يجري التحضير داخليا، وبتسارع ملفت، لترتيب أوضاع القصر بعد الملك عبدالله لصالح ابنه الأمير متعب، بتدبير من رئيس الديوان الملكي خالد التويجري، وذلك بالنظر إلى تدهور صحة الملك وضعف القدرات العقلية لولي عهده.
وهذا ما أشار إليه الأمير خالد بن طلال، الذي غرّد عبر “تويتر” في وقت سابق الخميس: “قبل زيارة أوباما… يقوم المرشد الأعلى للديوان… باتصالات مكثفة داخل وخارج السعودية…! ويتنقل ما بين دول عربية وأوروبية…! لتوثيق موافقات على أمر… ما… يراد له أن يكون…!! من أجل تثبيت ما يضمن به ومن معه…! مصالحهم الشخصية ومستقبلهم السياسي…! … والتفاصيل المخزية لاحقاً إن شاء الله”.
ففي خطوة مفاجئة في توقيتها، وإن كانت متوقعة في سياق التنافس المحموم بين أقطاب الأجنحة المتصارعة، عشية زيارة باراك أوباما إلى الرياض، استحدث الملك عبدالله منصبا جديدا أدخل تعديلات على بنية القيادة السعودية، حيث أعلن الديوان الملكي السعودي “مبايعة الأمير مقرن ولياً لولي العهد أو ملكاً في حال خلوّ منصبي الملك ووليّ العهد في وقت واحد”. وإن كان البعض يربط القرار بصحة الملك المتدهورة أكثر من أي اعتبار آخر.
وشدد الديوان الملكي في بيان، على أن هذا القرار “لا يجوز بأي حال من الأحوال تعديله، أو تبديله، بأي صورة كانت من أي شخص كائناً من كان، أو تسبيب، أو تأويل لما جاء في الوثيقة الموقعة منا ومن أخينا سموّ وليّ العهد رقم 19155 وتاريخ 19/5/1435 هـ وما جاء في محضر هيئة البيعة رقم 1/هـ ب وتاريخ 26/5/1435 هـ المؤيد لاختيارنا واختيار سموّ وليّ العهد لصاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز بأغلبية كبيرة تجاوزت ثلاثة أرباع عدد أعضاء هيئة البيعة”.
والأمير مقرن، هو أصغر أبناء الملك عبد العزيز، مؤسس المملكة، ولد سنة 1945، وتولى عدّة مناصب؛ منها إمارة منطقة حائل في الفترة ما بين 1980 ــ 1999، ثمّ عيّن أميراً لمنطقة المدينة المنورة، وفي تشرين الأول 2005 عيّن رئيساً للاستخبارات العامة حتى تموز 2012، عندما تولى بندر بن سلطان المنصب، فيما عيّن الملك عبد الله أخاه غير الشقيق والمقرّب منه (مقرن) مستشاراً له ومبعوثاً خاصاً.
وفي فبراير 2013، عيّن الملك أخاه مقرن نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، ما جعله مرشحاً ثابتاً في خط وراثة العرش.
ولا يُعرف شيء عن حقيقة الموافقة الأخيرة، فضلا عن الأغلبية التي أوردها البيان، وهو ما شككت به مصادر متابعة، بالنظر إلى أن الخطوة كانت مفاجئة ولم تُطبخ على نار هادئة ولم تمر في سلسلة مشاورات موسعة. وإن رأى البعض أن القرار لم يكن مفاجئا، لكن توقيته وما أُضيف إليه يتضمن دلالات هامة.
“إنه الحسم السريع والمباغت”، كما وصف أحد المراقبين أجواء القصر، وإن خالف الأعراف المعمول بها في السعودية عند تعيين النائب الثاني، حيث اخترع الديوان الملكي منصبا جديدا هو “ولي ولي العهد”، مع إبقاء منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وهو ما يعكس الخلاف داخل العائلة المالكة، حول منصب ولي العهد، بعد تولي الأمير سلمان العرش، رغم أن هذا المنصب من اختصاص هيئة البيعة التي أنشأها الملك عام 2005.
وكانت تقارير أمريكية تحدثت منذ مدة، عن ترجيح إدارة أوباما لكفة وزير الداخلية محمد بن نايف، في الصراع المستعر بين الأجنحة المتصارعة على العرش، وعلى وجه الخصوص بين جناح الملك عبد الله والجناح السديري ممثلاً بالأمير سلمان ولي العهد ووزير الدفاع، وجناح أبناء الأمير نايف، ممثلاً بمحمد بن نايف، الأوفر حظاً لدى الأميركيين.
وقد سبق القرار السريع والخاطف الذي حازه مقرن، الخميس، تحويل مؤسسة الحرس الوطني إلى وزارة، وتعيين الأمير متعب بن عبد الله، نجل الملك، وزيرا، مما يشوش على العرف السائد تقليديا، القاضي بأن يصبح وزير الداخلية الأكثر ترجيحا لتولي منصب النائب الثاني، وبالتالي ضمان فرصته في الوصول إلى العرش، وصار هناك الآن أكثر من وزارة سيادية تشق طريقها الملغَم نحو منصب الملك.
ويرى محللون أن صدور القرار عشية زيارة باراك أوباما، قد يقطع الطريق على أي نقاشات حول ترتيبات جرت بين محمد بن نايف والمسؤولين الأميركيين خلال زيارته لواشنطن في الفترة ما بين 11 ـ 13 فبراير الماضي، بخصوص دعم واشنطن له كمرشح راجح في خطة صعود الجيل الثاني لتولي الحكم.
ويرى هؤلاء ايضا أن العلاقة الوثيقة التي تربط الأمير مقرن بالملك عبد الله، إلى جانب طبيعة شخصيته، تجعل الأول ضامنا لفرصة الأمير متعب الوصول إلى العرش، إذ أن منع الإعلان عن إجراء أي تعديل على الاختيار الجديد يجعل ولي العهد سلمان وهيئة البيعة ملزمين بالقرار.
وأيا ما كان، فقد حسم الاختيار الجدل حول من سيخلف الأمير سلمان، في ظل شكوك حول فرصة الأمير مقرن في ولاية العهد، كونه لا يملك تأثيرا ولا وزنا داخل العائلة ولا قوة عسكرية على الأرض.
ومع ذلك، قد يصبح الأمير مقرن ملكا حال خلو المنصبين معا، وقد لا يكون الموت وحده سببا لخلوهما، فخيار التنازل بالتوافق لا يزال سببا راجحا، كما يرى متابعون، ما يفتح الطريق أمام مقرن لتولي العرش، وحينها يكون متعب بن عبد الله ومحمد بن نايف قادرين على حجز مقعد في المركب الموصل إلى العرش بالتناوب.