لم يستجب الشارع الطرابلسي الى الدعوة التي اطلقتها هيئة العلماء المسلمين تحت شعار «لا لذبح عرسال»، وللاسبوع الثاني تذهب نداءات للخروج من مساجد طرابلس هباء منثورا، وانحصرت التلبية في مسجدي حربا التبانة وحمزة القبة، حيث رواد المسجدين اعتادوا على الخروج بتظاهرات نظرا لموقعهما في البيئة الحاضنة للقوى الاصولية المتشددة.
كيف بدا المشهد يوم امس في طرابلس القلقة والتي تبدو انها هذه الايام تعيش فوق صفيح ساخن؟
طرابلس منذ الصباح كادت ان تخلو من حركة السير، فكانت هادئة، غاب الازدحام المعتاد عن شوارعها، فيما كانت دوريات الجيش والاجهزة الامنية ناشطة تعمل على ضمان امن وسلامة المواطنين خاصة في محيط المساجد. وهذا امر اعتاد الجيش اللبناني على تنفيذه ظهيرة كل يوم جمعة.
الطرابلسيون عاشوا ساعات من القلق ناتج عما تداولونه من شائعات ومن اخبار تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي وخدمة «الواتساب» عن خروج تظاهرات من المساجد لدعم عرسال وانها ستكون تظاهرات مقدمة لاعلان ما اطلقوا عليه «الثورة السنية» وهي حلم بعض المجموعات الاصولية والتي يتماهى معها نواب وقيادات دينية في الاونة الاخيرة.
بالرغم من ان معظم الطرابلسيين يعتبرون انفسهم غير معنيين بأي اتجاه اصولي متطرف يأخذ المدينة الى مكان اخر، لم تكن عليه في تاريخها الطويل، بل ان الطرابلسيين هاجسهم تكريس وتثبيت الامن والاستقرار وتحصين المرافق الاقتصادية والتجارية والتعويض عن السنوات التي شهدت فيها طرابلس تراجعا معيشيا واقتصاديا جعلها في وضع لا تحسد عليه.
وان معظم الطرابلسيين يعتبرون ان تلك المجموعات الاصولية لا يمكن ان تأخذ طرابلس رهينة لمشروعها التكفيري وبالتالي لا تمثل طرابلس بكل شرائحها الاجتماعية والاقتصادية.
تلك الشائعات تحدثت عن احتمالات شتى في حال خرجت التظاهرات من المساجد فيما لو خرجت هذه المساجد عن طوع مرجعيتها الدينية الرسمية. وان هذه التظاهرات في حال انطلقت ستؤدي الى صدامات مع الجيش والاجهزة الامنية نتيجة تواصل التحريض الطائفي والمذهبي والتعبئة التي تستهدف الجيش برمته. حيث بات هدفا لاعمال عدوانية من خلايا اصولية امتلأت بالشحن الحاقد على الجيش وعلى دوره في تطبيق القانون والسهر عليه وعلى الخطة الامنية التي باتت مهددة في حال استمرار هذه المجموعات بأعمالها العدوانية ضد الجيش.
فبالرغم من البيانات التي دعت للتظاهر رفض معظم خطباء مساجد طرابلس تلبية الدعوات الى التظاهر حتى ان بعض هؤلاء الخطباء استغربوا العنوان الذي اعلن وهو «لا لذبح عرسال» وكأن هناك من يساوي بين القاتل والضحية، حيث غاب شعار «لا لذبح العسكريين» وهو ما تعرض اليه بالفعل جنود من الجيش اللبناني، اما عرسال فلم تتعرض الى مذابح ولا الى حصار سوى ما ذكره الاعلام المنحاز الى القوى الاصولية الداعشية بالادعاء ان عرسال محاصرة، بينما شاشات التلفزة اثبتت كذب هذا الادعاء.
اما في التبانة فقد خرجت تظاهرة لم تكن على قدر الطموح والتوقع وايضا تظاهرة القبة. غير ان الشعارات التي اطلقت في التظاهرتين ورفع رايات «داعش» كانت لافتة ومثيرة جدا ومقلقة للطرابلسيين، حيث تنبئ هذه الاعلام والشعارات المؤيدة لداعش ان هذه المدينة حسب مصدر طرابلسي باتت تحتضن مجموعات داعشية وهي تتنامى طالما العملية الاستباقية لم تصل الى التبانة. وقد باتت مطلبا شعبيا طرابلسيا لان اهل المدينة يريدون الامان.
وقد لاقت مداهمات الجيش اللبناني وتوقيفه العشرات من المطلوبين والمتورطين ارتياحا في الاوساط الشعبية، وتمنت استمرار هذه المداهمات حسب ما ادلى به مصدر طرابلسي حتى تطهير طرابلس من كل العابثين بأمنها وباستقرارها كي تبقى مدينة للسلم والسلام والتقوى بالفعل وليس بالقول وحده.
وكانت لحادثة خطف عنصرين امنيين في التبانة اشارة خطيرة جدا سارعت القيادات الدينية الى معالجتها قبل طلوع الصباح، وربما برأي المصدر ان هذه العملية ستعجل في اتخاذ القرار الحاسم لازالة كل المربعات الامنية في طرابلس.
دموع الاسمر