يعيش لبنان أجواء داخلية قلقة جرّاء الإعتداءات المتواصلة على عناصر من الجيش اللبناني، ووسط ما يُحكى عن انشقاقات تُسجّل في صفوفه.. ويقول مصدر سياسي في هذا السياق إنّه لا يجب الخوف على الجيش والقوى الأمنية نظراً لما يقدّمه رجالها من تضحيات، حتى وإن استشهد البعض على الطرقات، عن طريق الغدر، على غرار ما حصل مع الجندي الشهيد جمال الهاشم. فالجيش وُجد لحماية الوطن ليس فقط في المعارك والحروب، وإنّما أيضاً في محاولات تفكيكه أو النيل من جنوده عن طريق الإعتداء عليهم خارج ساحات المعركة.
ويطمئن بأنّه لا خوف على الجيش اللبناني القوي من الإنشقاق الذي يحاول البعض من المغرضين الترويج له، لإشاعة أجواء خلافات وانقسامات داخل المؤسسة العسكرية، أو الإيحاء بأنّ عناصر الجيش من الممكن التخلّي عن الولاء لوطنها للحاق بمجموعات إرهابية مسلّحة تريد القضاء ليس فقط على لبنان، بل على الأوطان العربية في المنطقة ككلّ، من أجل بناء دولتها الإسلامية المتطرّفة. أمّا الحالات التي حصلت فهي فردية، وتقوم الأجهزة المعنية بالتحقيقات في هذا الصدد، لمعرفة ماهيتها وأهدافها ومن يقف وراءها. ولا بدّ لها بعد ذلك من ملاحقة كلّ المتورّطين في أعمال سيئة من هذا النوع، تهدف الى «فكفكة» المؤسسات الأمنية وزعزعة وحدتها وقوّتها.
وبالتالي، فإنّ أهل السنّة الفعليين براء من المسلّحين السنّة التكفيريين، على ما يضيف المصدر، الذين يغرون ذوي النفوس الضعيفة بالأموال، وهم يرفضون أن يُشكّلوا بيئة حاضنة لهم في طرابلس وعكّار، على سبيل المثال، لأنّهم يعلمون تماماً أنّهم أنفسهم لن يسلموا من إرهابهم، ولأنّ الشمال ككلّ هو أولاً وأخيراً بيئة حاضنة للجيش اللبناني ولا أحد سواه. كما أنّه لا مجال لأن يترك الجيش اللبناني أي منطقة تُشكّل بيئة حاضنة للإرهاب في حال سبيلها، وخير دليل هو بلدة عرسال التي اعتقد البعض فيها أنّه سيعيش في النعيم، جرّاء السماح للمسلّحين بالدخول اليها، لكنّ نهايته كانت بملاحقة القضاء له نظراً للأفعال المغرضة التي ارتكبها بحقّ الوطن وجيشه وشعبه.
من هنا، على الجميع أن يبقى متيقّظاً، على غرار ما تقوم به القوى الأمنية في المناطق كافة، بهدف كشف كلّ الخلايا النائمة، والشبكات الإرهابية التي تسرّبت الى لبنان بين النازحين السوريين ومساعدة أجهزة المخابرات في هذا المجال. فقد تبيّن بحسب الإحصاءات الأخيرة، على ما أكّد مدير عام شركة «ستاتيكس ليبانون» ربيع الهبر في مقابلة تلفزيونية أنّ آخر الإحصاءات المقدّمة من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين تشير الى أنّ هناك ما يُقارب المليون ونصف مليون نازح سوري في لبنان (1562400)، وقد أظهرت الأرقام أنّ المناطق المتاخمة للحدود السورية تأوي العدد الأكبر منهم. ويمكن وصف العديد من المناطق الأخرى في البقاع والشمال كمناطق استقبال يستقرّون فيها لفترة، مثل منطقة البقاع الأوسط أي في شتورا وبرّ الياس وقبّ الياس، والبقاع الغربي لينتقلوا بعدها الى الداخل اللبناني. وقال إنّهم يتجمّعون بأعداد كبيرة في كلّ من بعلبك، أكروم، عرسال، إقليم الخروب، طرابلس، صور، وبرج حمّود وسواها، حيث تفوق أعداد النازحين السوريين فيها، أعداد سكّانها الأصليين، وهنا تكمن الخطورة.
كما أنّ 40 في المئة من مجمل النازحين السوريين في لبنان، والذين يُشكّلون ما نسبته 35.63% من عدد سكّان لبنان، لم يسمعوا طلقة رصاص ولم يشاهدوا مسلّحاً واحداً في المناطق التي نزحوا منها، على ما أضاف، وأنّ بإمكان أي نازح سوري بالتالي أن يقصد أي منطقة يريدها في لبنان بمجرّد وصوله الى الحدود اللبنانية من دون حسيب أو رقيب، فضلاً عن أنّ غالبية النازحين لا يملكون أوراقا ثبوتية، (الأمر الذي يمنعهم من الدخول مجدّداً الى الأراضي السورية). في حين نزح الى كلّ من تركيا 33.24%، والى الأردن 19.32%، و6.72 % الى العراق، و4.37% الى مصر، ومن ثمّ شمال أفريقيا بنسبة 0.73%.
كذلك، فإنّ المخيمات العشوائية التي تأوي النازحين السوريين اليوم، بحسب إحصاءات وزارة الشؤون الإجتماعية، يبلغ عددها 1400 مخيم، وتأوي نحو 18% من مجمل النازحين. وهذه المخيمات، بحسب المصدر، من الممكن أن تُصبح بؤراً أمنية في حال استقرّ النازحون فيها لفترة طويلة، وعملوا على تحسين ظروف العيش فيها.
وأمام هذه الأرقام المخيفة ومحاولات الدولة الخجولة لحلّ أزمة النازحين الماضية في التفاقم، والتي يُرجّح المصدر نفسه أن تستمر لسنوات، وتقضي على الإقتصاد اللبناني كما على الديموغرافيا فيه، لا بدّ من تشديد المراقبة اللبنانية على المخيمات غير العشوائية من جهة لمنع تحوّلها الى مأوى للإرهابيين، وهذا ما تقوم به القوى الأمنية حالياً، وتكثيف الضربات الجوية على الإرهابيين الذين يتغلغلون في العراق وسوريا، من جهة ثانية، بهدف وضع حدّ لكلّ المخططات والممارسات الإجرامية التي تفوق تصوّر أي عقل بشري، والتي يقومون فيها في لبنان ودول المنطقة.
ونظراً لخطورة استمرار هذه المجموعات في إرهابها، حضّ مجلس الأمن الدولي أخيراً على تعزيز وتوسيع حملة القصف في العراق ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) والجماعات المتطرّفة المرتبطة به، مؤكّداً على «ضرورة إنهاء حالة عدم التسامح والعنف والكراهية التي ينتهجها هذا التنظيم، ومكافحتها الأخطار المتمثّلة به بالوسائل كافة».
فاستمرار الحال على ما هو عليه في لبنان والمنطقة لا يُبشّر بالخير، على ما يرى المصدر، ولهذا على التحالف الدولي التحرّك بجدية، للتمكّن بعد ذلك من حلحلة أزمة النازحين السوريين في لبنان، وإعادتهم الى بلادهم.
دوللي بشعلاني