واجه النائب وليد جنبلاط منذ استلامه دفة القيادة في الطائفة الدرزية بعد استشهاد والده كمال جنبلاط عام 1977 ما لم يواجهه اي زعيم درزي منذ نزول هذه العشيرة العربية الاسلامية، على الثغور اللبنانية دفاعاً عن عروبة البلد في وجه الهجمات الصليبية منذ ايام ابو جعفر المنصور العباسي وحتى اليوم على حدّ قول مصادر درزية، وواجه الدروز نكبات كبيرة عبر التاريخ بسبب معتقداتهم الدينية، وبسبب تواجدهم في مناطق استراتيجية في لبنان وسوريا وفلسطين، وجراء هذه النكبات، تم تشتيت شمل الاخوة بين لبنان وفلسطين والاردن وسوريا، ولذلك العائلات من فرع واحد ونادراً ما ترى عائلة درزية لبنانية الا ولها فروع في بلاد الشام.
لكن التاريخ يشهد لوليد جنبلاط وبعكس كل القيادات الدرزية وحتى ربما لوالده واجداده، وكل الزعامات الدرزية انه نجح في حماية الدروز وتحصينهم بحنكته السياسية الاستثنائية وعنوانها «التمسك بالثوابت العربية والاسلامية واللعب بالتفاصيل كيفما تشاء».
تقول هذه المصادر الدرزية: لقد نجح وليد جنبلاط وبعد استشهاد والده مباشرة عام 1977 بتحسين العلاقة بينهم وبين سوريا، وفتح «دفرسواراً» في العلاقة وتخطى الامور الشخصية، لان مصلحة الدروز تقضي ذلك، وحالف حافظ الاسد ولم يخسر ابو عمار وواشنطن، وبقي رمزاً للاشتراكية الدولية، وصاحب شعار «القرار المستقل» عندما تسمح له المناورة بذلك. وتجاوز الدروز الخطر وان كانوا لم ينسوا لسوريا ما فعلته بهم، ولكن التستر بالمألوف يقضي بتجاوز المخاطر للمصلحة الدرزية العامة. لكن احوال السوريين وجنبلاط بقيت «سمن وعسل» وارتاح الدروز لكن التستر بالمألوف، انكشف بعد خروج السوريين من لبنان.
اما المحطة الثانية والاخطر في تاريخ الدروز تضيف المصادر، كانت عام 1982 مع دخول القوات الاسرائيلية الجبل ومعها القوات اللبنانية، وايقن الجميع في لبنان ان المعادلة الدرزية انتهت وان الدروز انتهى دورهم ووجودهم وان ابواب حوران فتحت لهم لاستقبالهم والالتحاق باخوانهم هناك. وعمت حالة من الاحباط القرى الدرزية، رغم انتفاضة اهالي الغرب الساحلي ضد الاسرائيليين والقوات اللبنانية التي حماها جنبلاط من الايدي الاسرائيلية، وطورها وحولها الى جسر وطني شكل البداية لنجاح المشروع الوطني العربي واسقاط 17 أيار، حيث دفع الدروز الكثير من خيرة شبابهم وارزاقهم، لكنهم تجاوزوا المرحلة «بحنكة» جنبلاط الاستثنائية وشكلوا محطة للوطنيين للانتقال الى بيروت والجنوب وتشكيل البدايات لدحر الاسرائيلي من كل لبنان. وهكذا يجب ان ينظر الى دور الدروز في تلك المرحلة، وليس من ابواب اخرى ضيقة.
