منذ انخراط «جبهة النصرة» في إطار قيادة عمليات ما يسمى «الجبهة الإسلامية» التي تديرها المملكة العربية السعودية، وبعد الإطاحة بقوة ذراع «الإخوان المسلمين» العسكري أي «لواء التوحيد» ومقتل قائده عبد القادر صالح، تغير كل شيء على الأرض، وخصوصاً بين الأجنحة العسكرية المعارضة، فانقسم الشيشانيون بين «داعش» و«النصرة»، ورفضت «داعش» الاحتكام لسلطة القرار السعودي الجديد، فيما بدأت عمليات التشكيل الجديد أي الجبهة الإسلامية بذراعها العسكري المتمثل بجبهة النصرة تأخذ منحاً استعراضياً غايته تحقيق مكاسب عسكرية تسمح باستثمارها «سياسياً» إن من قبل السعودية بالدرجة الأولى أو من خلال تجييرها للفائدة «الغربية» في معركة تدمير مقدرات «المقاوم السوري» حليف «القيصر الروسي»، لتعكس المعارك «المستحدثة» مؤخراً الرغبة التركية – السعودية في بيع «الناتو» مقبض عصا يرد بها «قرصة» الأذن الروسية في أوكرانيا.
بداية التحولات
لم يكن قرار السعودية بتجيير قوة «النصرة» لصالح جبهتها وليد ساعته، بل جاء نتيجة طبيعية للخلافات المتزايدة بين «المخابرات السعودية» ورجالها في «داعش»، الأمر الذي بلغ حده الأقصى مع قرار السعودية بعزل ولاية الشام عن سلطات «الدولة»، وحصر نطاق عملها بجغرافية العراق، وزاد من عنف ردة الفعل، «خطأ إداري» قام به أحد موظفي المخابرات السعودية، سلم خلاله مبلغاً كبيراً من المال للمسؤول المالي فيها، كان من المقرر اقتسامه بينها وبين فصائل أخرى في العراق وسوريا، وعندما تمت مطالبة «داعش» برد المبالغ قامت بتصفية «الرسول» وبدأت حملة انتقامية واسعة، عززت من مكانة النصرة بالنسبة للسعوديين الذين رفعوا مستوى الدعم المخصص لها، مالاً وعتاداً ورجالاً، في مقابل أوامر صدرت لكافة الفصائل الممولة سعودياً بقتال «داعش» حتى تعود إلى رشدها وتنزل على «حُكمْ المملكة».
«القرم» تنقذ السعودية وتركيا
جاءت أزمة أوكرانيا لتفتح الباب على مصراعيه لعودة «الحاجة الغربية» للأذرع السعودية، وكذلك بالنسبة لتركيا، وبعدما كانت الولايات المتحدة تضغط بقوة على المملكة لخفض دعمها للتنظيمات الإرهابية المقاتلة في سوريا، انقلبت الموازين، وجاء قرار روسيا بضم القرم ليزيد من الغضب الأميركي – الغربي ويفسح المجال أمام استغلال «السعودي والتركي» للحاجة الغربية إلى «لي الذراع» الروسي بأسهل الطرق وأسرعها وأكثرها نجاعة، فكانت «كسب» قرم سوريا.
يدرك الأمريكي حجم التأثير السعودي على المجموعات الإسلاموية المتشددة المقاتلة على الأراضي السورية، ويدرك السعودي أيضاً أن الأمريكي لا يملك الكثير من الأوراق لإشهارها بوجه «الكرملين» المتمادي في إظهار نديته له، وإن كان المندوب الروسي في مجلس الأمن قد أوجع مندوبة الولايات المتحدة برده «العنيف» وهو يدفع يدها بعيداً عنه، كما فعل عندما بسط يده على شبه جزيرة القرم مبعداً الخطر الغربي عن نافذته البحرية الأكثر استراتيجية، فقد قدم التركي والسعودي للأمريكي الحلبة المناسبة لجولة رد الإعتبار في «كسب» و«رأس البسيط»، كما كان مخططاً، قبل أن تسقط الهجمات على سفوح الجبال الفاصلة بين كسب والرأس البحري الأهم على الحدود السورية-التركية.
