عندما اتخذت قيادة حزب الله قرارا بفتح حوار جاد مع تيار المستقبل، تجنبت الوقوع في «هفوة» ارتكبها رئيس تكتل الاصلاح والتغيير ميشال عون عندما قرر الانفتاح على الرئيس الاسبق للحكومة سعد الحريري دون تنسيق مسبق مع «الحليف» الذي لم يرتق انزعاجه الى مرحلة «العتب» على «الجنرال» وتفهم هذه الخطوة وتعامل معها دون «هواجس» او شكوك، بل شجع عليها وتمنى لها النجاح، ولذلك وتجنبا لتكرار التجربة كان حلفاء الحزب على اطلاع مسبق على النيات الحوارية المضمرة بسقوفها المتوقعة ومواضيعها المتاحة، لذلك لا تشعر «الرابية» بالقلق، بل تبارك هذا الحوار، فيما تقف اطراف قوى 8آذار وراء الحزب في مبادرته بل تتقدم عليه في مواضع معينة كحال رئيس مجلس النواب نبيه بري. فهل هذا الارتياح موجود في «المعسكر» الآخر؟
اوساط في الثامن من آذار، لا تعتقد ذلك خصوصا ان ما يتسرب من معلومات من داخل تيار المستقبل يشير الى ان الدعوة الحوارية احدثت «ارباكا» حقيقيا داخل «التيار الازرق»، وهذا ما استدعى «ورشة» عمل مفتوحة من قبل الرئيس سعد الحريري الذي انتقل إلى باريس لعقد المزيد من اللقاءات التحضيرية قبل إطلالته التلفزيونية غدا، وهو اجتمع في الساعات الأخيرة في الرياض مع الرئيس فؤاد السنيورة ووزير الداخلية نهاد المشنوق ووزير العدل أشرف ريفي ومدير مكتبه نادر الحريري على ان يلتقي النائب مروان حمادة في العاصمة الفرنسية. ولكن لماذا كل هذا الارباك؟
برأي تلك الاوساط، يجد رئيس تيار المستقبل نفسه امام خيارين «احلاهما مر»، فهو محشور بدعوة حوارية «هندسها» رئيس مجلس النواب نبيه بري لملء الفراغ القائم في البلاد والمنطقة، دون موجبات حقيقية او جدية تدفع رئيس الحكومة الاسبق الى الاندفاع باتجاه الدعوة، لكنه في نفس الوقت لا يريد ان يسجل على نفسه «خطيئة» رفض «اليد المدودة»، وتحمل مسؤولية اي انهيار سياسي او امني في البلاد. وربما اكثر ما يثير انزعاجه هو «مغالاة» الرئيس بري في التعويل على هذا الحوار، والترويج لحالة تفاؤلية «غير مفهومة» بالنسبة اليه خصوصا مع اصرار صاحب الدعوة على انطلاق هذه «المحادثات» بلا شروط مسبَقة، والتركيز على انطلاق الحوار الثنائي، وترك الحرية للطرفين في مناقشة ما يشاءان من مواضيع خلافية بينهما. لكن ماذا عن جدول الاعمال؟ من اين يبدأ ومن يحدده؟ هل هو حوار مرهون بسقف زمني ؟ وماذا عن احتمالات الفشل والدوران في حلقة مفرغة؟
اسئلة لم يجد الحريري اجابات عنها، وبالتالي يبحث عن اقناع نفسه قبل اقناع المعترضين داخل تيار السياسي، فمعارضو بدء الحوار دون ضوابط، يقولون، بحسب اوساط مطلعة على النقاشات داخل تيار المستقبل، ان حزب الله لا يبحث عن النتائج ويكفيه «الصورة»، فالجلوس على «طاولة» واحدة مع «التيار الازرق» يعني اقرارا بالامر الواقع، وتسليما بسلاح الحزب واستراتيجيته في مكافحة الارهاب، وفي سوريا، كون هذين الملفين خارج اي نقاشات مفترضة، وحتى لو تم وضعهما على جدول الاعمال فلا امل بحصول اي اختراق، الا اذا قرر تيار المستقبل التخلي عن مواقفه المعلنة.
