تشبه عاشوراء هذا العام الاعوام السابقة بالنسبة الى الطائفة الشيعية عموما و”حزب الله” خصوصا، إذ إن الحذر والترقب داخل المناطق الشيعية هما سيدا الموقف، وتحديدا على الصعيد الامني، في ظل الحرب التي يخوضها ميليشيا (حزب الله) في سورية، تحت مسميات عدة، بدأت بالدفاع عن المقامات الدينية ثم تبدلت الى الدفاع عن الحدود لترسو اخيرا عند الدفاع عن نظام بشار الاسد والمصالح الايرانية.
هي من المرّات القليلة التي يعيش فيها “حزب الله” هذا الهاجس الأمني خلال احياء مراسم عاشوراء، ذلك عقب تبلغه معلومات امنية بالغة الخطورة من جهة اقليمية صديقة له تقول “إن اكثر من عشرين شخصا ينتمون الى (جبهة النصرة) وتنظيم (داعش) هم على اهبة الاستعداد لتنفيذ عمليات انتحارية عبر سيارات مفخخة داخل احياء الضاحية الجنوبية او من خلال احزمة ناسفة لتفجيرها داخل الحسينيات او المراكز التي يتم فيها احياء مراسم عاشوراء”.
حالة من القلق والخوف يعيشها (حزب الله) ومجتمعه من جراء انغماسه في حرب وراء الحدود اذ يكفي أن تتجول هذه الأيام داخل احياء وشوارع الضاحية الجنوبية حتّى يتبيّن لك مدى الخوف الذي يُسيطر على الجميع في هذه البقعة، فرحلة البحث عن الخوف في وجوه الناس تبدأ من منطقة (بئر العبد) مروراً بـ (صفير) وأطراف (حارة حريك) و(الرويس) باتجاه (حي الأميركان) مروراً بمحاذاة (مجمع القائم) وصولاً إلى حي (السُلّم)، و(الكفاءات) و(صحراء الشويفات).
ينتشر عناصر “حزب الله” بسلاحهم الكامل بين الأزقة والاحياء بكثافة، والبعض يتحدث عن معلومات تفيد بأن سيارات مفخخة يمكن ان يتم تفجيرها في الضاحية والبعض الاخر يرى ان الحزب يتعمد زرع الخوف في قلوب الاهالي ليفرض عليهم واقعه الامني والعسكري.
في الضاحية الجنوبية يفرض هاجس الموت والقتل نفسه على أبناء المنطقة. عناصر حزبية مسلحة. صُراخ متكرر عبر الاجهزة اللاسلكية. كلاب بوليسية تنتشر بين الازقة والاحياء. مشهد يوحي بأن الحرب قد بدأت فعلاً لكن العدو يبقى مجهولا حيث لا شكل له ولا ملامح حتى. المؤيدون للحزب يرون ان الاحتياط واجب وان ما يقوم به الحزب هو من باب حصر الاضرار لا منعها لأنهم يعلمون جيدا ان من يريد تفجير نفسه لا يمكن منعه بأي شكل من الاشكال ولا حتى رصده، وفي تعبير دقيق للحالة التي يعيشها ابناء هذه البقعة يقول احد ابناء منطقة صفير يُدعى (علي منصور): “من يدري قد يكون الانتحاري بيننا الان، يتجول في مناطقنا منتظرا ساعة الصفر ليفجر نفسه بين الجموع”.
مقابل ذلك، توجد فئة من الناس ليست بقليلةالعدد، غير راضية عن هذه الإستنفارات أو عمليات “التشبيح” كما تسميها، فبرأيها ان “حزب الله” ضرب وللسنة الثانية موعد لها ولعناصره ومؤيديه موعدا مع إذكاء نار الفتنة وإشعالها وبشرهم بقتل جماعي قد يستهدفهم في حال لم يتعاونوا معه أو لم يتخذوا الاحتياطات اللازمة التي من شأنها أن ترد عنهم يد الإجرام. وهناك أحد المواطنين الرافضين لهذه الإجراءات يقول ” لقد أراد الحزب شحذ الهمم والعصبيّات وإعادة مشهد (الامن الذاتي) الذي كان أوكله إلى القوى الأمنية اللبنانية إلى حين تهدأ نفوس الأهالي بعد الإرباك الواضح الذي تسبب به الحزب منذ أن اغرق نفسه وأغرقنا معه في المستنقع السوري”.
داخل المناطق ذات الأغلبية الشيعية في قلب بيروت ايضا، آراء لا تقل أهميةعن تلك التي يجري التدوال بها في الاوساط السيّاسية المعارضة لتدخل “حزب الله” في الحرب السورية، ومنها، أن “الحزب هو الذي جاء بالدب (التكفيري) إلى كرمه من خلال وقوفه في وجه الشعب السوري الطامح والساعي إلى تغيير نظامه وهو شريك اساسي لهذا النظام في حرب الإبادة التي يشنها بحق الاطفال والنساء”.
يقول صاحب احد البقاليات في منطقة البسطا: “لقد اصبح التعامل بيننا نحن اللبنانيين يجري على اساس مذهبي فلا السني يشتري من عند الشيعي ولا الاخير يشتري من عند السني وهذا كله سببه تدخل الحزب في سوريا، ولعل عودته الى لبنان تخفف من هذا الاحتقان الذي يزداد بحقنا نحن الشيعة”.
المخاوف باتت مؤكدة، وقد اصابت الشيعة في لبنان ، وقد يكون (حزب الله) هو من يقف وراءها ليقنع ابناء طائفته أنه الوحيد القادر على حمايتهم من العدو “التكفيري” وهي مخاوف لم يعهدها المجتمع الشيعي من قبل وتحديداً خلال مراحل سابقة وصفت بالزمن الجميل. وهنا يبرز كلام لأحد مخاتير الضاحية الجنوبية حيث قال: (كنّا نعيش اخوة هنا اسلام ومسيحيين، لا تهديات بالقتل ولا بتفجير سيارات. كانت لدينا مجموعة من العلماء تدعو الى الوحدة وتُبشر بنصر الامة جمعاء، اين اصبح زمن السيد موسى الصدر والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله؟ ومن الذي حوّلنا من شعب مقاوم إلى مجموعات وشيّع تنتظر الموت على الطرقات؟”.