وسياسته، هذا أصبح واضحا وواقعا ملموسا، ولكن ما ليس واضحا هو ماذا تريد الكتائب
والى أين يمكن أن تصل في هذه السياسة التي يصعب فهمها أحيانا عندما تطرح الشيء
وعكسه؟!
فإذا كانت الكتائب تؤكد دائما أنها جزء لا يتجزأ من قوى
14 آذار وتفاخر بانتمائها بالدم والشهادة الى هذا الفريق، فإن سياساتها في الآونة
الأخيرة توحي بأنها في صدد إعادة صياغة شخصيتها السياسية وإعادة تموضع على غرار ما
فعله جنبلاط في منطقة «وسطية» بعد فك ارتباط مع 14 آذار وأخذ مسافة.
تمايز الكتائب عن 14 آذار بشكل عام وعن القوات اللبنانية
بشكل خاص ارتفعت وتيرته في الأسابيع الأخيرة ورصد في المحطات والعناوين التالية:
1- الكتائب انفردت بين سائر قوى 14 آذار في الاعتراض على
التمديد لمجلس النواب، وقبل ذلك على تسوية «تشريع الضرورة» انسجاما مع موقف مبدئي
يقول إن مجلس النواب بعد الشغور في رئاسة الجمهورية يتحول الى هيئة ناخبة ولا يحق
له التشريع وسن القوانين.
ومع أن الكتائب هي شريكة في الحكومة وممثل رئيسي لمسيحيي
14 آذار فيها، إلا أنها أخذت خيارا مختلفا في مسألة التمديد وأفسحت في المجال أمام
القوات اللبنانية غير الشريكة في الحكومة لأن تصبح شريكة في القرار السياسي
المركزي، وأن تأخذ مكان الكتائب وتملأ فراغها في اللعبة السياسية. وبعدما كان
الرئيس سعد الحريري قد عول على الكتائب وبكركي لتغطية التمديد، فإنه لم يجد إلا
القوات اللبنانية «تسلفه» وتغطي موضوع التمديد، وثبت أنها قادرة على اتخاذ وتنفيذ
القرارات حتى لو كانت من النوع «غير الشعبي».
2- أعلن الرئيس أمين الجميل قبل أيام أن ترشيحه لرئاسة
الجمهورية قائم وقد تشاور في الأمر مع الرئيس سعد الحريري، وأن قوى 14 آذار رشحته
رسميا، وقالت إن لديها مرشحين آخرين في حال عدم فوز سمير جعجع بالرئاسة «وقد تم
إبلاغي بذلك». وقال أيضا إن الجلسات النيابية لانتخاب رئيس جديد أثبتت استحالة فوز
عون أو جعجع في الرئاسة، وبالتالي يجب الانتقال الى البدائل والخيارات الأخرى
وأولها أن يكون هو الرئيس التوافقي، ورئيسا لإدارة الأزمة.
ولكن هذا الطموح الرئاسي المشروع لدى الرئيس الجميل يصطدم
بواقع سياسي لدى 14 آذار يفيد بأن مرشح المعركة هو سمير جعجع ولا أحد من فريق 14
آذار يمكنه أن يحقق وضعا أفضل وأن يضيف الى أصواته أصواتا، كما يفيد بأنه في حال
أخذت الأمور منحى توافقيا فإن أمين الجميل هو بين المرشحين المحتملين وكذلك هناك
آخرون من 14 آذار مثل بطرس حرب وروبير غانم.
3- عندما زار النائب سامي الجميل زحلة دعا الى فتح صفحة
جديدة مع التيار الوطني الحر ومعاملة الخصوم المسيحيين مثل الحلفاء باعتبار أن حقبة
الصراع بين 8 و14 آذار قد انتهت وأصبح الصراع بين التطرف والاعتدال، وأصبحت
الأولوية لمحاربة الإرهاب وحيث خطر «داعش» هو الخطر الداهم. الخطاب السياسي للكتائب
هو خطاب «مهادن» لحزب الله وينطوي على رغبة الانفتاح عليه والحوار معه ولكن من دون
ترجمة هذا التوجه الى خطوات عملية تجعل من هذه الرغبة رغبة مشتركة ومتبادلة. وأما
العلاقات السياسية الكتائبية فإنها تحاك من جديد وعلى خلفية المساواة بين الخصم
والحليف على الساحة المسيحية، خصوصا أن الخصم (التيار الوطني الحر) له ملعبه وساحته
وجمهوره، بينما الحليف (القوات) يحصل تداخل معه وتنافس على أرض سياسة وشعبية
مشتركة.
4- قبل أيام وفي إطلالته التلفزيونية الأخيرة، اعتبر
الرئيس أمين الجميل أن التنسيق مع النظام السوري حاليا مصلحة وطنية ملحة، داعيا الى
تعزيز التواصل بين الأجهزة اللبنانية والسورية، بما في ذلك التنسيق في الموضوع
الأمني، وهذا الموقف فاجأ حلفاء الجميل في 14 آذار الذين يرفضون بالمطلق عودة
التعاون مع نظام الأسد المعزول دوليا والمتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. في وقت
يكشف الوزير نهاد المشنوق عن نصائح بالجملة وجهت الى الحكومة وجرى رفضها للتعاون مع
النظام السوري لمواجهة المسلحين المتشددين في جرود عرسال.
موقف الجميل الداعي الى التنسيق مع النظام السوري في
ثلاثة مجالات يحتاج فيها لبنان الى التنسيق (موضوع النازحين السوريين، قضية
العسكريين المخطوفين وصفقة التبادل التي تشمل موقوفين في السجون السورية، ومحاربة
الإرهاب وضبط الحدود)، يأتي بعد أيام على إعلان السفير السوري علي عبدالكريم علي أن
هناك اتصالات من فريق 14 آذار جرت سرا مع السفارة السورية في بيروت ويترافق مع
دعوات صادرة عن فريق 8 آذار بتفعيل عمل المجلس الأعلى اللبناني السوري ومكتب
التنسيق الأمني العسكري في مواجهة الإرهاب. التمايز الكتائبي الى أين يمكن أن يصل؟!
ما حدوده وآفاقه؟! هل يبقى تحت سقف 14 آذار أم يتدرج الى فك ارتباط جزئي أو
كلي؟!
14 آذار.. إلى أين يمكن أن يصل؟!” itemprop=”name headline”>