كنت سهراناً عند أصدقاء لي في منطقة الجعيتاوي، تركت السهرة عند الساعة الحادية عشرة ليلاً. وأنا في طريق العودة إلى مرسمي في الدورة، وجدت أن حديقة الجعيتاوي لا تزال مفتوحة. دخلت إليها، جلست على أحد مقاعدها لأدخّن سيجارة، وإذ بمجموعة من ستة إلى سبعة شبان، أكبرهم عمره 22 عاماً، يقتربون مني ويطلبون أوراقي. إثنان منهم عرّفا عن نفسيهما أنهما أمن دولة. شككت في الموضوع وطلبت أن أرى أوراقهما. ثبّتوني عندها ونزلوا فيني بوكسات. كلما كنت أحاول النهوض، آكل ضربة. دام الضرب حوالي نصف ساعة. كنت أنزف. بعدها، خرج الشبان عندما سمعوا أن هناك مشكلاً ما خارج الحديقة. أعطوني أوراقي وتلفوني، وأمروني بمغاردة المنطقة فوراً”. هذا ما أخبره الفنان والشاعر السوري سمعان خوام وهو يعيش في لبنان منذ العام 1988.
حصل ذلك ليلة السبت 6 أيلول. ضُرب “بعنف شديد” كما قال، ومن دون أي سبب على يدّ شبّان اشتبهوا أنه “غريب عن المنطقة” حتى قبل معرفة هويته، وهم، بظلّ الفلتان الأمني وغياب الدولة، اعتبروا أن بإمكانهم فعل ما يشاؤون وفرض “أمنهم الذاتي”.
ليلة السبت أيضاً، خرج فنّان سوري آخر، فضّل عدم ذكر اسمه، من بيته في بيروت. أوقف “سرفيس”، كان فيه شخصان يجلسان في المقعد الخلفي والسائق. عندما سمع الأخير لهجته السورية، سأله عن اسمه، قال له إسماً أرمنياً. “من كان يجلس في خلفية السيارة مسكني من كنزتي وهزّني وقال لي: رح فلتك لأنك أرمني. روح انقلع على بيتك”. كان بحوزتهم، بحسب الشاب، أسلحة بيضاء.
“منذ 15 يوماً، صار معي حادثة سلمية، اقتصرت على السبّ والحكي. السبت، طلعلي شباب غضبانين. الحادثة كانت عنفية هالمرّة. حسّيت متل لمّا مسكتني دورية للمخابرات الجوّية بسوريا. أول ما طلعت من سيارة التاكسي، تذكرت اللحظة يللي طلعت فيها من المعتقل. هكذا احتفلت بمرور سنة على وجودي في لبنان“، قال الفنان الشاب.
ليلة الأحد في السابع من أيلول، انتشرت على صفحات التواصل الاجتماعي صور لمجموعات شبابية تعتدي بالضرب على لاجئين سوريين في مناطق مختلفة من بيروت، وتعليقات عليها حمّلت جزءاً من المسؤولية عما جرى ويجري ابعض السياسيين اللبنانيين ومحطات إعلامية وكتبة يافطات حظر التجوّل الذين حرّضوا ضدّ السوريين وأمّنوا حماية سياسية وطائفية للمعتدين.
من جسر المطار إلى الضاحية الجنوبية إلى فرن الشباك، صور لعشرات الشباب وهم يتجمّعون حول أشخاص ويبرحونهم ضرباً، فقط لأنهم سوريون.
“هذه ممارسات عنصرية مقيتة وبغيضة، تتناقض ليس فقط مع شرعة حقوق الإنسان، وإنما مع القوانين اللبنانية التي تجرّم هذه التعديات ضدّ أي إنسان، سواء كان مواطناً أو أجنبياً مُقيماً أو لاجئاً”، بحسب أمين سر “حركة التجدّد الديمقراطي” أنطوان حداد.
كما أن أخبار إمهال بلديات في الجنوب اللاجئين السوريين 48 ساعة لإخلاء خيمهم، والتحريض عليهم في البقاع وتهجيرهم من أماكن لجوئهم، تتالت في الأيام الأخيرة.
“في العام 2005، بعد انسحاب القوات السورية من لبنان، تمّ تفريغ الغضب في العمال السوريين على اعتبارهم مخابرات. حين لجأ السوريون بعد اندلاع الحرب في سوريا إلى لبنان، أصبحوا مسؤولين بنظر بعض السياسيين ووسائل إعلامية لبنانية عن كل الجرائم والمشاكل التي تحصل في البلد. عندما خُطف الزوار اللبنانيون في سوريا (منذ أكثر من عام) تمّ الاعتداء على السوريين في لبنان. وبعد الجريمة التي نُفّذت بحقّ عباس مدلج (العسكري اللبناني الذي خطفته “داعش” أثناء أحداث عرسال الشهر الماضي)، اعتُدي عليهم أيضاً. في الوقت الذي يجب تحميل المسؤولية الأولى للنظام السوري و”حزب الله” اللذين هجّراهم من بيوتهم ومدنهم وبلداتهم”، بحسب رزان، ناشطة في الحملات المدنية التي تُنظّم دعماً للسوريين في لبنان.
ما يحدث أخيراً مرتبط، بحسب أنطوان حدّاد “بإطار سياسي عريض هو محاولة توريط لبنان في الحرب التي يقودها حزب الله في سوريا ضدّ الشعب السوري وإلى جانب النظام، وتعبئة شرائح لبنانية عديدة واستثارة حساسيات طائفية عالية ضدّ اللاجئين السوريين. وبالرغم من وجود بعض الممارسات المعزولة العفوية نتيجة التعبئة التي ذكرناها، إلّا أن معظم هذه الممارسات تتم بإطار منظّم وترعاها قوى سياسية نافذة. وقد غذّت الأحداث المؤلمة التي حصلت في عرسال هذا الأمر، وغذّاه أيضاً الخطأ الشديد البشاعة الذي ارتكبته بعض الفصائل المقاتلة في سوريا بخطف عسكريّين لبنانيين”.
هناك اتجاهان في الحكومة اللبنانية، أضاف حدّاد، “الأول يدعو إلى العقلنة والهدوء والتفاوض وصولاً إلى إطلاق بعض السجناء في سجن رومية إذا استدعى الأمر مقابل تحرير العسكريّين، والثاني يريد إشعال النار تحت الأزمة وإبقاء العسكريّين محتجزين ومعرّضين للذبح من أجل استخدام هذه الوقائع لتعبئة طائفية ومذهبية في لبنان“.
وبالعودة الى الاعتداءات على اللاجئين والعمّال السوريين في لبنان، يختم أنطوان حدّاد بالقول: “مواجهة هذا الأمر تبدأ بخوض معركة إعلامية مضادة، تُدين هذه الإعتداءات، وتُسائل السلطات العامة عن سبب سكوتها في أماكن عديدة عن هذه الممارسات وعدم تدخلها في الوقت المناسب، وعدم قيامها بردّ فعّال يضع حداً لها. مساءلتها أيضاً عن ترك الشارع لعصابات منظّمة تنتمي لأحزاب سياسية من دون أن تحرّك ساكناً”.