أما النقاش الجدي فسيكون على ملفين اساسيين تضيف الاوساط الاول يحتل اولوية لدى الحزب ويتعلق بالفتنة السنية- الشيعية، وهنا لا خلاف جوهريا حول حماية الساحة الداخلية من تداعيات ازمات المنطقة، ولكن المشكلة ستبقى في التفاهم على الخطوات الايلة الى ذلك، وليس لدى حزب الله الا ورقة تعزيز التعاون القائم في الحكومة ونقل التجربة القائمة مع وزير الداخلية نهاد المشنوق الى قنوات حزبية مشتركة في المناطق، وذلك بمعزل عن الجبهة المفتوحة في سوريا، وهذا سيزيد من صعوبات تيار المستقبل في شارعه ويعمق «مأزقه». اما الملف الثاني المرتبط برئاسة الجمهورية فلا يدعي حزب الله اصلا انه يملك «مفاتيح» الحل والربط بمعزل عن حلفائه في الداخل وفي مقدمهم الجنرال ميشال عون، واي حوار جدي حول هذا الاستحقاق لن تنسج تفاصيله النهائية بمعزل عن رئيس تكتل الاصلاح والتغيير، وهذا يعني حكما ان اي نجاح مفترض مشروط بحضور «الجنرال» على «الطاولة»، فهل لدى الحريري اي جديد يقدمه في هذا السياق، بعد «المراوغة» التي استمرت لعدة اشهر؟ ثم كيف سيتمكن تيار المستقبل من عزل الحوار المفترض عن الموقف السعودي المستجد من حزب الله؟ وموضوع الشهادات أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري؟ وهل سيطلب من جمهوره ان يصم آذانه عما يقال في المحكمة؟
وفي رأي تلك الاوساط، لا تغيب المعطيات الاقليمية والدولية عن التأثير في الحوار المفترض، وفي هذا السياق فان انتهاء المفاوضات النووية بين ايران والدول الغربية في فيينا على وقع اجواء تفاؤلية، لا يعني ان الاجواء الاقليمية ستكون مريحة، فالجميع يدركون ان الجانب السعودي «لعب» دورا تخريبيا لاجهاض الاتفاق، وتحميل المصادر الايرانية المفاوضة السعوديين جزءا من المسؤولية عما حصل، يشير الى ان طبيعة العلاقات بين الجانبين تتجه نحو المزيد من التوجس والشك في النيات المعلنة والمضمرة، ما يجعل الاشهر المقبلة حبلى بمزيد من «الكباش» بين الجانبين على اكثر من ساحة. واذا كان اعلان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قبل اسابيع عن مبادرة «مد اليد» اشارة واضحة الى وجود قرار لدى محور المقاومة بتجنيب لبنان اي خضات مفترضة وابعاده عن تداعيات الحريق في المنطقة، فان ما سيخرج به الحريري من موقف بعد بضع ساعات سيكون المؤشر الاكثر وضوحا عما تريده السعودية من دور للساحة اللبنانية في المرحلة المقبلة.
وفي هذا الاطار، فان تمديد المفاوضات النووية، زاد من «الضغوط» على الحريري ومن خلفه الرياض تضيف الاوساط، لان التنصل من الدعوة الى الحوار ستحسب «قفزة» في «المجهول»، فمع وجود اتفاق ضمني مع حزب الله على حماية السلم الاهلي، يصبح الجلوس على الطاولة امرا حتميا لتحصين الوضع الداخلي، خصوصا ان اي عرقلة للدعو الحوارية سيعني ان السعودية وضعت لبنان ضمن ساحات تجميع اوراق القوة بانتظار الجولة الجديدة من المحادثات، وهذا يعني ان الساحة اللبنانية ستنضم عمليا الى قوس الازمات الممتد من العراق مرورا بسوريا واليمن حيث ساحات الاختبار لتحسين «شروط اللعبة»، فهل يستطيع الحريري تحمل مسؤولية وضع لبنان على «خط الزلازل»؟
هذه المعطيات، تضع الحريري امام «معادلة صعبة» وخيارات محدودة بحسب الاوساط، وهو يبحث اليوم عن صيغة لا تجعل منه مسؤولا عن رفض «الجلوس» الى «الطاولة»، لكن في الوقت نفسه سيحرص على تحميل الطرف الاخر مسؤولية اي اخفاق في المستقبل، وهذا ما سيدفعه الى اتخاذ خيار «تقليل الخسائر» من خلال اطلاق ما يمكن تسميته» «مبادرة الحد الادنى» المتصلة بإعطاء اشارات غير سلبية حول الحوار، لكنها سترتبط بتساؤلات حول الضمانات والآليات والاولويات ورئاسة الجمهورية والقانون الانتخابي الجديد، والسلاح والحرب في سوريا، وهو يأمل ان يؤدي ذلك الى نوع من تسجيل النقاط على حزب الله قبل البدء باي تفاوض جدي. اما خيار رفض الحوار فهو قرار كبير لن يكون الحريري مسؤولا عنه، عندها «ابحثوا عن سعود الفيصل»..
تعميم المركزي يخفض سعر صرف الدولار؟
بعد أن اصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً يلزم المصارف بالحصول على موافقة مسبقة منه قبل فتح اعتمادات او دفع فواتير...