وتضيف المصادر الدرزية، ان الدروز تعرضوا في العام 1982 لشتى «الدعايات» والتخوين، بعد الدخول الاسرائيلي الى الجبل ولكن جنبلاط قلب الصورة كلياً بنزوله من المختارة الى بيروت حاملاً السلاح الى جانب المقاومين الفلسطينيين، وفاتحاً خطوط التواصل مع القوى الوطنية والرئيس الراحل حافظ الاسد والاتحاد السوفياتي بقيادة اندربوف، وهذا لا يعني قطع العلاقات مع واشنطن وفرنسا والسعودية وكل الدول الاخرى، واستطاع جنبلاط قيادة المشروع الوطني. وشهد الدروز في تلك الفترة، اعظم انتصار في التاريخ لم يتحقق في اي مرحلة بتاريخهم، بعد ان كانت الصورة عام 1982 مأساوية فاستطاع ان يحولها الى صورة مشرقة وعادت صورة الدورز «النقية» بانهم ابناء العروبة الاصليون، بعد ان لصقت بحقهم مع بدء الاجتياح كل «الموبقات» من عمالة وغيرها، وبالتالي جنب جنبلاط الدروز مرحلة هي الاخطر في تاريخهم وقادهم الى الانتصار الذي ما زال يستثمر نتائجه حتى الان.
وبعدها وحسب المصادر الدرزية، فان قيادة جنبلاط جنبت الدروز ايضا عام 1987 دفع اكلاف الخلاف الفلسطيني – السوري، كما استطاع «البك» مع اتفاق الطائف ان يعيد للدروز ما خسروه سياسياً وانتهت مقولة «الدروز يخسرون في السلم ويربحون في الحرب»، واصبح الدروز في قلب المعادلة السياسية ولهم حق «الفيتو» في كل القرارات، والقوة الرابعة في البلاد رغم حجمهم الصغير. وهناك من يقول انهم باتوا القوة الاولى، واستعادوا كل مراكزهم في الدولة بعكس ما يتحدث البعض، وباتت حصتهم «محفوظة»، في كل القرارات، نتيجة سياسة جنبلاط المتينة مع النظام السوري وعمله على حماية هذا الدور بغطاء عربي ودولي. ولذلك ربح جنبلاط صداقة الشهيد رفيق الحريري والرئيس الراحل حافظ الاسد، وبقي على علاقاته مع الفلسطينيين والعرب والاوروبيين وواشنطن وروسيا ولم يخسر صداقة احد.
وبعدها وفي العام 2005 واجه الدروز مرحلة صعبة بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري ودخل جنبلاط بالمواجهة الى اقصى الحدود وتحول الى «متراس» متقدم في الدفاع عن مشروع 14 اذار، ولاول مرة انحاز جنبلاط الى فريق سياسي في لبنان على حساب فريق آخر، وربما ذلك مرتبط بحجم كارثة استشهاد رفيق الحريري.
وحصلت خلافات في القرى الجبلية بشكل عنيف، وعادت بذور اليزبكية الجنبلاطية، وبدأ الناس في الجبل وتحديداً المشايخ يشعرون بالقلق، وتنبه جنبلاط الى خطورة الوضع وخفف المشاكل معتمداً على المشايخ وهذا بدأ قبل 7 أيار بسنة وعندما شعر جنبلاط «بانقلابات» عشية 7 أيار، لم يتوانَ مطلقا تقول المصادر، عن ترتيب الامور مع حزب الله وتجاوز الجبل «وضعاً صعبا» وتحدى جنبلاط وقسم كبير من الطائفة الدرزية التطرف، وتحمل الكثير من المقربين والحلفاء في تلك المرحلة لكنه نجح في تمكين الدروز من تجاوز مرحلة خطرة في تاريخهم وقلب الصورة، وفتح قنوات التواصل مجدداً مع دمشق وارتاح الجبل وارتاح الدروز وخرجوا من تلك الحقبة دون اي خسائر، وجاء الدوحة ليحرم الاخرين دون اي «مس» بحقوق الدروز وحصصهم جراء سياسة جنبلاط، ولا شك بان «حكمة» الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والدور التاريخي للرئيس نبيه بري اديا الى تجاوز تلك المرحلة، ونجح جنبلاط في ان يصبح بيضة القبان في حكومات السنيورة والحريري وميقاتي.
