عندما يجلس وزير خارجية سوريا وليد المعلم في السفارة السورية في اليرزة تحيط به شخصيات لبنانية من «فريق 8 آذار»، بينها وزيران في حكومة تمام سلام هما علي حسن خليل والياس بو صعب، فإن ذلك المشهد خير دليل على أن سوريا حاضرة في المشهد اللبناني، برغم أزمتها، لا بل لها كلمتها، خصوصا في الاستحقاق الرئاسي.
وعلى عكس ما كان يشتهي رجل مثل وليد المعلم ونائبه فيصل المقداد والمستشارة الرئاسية السورية بثينة شعبان، فإن اللبنانيين أغرقوا عشاء السفارة بقضاياهم اللبنانية، من الرئاسة الى التمديد، فالقانون الانتخابي، وقضية العسكريين، وربما بلغ بهم الأمر الخوض في تفاصيل داخلية ليست في بال أحد في العالم إلا اللبنانيين أنفسهم.
لمّح الوفد السوري الى أهمية أن يحصل تنسيق بين حكومتي البلدين، خصوصا في مواجهة الارهاب الذي يهدد البلدين. هذه النقطة لا تخضع للأخذ والرد من قبل «فريق 8 آذار» بل على العكس، هو مقتنع بوجوب مغادرة «النأي بالنفس» في موضوع مواجهة الارهاب «بما يشكله من خطر وجودي على لبنان واللبنانيين لا بل على مجمل الصيغة اللبنانية».
ففي العلاقات الدولية، ثمة نظرية تسمى «المصلحة القومية للدولة» والتي تعرّف على «أنها الحاجات والرغبات التي تدركها دولة ذات سيادة، وعلاقات ذلك بدولة أخرى ذات سيادة تشكل المجال الخارجي لهذه الدولة». أما في لبنان، فقد بلغ الانقسام حد التناقض في تفسير هذه «المصلحة»، خصوصا في ما يتعلق بمقاربة قضية التواصل اللبناني السوري الذي تنادي به دمشق منذ بدء الأزمة السورية حتى يومنا هذا، يجاريها في ذلك «فريق 8 آذار».
هذا المطلب لم يجد له مكانا بعد على طاولة لا هذه الحكومة ولا الحكومة السابقة، بسبب الانقسام الحاد بين فريق «14 آذار» الرافض فكرة التفاوض مع النظام السوري، وحجته في ذلك انه سيحتم على لبنان لاحقا التفاوض مع المعارضـة السورية، وفريق «8 آذار»، الذي لا يرى بديلا من إعادة فتح قنوات الاتصال لمعالجة بعض القضايا الملحة كأزمة النازحين التي تحولت الى قنبلة موقوته تهدد الاستقرار اللبناني، إضافة الى مسألة الاعتداءات الإرهابية من قبل الجماعات التكفيرية المسلحة على القرى الحدودية المحاذية للسلسلة الشرقية.
الشواهد عن التنسيق بين دول متنازعة ومتخاصمة، حتى تلك التي لا تربطها علاقات ديبلوماسية، اكبر من أن تحصى، «فكيف بسوريا التي تشكل العمق الحيوي للبنان، ومجاله الخارجي البري الوحيد» على حد تعبير أحد وزراء «8 آذار».
العلاقات الديبلوماسية بين الدولتين اللبنانية والسورية قائمة، والسفارة السورية في لبنان تمارس نشاطها الطبيعي من خلال بعثة يقودها السفير علي عبد الكريم علي، وهناك مؤسسة المجلس الأعلى اللبناني ــ السوري (يتولى مسؤوليتها نصري خوري) تستمر بالقيام بأعمالها ومنها وضع السياسة العامة للتنسيق والتعاون بين الدولتين في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
أيضا، هناك سفارة لبنانية في دمشق تستمر مفتوحة وشملتها التشكيلات الديبلوماسية، ويفترض عند أي تحسن في الأوضاع الأمنية أن تعود للعمل الطبيعي لأن لا قرار بقطع العلاقات الديبلوماسية بين البلدين، ولو حصل ذلك، فسيكون لبنان هو الخاسر الأول، خصوصا أن مطلب إقامة العلاقات الديبلوماسية لم يأت وليد رغبة سورية بل رغبة تاريخية «سيادية» لبنانية.
هنا، يكفي استحضار تجارب التنسيق الأمني في ملفات عدة أبرزها مخطوفو أعزاز وراهبات معلولا والعسكريون، فضلا عن قضية استرجاع جثث بعض اللبنانيين الذين كانوا يقاتلون في صفوف المعارضة المسلحة في جسر الشغور وغيرها، حتى تسقط مبررات من ينادون بالقطيعة اللبنانية السورية.
وثمة سابقة يفترض أن تؤخذ في الحسبان، وهي الاجتماع الثلاثي اللبناني الإسرائيلي ــ الأممي (اليونيفيل) لمراقبة تنفيذ بنود القرار 1701، والذي يعقد في الناقورة منذ نهاية العام 2006 حتى يومنا هذا، «وما يثير الدهشة أن قوى 14 آذار ذهبت في مواقفها الى حد اعتبار هذه الاجتماعات مع دولة عدوة تشكل مظلة أمان لاستقرار الجنوب، وتبنتها الى أبعد الحدود، بينما لا تريد أن تجلس على طاولة دولة شقيقة» يقول وزير خارجية لبناني سابق، مشيرا الى أن سوريا «تعد وفق اتفاق الطائف دولة شقيقة، فيما إسرائيل هي بإجماع كل الأطياف اللبنانية دولة عدوة بكل معنى الكلمة، فضلا عن ان حالة الحرب بين لبنان وإسرائيل لم تنته بعد»، مشيرا الى ما تضمنه الطائف في بند العلاقات اللبنانية السورية، لجهة «عدم جعل لبنان مصدر تهديد لأمن سوريا وسوريا لأمن لبنان في أي حال من الأحوال».
تعميم المركزي يخفض سعر صرف الدولار؟
بعد أن اصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً يلزم المصارف بالحصول على موافقة مسبقة منه قبل فتح اعتمادات او دفع فواتير...