شكلت العملية الاستباقية التي نفذها الجيش اللبناني في مخيمات النازحين السوريين في عرسال انجازاً استثنائىاً نظراً للمعطيات التي كانت بحوزة مخابرات الجيش قبل العملية، من حيث ما كانت تخطط له المجموعات الارهابية المتغلغلة بين النازحين السوريين، والتي كانت تعد لعمليات ارهابية في اكثر من منطقة لبنانية بدءا من البقاع.
لذلك، فالسؤال الاول الذي انتهت اليه العملية العسكرية يتمحور حول اكثر من انجاز نتج عن اسقاط الخلايا الارهابية ومنها بالاخص بحسب مصادر امنية:
1ـ رغم عشرات العمليات الاستباقية التي كانت وحدات الجيش تنفذها في الفترات الماضية في غير منطقة، الا ان العملية الاخيرة، هي الاكبر والاشمل، من حيث المخاطر التي كانت تهيء لها الخلايا الارهابية في مخيمات النازحين السوريين وتحديداً في منطقة عرسال، حيث اظهرت التحقيقات الاولية وما سبق ذلك من معلومات توفرت لمخابرات الجيش ان الارهابيين كانوا يعدون لاستهداف اكثر من منطقة بما في ذلك مواقع فيها تجمعات لمدنيين، اضافة الى بعض مواقع الجيش.
2ـ لاول مرة ايضاً يتم اسقاط العديد من الخلايا الارهابية في عملية واحدة، ان من حيث عدد الذين فجروا انفسهم خلال العملية، وان من حيث عدد الذين جرى توقيفهم من بين حوالى 400 مشتبه بهم.
3ـ اظهرت العمليات ان التنظيمات الارهابية من «داعش» الى «جبهة النصرة» تعمل لتنشيط الخلايا الارهابية النائمة، كلما ازدادت الضربات العسكرية لهذه التنظيمات داخل سوريا والعراق، وهو الامر الذي اكد عليه رئىس الجمهورية العماد ميشال عون خلال زيارته لمقر قيادة قوى الامن الداخلي، يوم الجمعة الماضي، وبالتالي تشير الى مدى الاهمية لمثل هذه العمليات، وفي الوقت ذاته ضرورة حصول اوسع استنفار امني بتغطية سياسية لشلّ هذه الخلايا، ومحاولاتها المتجددة لضرب الاستقرار الداخلي.
ورغم ذلك، فان السؤال الاكثر اهمية يتمركز حول نقطتين اساسيتين اعيدا الى الواجهة بعد الذي تكشفت عنه العملية الاستباقية للجيش، وهي مخاطر ابقاء الفوضى في عملية النزوح السوري وصولا الى العمل لاستنفاد كل الوسائل التي تمكن من وضع خطة لاعادة النازحين الى بلدهم، والثانية مخاطر استمرار احتلال تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» لجرود عرسال ورأس بعلبك وجوارهما.
بداية، يقول المصدر الامني المذكور ان الجيش يقوم بالدور المطلوب منه في حماية الامن عبر العمليات الاستباقية التي ينفذها ومن خلال المداهمات المستمرة لعشرات مخيمات النزوح السوري، حتى لا يتم استغلال المدنيين لتنفيذ عمليات ارهابية والامر كذلك بما يتعلق بمحاصرة الارهابيين في جرود عرسال ورأس بعلبك ومنعهم من التمدد باتجاه المناطق اللبنانية، ويضيف، انه بالنسبة لعودة النازحين فالامر منوط بالسلطة السياسية المتمثلة بالحكومة واما بخصوص انهاء تواجد المسلحين في الجرود فهو ايضاً ينتظر القرار السياسي من الحكومة.
وفي موازاة ذلك، يقول مصدر سياسي بارز في قوى 8 آذار انه لم يعد ممكنا ان تستمر الحكومة وبعض القوى السياسية «طمر الرؤوس في الرمال»، سواء ما يتعلق بالنزوح السوري او ما يتعلق بتحرير الجرود من الارهابيين، خصوصاً ان كل المعطيات الميدانية والسياسية بدأت تتغير بشكل كبير بما له علاقة بالساحة السورية.
فعلى مستوى النازحين السوريين يقول المصدر ان الحكومة مطالبة باللجوء الى كل الاطر السياسية والديبلوماسية لاطلاق خطة تعيد النازحين الى ديارهم، وهذه الخطة، لها ممرين وحيدين:
ـ الممر الاول: عبر الامم المتحدة بحيث يعمد المجتمع الدولي الى وضع هذه الخطة بالتنسيق مع الدولة السورية، لكن التجربة اثبتت ان انتظار الامم المتحدة لحل هذه المعضلة، هو نوع من الاوهام، في وقت لا يحصل لبنان سوى على جزء بسيط من المساعدات التموينية للنازحين.
ـ الممر الثاني: ويكون عبر تخلي البعض في الحكومة عن احقاده ضد سوريا وحكومتها، بحيث يقتنع هؤلاء بان مصلحة لبنان قبل اي طرف آخر تقتضي التنسيق مع سوريا لاعادة النازحين، وعدم الانصياع لما تريده واشنطن او النظام السعودي. وغير ذلك، فان لبنان سيدفع المزيد من الاثمان جراء استمرار اكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري في لبنان، ان على المستوى الاقتصادي والمالي، وان من حيث استغلال الجماعات الارهابية للنازحين واستخدامهم في سبيل ضرب الاستقرار اللبناني.
اما بما خص انهاء تواجد الارهابيين في الجرود، فالمسألة ايضاً باتت تحتاج الى قرار سياسي من الحكومة لانهاء هذا الاحتلال، خصوصاً في ظل ما يحصل في الميدان السوري والعراق لانهاء الارهاب بدءا من دويلة تنظيم «داعش» التي سقطت في الموصل وانحصرت بشكل كبير في سوريا، وهو الأمر الذي يفترض من الدولة حسم الامور في الجرود منعاً لاستخدامها لتعريض الامن اللبناني لمخاطر كبيرة ومن اجل استعادة هذه الجرود الى السيادة اللبنانية