ونصل الآن الى بيت القصيد حسب مصادر درزية مع السؤال هل ينجح وليد جنبلاط في تجاوز هذه المرحلة الخطرة والوصول بالدروز الى شاطئ بر الامان كما نجح سابقاً رغم ان التشابكات الدولية والاقليمية اخطر حالياً من العام 1982 و77 كون الموقع الجغرافي الحساس للتواجد الدرزي في جبل العرب امتداداً الى حاصبيا وشبعا والقنيطرة وجبل الشيخ يضعهم في «بوز المدفع».
الدروز بكل فئاتهم «رموا» اوراقهم، وبيضهم، وحياتهم وممتلكاتهم وارزاقهم ووجودهم عند جنبلاط كما تقول المصادر الدرزية، وينظرون اليه بانه المنقذ والدروز لا تهمهم «تكتيكات» جنبلاط وتصريحاته لان المهم عندهم النتائج، والنتائج عند المشايخ حماية الدروز ولا شك بان جنبلاط يتحمل «اثقالاً» كبيرة ومسؤولية عندما يخاطبه احد المشايخ الكبار بالقول «الله بعتك لحماية الطائفة ونصرتها ونحنا مسلمينك الامانة».
ولذلك تقول المصادر الدرزية ان جنبلاط يعمل حالياً كما عمل عام 1982 والعنوان «عدم الدق بالثوابت الدرزية الكبيرة»، ولكن في «التكتيك» والتفاعل، قد يلعب الى حدود هو من يقررها، وكل ذلك من اجل حماية الدروز وتجنب المعركة قدرالامكان، خصوصاً ان جنبلاط يدرك ان الدروز يقعون الآن بين كماشة «النصرة» والنظام السوري، واسرائيل وهي العدو الاكبر وممارساتها لا تطمئن، وعليه ان يكون «المنقذ» وسط اجماع درزي شامل بانه سينجح، وسيتجاوز هذه المرحلة بأقل الخسائر وسيحافظ على هوية الدروز العربية والاسلامية، ولن يكون الدروز «حرس حدود» لاسرائيل، مهما حاولت حاليا ان توهمهم في جبل الشيخ وعرنة، وحضر «انها الوحيدة القادرة على حمايتهم، وان طائراتها منعت النصرة من دخول القرى الدرزية ورسمت خطوطاً حمراء لهم. وهناك من يقول ان النصرة تفهمت «الرسالة».
على جنبلاط ان يتجاوز كل هذه الالغام الكبيرة بحسب المصادر، حيث كل لغم مرتبط «بشبكة الغام» وبحاجة الى شخص استثنائي ليفككها وجنبلاط من هؤلاء الاستثنائيين، ولذلك تقول المصادر «يجب ان ينظر الى جنبلاط حاليا من البوابة الاستراتيجية.. وليس من التفاصيل لكنه لن يبدل من ثوابته مهما تعددت القابه من القائد الى الرائد الى الوليد، الى المناور والمشكك وكل ذلك من تعابير».
لكن الدروز سيكتشفون عاجلاً ام آجلاً وحسب هذه المصادر، ان ما امنه الرئيس الراحل حافظ الاسد لدروز سوريا ولبنان لن يؤمنه اي زعيم آخر». وهذا ما يدركه الدروز حالياً عندما ينظرون الى ما يجري في المنطقة استراتيجياً وليس من بوابة التفاصيل الداخلية.
هكذا ينظر جنبلاط الى الامور حالياً حسب المصادر الدرزية، وعلى الذين ينتقدون جنبلاط كثيراً عليهم ان يطرحوا على انفسهم السؤال التالي «ماذا يفعل جنبلاط امام طائفة تعتبره المنقذ والقادر على حمايتها، وان وجودها معلق برقبته الآن»، في منطقة تعيش الاقليات خطر الفناء، هكذا يجب ان ينظر الى وليد جنبلاط حالياً هذه الايام، لان مسؤوليته تتجاوز مسؤوليات الاخرين وعنعناتهم على حصة من هنا ومن هناك.
تعميم المركزي يخفض سعر صرف الدولار؟
بعد أن اصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً يلزم المصارف بالحصول على موافقة مسبقة منه قبل فتح اعتمادات او دفع فواتير...