فتح الإعتمادات والممرات
فتح «السعودي» الإعتمادات اللازمة، وضعت الخطة المؤجلة (بإعتراف المعارضة) قيد التنفيذ، تقدمت «النصرة» وشيشانيوها راكبو السيارات الرباعية الدفع الهجوم، بمساندة من «الأفغان الخليجيين»، ومشاة الفصائل السورية المسلحة، وفتح «التركي» حدوده لهم، وحصل الهجوم الذي خُصص له دعم لوجستي ومعلوماتي وعسكري غير مسبوق عبر الحدود التركية، تقدم المسلحون نحو كسب، وسارعوا الى التقاط الصور بجانب «لافتة البلدة»، وعلى شاطئ استراحة سورية حدودية، ثم انتقلت المعارك العنيفة الى التلال والجبال، من النسر الى السمرا والنقطة ??، حيث حقق الناتو حلمه التاريخي بتدمير أحد أهم مراصد «الحرب الإلكترونية» السورية في المنطقة، وعول «قادة الهجوم» المتمركزون في غرف «عمليات الناتو» في تركيا على أن تسهم هذه الضربات في انهيار الجبهة الدفاعية والوصول الى أقرب نقطة نحو اللاذقية، وكانت التعليمات واضحة، بعدم الالتفات الى الخسائر مهما علت، وتحقيق الأهداف الرئيسية المتمثلة بتدمير المرصد ??، السيطرة الكاملة على كسب والسمرا والتلال والجبال المجاورة، والوصول إلى رأس البسيط.
الجيش السوري يواجه «الناتو»
كان الجيش التركي في حالة استنفار تام، الرادارات التركية (تقنيات الناتو) تسلط شعاع موجاتها نحو الأراضي السورية، القرار متخذ باستفزاز «الطيران السوري» وحتى إسقاط طائراته لكسر معنويات «المقاتلين على الأرض»، وإحراج القيادة السورية أمام «أهل الساحل»، ومنع سلاح الجو من مساندة القوات البرية، وشل القدرات الدفاعية الجوية، لكن شيئاً من ذلك لم يحصل، فلا سلاح الجو السوري انكسر بل كثف غاراته وارسل مقاتلاته لحماية القاذفات وتم تفعيل الدفاع الجوي بأقصى طاقاته، والتف أهل الساحل حول القيادة الصلبة أكثر، وتقدمت النسوة الى مناطق القتال لدعم قوات الجيش السوري والدفاع الوطني والمقاومة السورية، وأنشأت المطابخ التطوعية، وهب شباب اللاذقية والمحافظات للدعم والإسناد.. والأهم، كان الصمت الروسي يترجم على عدة مستويات، بدعم تقني غير محدود لسلاح الجو السوري، ودعم معلوماتي متفوق، والأهم من كل ذلك، استطاعت وحدات الجيش السوري امتصاص الهجمات، وتشكيل هجمات مضادة سريعة وفعالة، برهنت للمرة الألف على قدرات عسكرية فائقة ومهارات عالية اكتسبتها الوحدات خلال القتال، واستطاع الجيش السوري اعادة التوازن الى ارض المعركة بسرعة قياسية، تؤكد وجود قيادة متماسكة وخبيرة تمتلك في جعبتها حلولاً سريعة للمشاكل المستجدة، وكان الجندي السوري الذي انسحب جريحاً الى مواقع خلفية، يعود الى القتال قبل أن يضمد جراحه، ويستبسل في الدفاع عن المواقع الاستراتيجية يضع البصمة الأخيرة على خريطة التحولات الميدانية، حاسماً المعركة مجدداً لصالح الجيش السوري، أمام «قيادة الناتو» وتقنيات حربه المتطورة والدعم التركي غير المحدود، والتمويل السعودي .. وموجات الهجمات البشرية لمقاتلي النصرة، ليسجل مرة جديدة برغم الخسائر، صموداً بطعم النصر، مقدمة أولية لتحقيق نصر أكيد وحاسم.
“