهج البلاغة ضمن إطار خارج نص التقرير.
10-تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002، هو تقرير من ضمن مجموعة تقارير يقوم بوضعها مجموعة من الباحثين العرب بشكل مستقل مع دعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يترأس مجموعة المحررين الدكتور نادر فرجاني. بدأ ظهورها في سنة 2002.
هذا ما ورد في موسوعة ويكيبيديا عن هذه التقارير لذا فهي فعلياً تقارير كتبت بادي عربية بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي فهي ليست وثيقة من وثائق منظمة حقوق الإنسان ولا قرار للمنظمة الأممية ولا نص لأمينها العام.
مما تقدم أعلاه يتبين انه لا وجود للنص المتداول وليس هناك أي قرار أو تقرير أو وثيقة أممية تتحدث عن كون الإمام علي (ع) اعدل حاكم في تاريخ البشرية.
إذن لماذا هذا التزوير للحقائق ولمصلحة من؟
لو أردنا أن نحسن الظن بأصحاب النصوص الأصلية ونقول إنهم توهموا أو غيروا بحسن نية فإننا لا نستطيع أن نسامح أنفسنا ونحن ننقل عنهم بهذا الكم من النقل دون تدقيق، وحسن الظن هذا لن يعفينا من النتائج السلبية التي تترتب على هذا الموضوع والتي يمكن أن نعد منها:
1-ظهور الموضوع وكأنه محاولة استجداء اعتراف من الأمم المتحدة بعدالة علي (ع)، وهل هناك مسلم يشك في ذلك؟ وهل لهذا الاعتراف أي قيمة تذكر؟ بل هل ننتظر من مؤسسة طالما شهدناها تنصاع صاغرة لإرادة اليهود أقول هل ننتظر منها مثل هكذا اعتراف؟؟؟
وهل نحن بحاجة كمسلمين لمثل هكذا شهادة وعندنا شهادات من رسول الله (ص) في حق علي أمير المؤمنين (ع).
2-ظاهر الموضوع مدح علي (ع) ولكن باطنه ذم رسول الله (ص)، فإذا كان علي (ع) اعدل حاكم في تاريخ البشرية، فأين يكون رسول الله (ص)؟
وأي مسلم يرضى بهذا سواء أكان شيعياً أم سنياً؟ فكلهم متفقون على أفضلية رسول الله (ص) على كل البشر.
3-الموضوع فيه إثارة للفتنة الطائفية وترويج للفكرة الخاطئة القائلة بان الشيعة-وحاشاهم- يرون إن أمير المؤمنين (ع) أفضل من رسول الله (ص).
4-يظهر الموضوع الإمام علي (ع) وكأنه من دعاة الديمقراطية وأفكاره منسجمة معها جملةً وتفصيلاً وهذا مخالف للواقع ، فعلي (ع) كان قمة العدالة والعطف والرحمة ولكنه لم يكن ديمقراطياً بالمعنى الذي نفهمه للديمقراطية الآن، نعم بعض جزئيات أفكاره وآراءه تنسجم مع بعض جزئيات الديمقراطية.
5-إظهار مؤسسة الأمم المتحدة بمظهر المؤسسة المنصفة والناصحة التي تريد الخير كل الخير للمسلمين والعرب بحيث تنصحهم بالاقتداء بسلوك أئمتهم!!!!!
وسلبيات أخرى لا نريد أن نطيل الحديث عنها ونكتفي بهذا القدر للاختصار، ونكرر تنبيهنا على ضرورة مراجعة مثل هكذا نصوص في المستقبل بدقة ومعرفة مصادرها ومدى دقة الاقتباس قبل الترويج لها ونشرها.
والله من وراء القصد
رشيد السراي