لا يلبث المدنيون في سوريا أن يجدوا مكاناً آمناً يرد عنهم نيران القذائف ويجنبهم رعب المداهمات ويبعد عنهم جحيم غلاء الأسعار، حتى يسارع النظام السوري لاقتحامه بذريعة وجود مسلحين فيه، أو بحجج شتى، ثم يبث الرعب بين المدنيين المتواجدين هناك لينتهي الأمر بمجازر ترتكب بحق من لاحول له ولا قوة هناك بل لا ناقة له ولا جمل في تلك الحرب، حيث أن النظام بات يستهدف مدناً بأكملها بمؤيديها ومعارضيها وحيادييها، بعدما كان يستهدف معارضين أو مناوئين له فقط!
لم تبدأ القصة في الأسبوعين الأخيرين فقط، بل منذ ستة أشهر عن طريق قطع النظام المياه والكهرباء بشكل متواصل عن الحي مما جعل الأهالي يلجؤون لتعبئة المياه وضخها عن طريق سيارات متنقلة، وهنا بدأ الحصار الإنساني بأسوأ مظاهره، لكن منذ 11 يوماً فرض الأسد حصاراً خانقاً على مدينة التل الواقعة في ريف دمشق شمال العاصمة، استخدم فيه النظام كافة أنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة، بل كانت المرة الأولى التي يستخدم فيها النظام الطيران المروحي في قصفه لتلك المدينة، وامتد القصف إلى بلدة عين منين المجاورة لمدينة التل مما أدى لسقوط عشرة شهداء سبعة من مدينة التل وثلاثة شهداء من عين منين، تلا ذلك حملة مداهمات واسعة في عين منين أسفرت عن اعتقال عدد من الشباب.
تحوي مدينة التل مليون نازح، نزحوا من مناطق متفرقة في دمشق وريفها إضافة إلى مناطق في الغوطة الشرقية والقلمون، اتخذ هؤلاء من المدينة مركزاً يأويهم ويرد عنهم نيران الأسد، إلى أن قام الأسد بفرض حصاراً خانقاً على المدينة منع فيه الناس من الدخول والخروج إليها إلا بحالات قليلة وبعد دفع مبالغ طائلة من المال.
“رجاء” طبيبة محاصرة في الحي، تحدثت لأخبار الآن عن حصار خانق يفرضه النظام على المدينة، إذ يعيش الناس هناك على بقايا المواد التموينية التي يخزنوها في بيوتهم، أما عن الخضار والفواكه وحليب الأطفال والطحين فلم يتم إدخالها إلى الحي منذ أحد عشر يوماً، وإن كان هناك بعض السيارات التي تُدْخِل بشكل بسيط صناديق قليلة من الخضار فتدخلها بعد دفع مبالغ كبيرة للحواجز، أما من أراد الخروج من المدينة من المدنيين فينبغي عليه أن يقوم بدفع ما لايقل عن أربعة آلاف ليرة سورية عن كل فرد للحاجز المتمركز على مدخل المدينة.
هذا ما صرحت به إحدى النازحات من المدينة، حيث تقول السيدة “أم ابراهيم” دفعتُ مبلغ 20 ألف ليرة سورية عني وعن أطفالي لأهرب من المدينة ليلة أمس، إلا أن النظام لم يسمح لي بإخراج أي شيء من أمتعتي الشخصية والحقائب التي كنت أحملها وخيرنا بين الخروج من المدينة بلا حقائب أو العودة من حيث أتينا.
وتقول “أم ابراهيم” أعمل في أحد مؤسسات الدولة موظفة، وهذا ما دفعني للخروج من المدينة ولم يشفع لي عملي في الخروج دون أن أدفع أي شيء.. دفعت “راتب شهر كامل ليسمح لي بالخروج”!
وعن السبب الذي جعل النظام يشن هذا الهجوم الشرس على المدينة، تقول الطبيبة “رجاء” أن الأسد يحاول بكل ما أوتي من قوة أن يمسك بمقاليد الأمور في دمشق وريفها بالكامل وهذا ما بدأ به في جوبر وقبل أيام في برزة وانتقالاً إلى التل، وتؤكد رجاء أن المدينة تكاد تخلو إلا من بعض المسلحين المنتمين للجيش الحر ممن يتخذون مكاناً يتمركزون به في المدينة بعيداً عن المدنيين.. لماذا يمنع الأسد جميع المدنيين في الحي من المغادرة سوى لرغبة منه بالضغط على الثوار لتسليم أنفسهم ؟!
وتعاني المدينة من تدهور في الوضع الصحي لها، حيث تتحدث الطبيبة رجاء عن فيروس بدأ يتفشى بين عدد واسع من الأهالي في المدينة وهو معدٍ بشكل سريع، تتلخص أعراضه بسعال حاد في الليل يدوم لأيام وأحياناً أسابيع طويلة، يرافقه ارتفاع كبير في درجات الحرارة وتعرق ليلي شديد وفقدان للشهية، مما يسبب وهناً في الجسم للمريض.
وأسهم الحصار بتفشي هذا المرض بشكل كبير حيث تعاني المدينة من ضعف الخدمات وانتشار القمامة على مساحات واسعة في الشوارع، نتيجة عدم تمكن أي أحد من الخروج لتنظيفها بسبب عمليات القصف والقنص المستمرة.
وتخشى الطبيبة رجاء من أن يكون هذا المرض هو “السل” إلا أن ما يجعل هذا الاحتمال مستبعداً أنه لا يوجد دماء أثناء السعال، إلا أن ذلك لا يلغي أنه يجب على جميع المنظمات الإنسانية أن تدارك ما يجري هناك وتقوم بعمل تحاليل طبية سريعة لمن يوجد في بيته إحدى هذه الحالات، إذ أن الجميع بات مهدداً بالموت سواء قصفاً أو قنصاً أو جوعاً أو مرضاً، ولازالت جميع المنظمات الإنسانية في صمم عما يحدث هناك وينذر بكارثة إنسانية قد تقع!
الآن