تعرف العلاقات السعودية الايرانية حالة من التوتر الشديد، اثر ملاسنات بين مسؤولين كبار في البلدين، على خلفية تصريحات لوزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل بشأن وجود قوات إيرانية في سوريا، وصفها بأنها «قوات احتلال».
ورد رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، علاء الدين بروجردي، بشن هجوم على وزير الخارجية السعودي قال فيه ان «هذه التصريحات ناتجة عن كبر سنه»، وتابع بقوله: «إذا كانت مفردة المحتل تليق بدولة، فإنها تليق بالسعودية، لأنها هاجمت الشعب البحريني الأعزل، تحت عنوان قوات درع الجزيرة، وانتهكت القانون الدولي».
من جهتها استنكرت دول مجلس التعاون الخليجي بشدة في بيان رسمي امس التصريحات الإيرانية المتكررة و»غير المسؤولة التي تصدر من بعض المسؤولين الإيرانيين تجاه دول مجلس التعاون».
وكان حسين أمير عبد اللهيان نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية دعا السعودية إلى الانتباه «لمؤامرات أعداء المنطقة (…) وأن تلعب دورا أكثر إيجابية».
وتأتي هذه الانتكاسة في العلاقات الثنائية بعد الاجتماع الذي جمع الفيصل مع نظيره الايراني جواد ظريف في الامم المتحدة الشهر الماضي، واعلن فيه الجانبان «فتح صفحة جديدة».
ولايمكن فهم هذه الانتكاسة بعيدا عن التطورات الاقليمية على عدة جبهات، بينها الحرب التي يشنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على تنظيم «داعش»، وتوسيع قوات حركة «انصار الله» الحوثية سيطرتها في اليمن. ويرى محللون ان التوتر بين البلدين يهدد باعادة العلاقات الى المربع الاول، الا ان البعض يعتبر ان العلاقات لم تشهد تحسنا حقيقيا اصلا رغم التصريحات الايجابية التي صدرت عن اجتماع نيويورك، والتي كانت تعبر عن امنيات اكثر منها تفاهمات في شأن التناقض في المصالح والاجندات اقليميا. ومن بين الادلة على ذلك:
اولا- ان التصعيد الاعلامي السعودي ضد ايران بالحديث عن «قوات احتلال في سوريا» تزامن مع توتر العلاقات الايرانية الامريكية، على اساس قضيتين هما الوضع في العراق والمفاوضات النووية.
ومن الواضح ان طهران نجحت في حشد حلفائها في العراق، وبينهم اجنحة ممثلة داخل الحكومة، ضد اي تدخل بري امريكي محتمل. واكتسب هذا الحشد زخما شعبويا بدعم من ممثل المرجع اية الله السيستاني في خطبة الجمعة في كربلاء. وضاعف من الغضب الامريكي رفض طهران ان تتعاون سرا في المجال الاستخباراتي مع الحملة الجوية التي شنها التحالف بدون ثمن، وهو ما اثر سلبيا على نجاعة الغارات في اضعاف تنظيم داعش طوال شهرين. اما على صعيد المفاوضات النووية التي استؤنفت امس، فقد شددت ايران موقفها بشأن قضية عدد اجهزة الطرد المركزية التي يجب ان يسمح لها به، واصرت على ان يكون في خانة عشرات الآلاف، بينما تريده واشنطن في خانة المئات.
ثانيا- ان ثمة قناعة دولية وصلت الى نقطة النضج، بأن الغارات الجوية التي يشنها التحالف لن تستطيع وحدها ان تحقق الهدف المعلن منها وهو «تدمير تنظيم داعش» حسب تعبير الرئيس الامريكي باراك اوباما اثر اجتماعه مع القيادات العسكرية في احدى وعشرين دولة امس الاول.
وهنا تبرز ايران كعقبة رئيسية او تحد صعب لخيار نزول قوات برية غربية سواء في سوريا او العراق، باعتبار انها القوة الاكبر على الارض في البلدين، بينما يعاني الجيش العراقي حالة من الانهيار، وتحتاج ما تسمى بـ «المعارضة السورية المعتدلة» الى سنوات لتدريبها عسكريا. وهكذا فانه بغياب «تفاهم ما» مع طهران، قد يكون من الصعب على التحالف الدولي، بما فيه السعودية، رؤية ضوء في نهاية النفق.
ثالثا- ان سيطرة الحوثيين في اليمن على مواقع استراتيجية مثل باب المندب ومطار مدينة الحديدة ومينائها، اعطى ايران اختراقا مهما من جهة مجال نفوذها الاقليمي، وجعلها قادرة على التحكم في مدخل البحر الاحمر، بعد ان حصلت على منفذ مباشر عليه، وهو انجاز استراتيجي يمنحها القدرة على محاصرة السعودية، ونقل المواجهة الى داخل اراضيها عبر الحدود المشتركة الطويلة والصعبة.
وبعكس التوقعات السعودية فان الحوثيين بدأوا عملية سياسية موازية وقابلة للاستمرار عبر المشاركة في «حكومة توافق»، ما يؤمن اعترافا اقليميا ودوليا بهيمنتهم على البلاد استنادا الى «شرعية ثورية» يزعمونها في ظل افتقارهم للشرعية الدستورية. وهكذا اصبحت السعودية محاصرة سياسيا كما عسكريا، اذ ستضطر للقبول والتعايش مع هذا الواقع «الايراني» الجديد في اليمن.
واخيرا فان استمرار التوتر السعودي الايراني قد يفتح الاقليم على احتمالات وخيارات صعبة بل ومرعبة، مع تصاعد الاستقطاب الطائفي، وتوسع الصراع بين البلدين ليشمل حروبا علامية ونفطية بل وربما مواجهات عسكرية ايضا، قد تدفع الخليج باتجاه «انفجار كبير» يستحيل توقع نتائجه.
بلينكن: واشنطن تدرس تدابير جوابية بما في ذلك ضد الرياض بعد قرار “أوبك +”
قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أمس الخميس، إن الولايات المتحدة تدرس عدداً من التدابير الجوابية، بما في ذلك ضدّ...