بسرعة البرق ورد هذا النبأ من المانيا: اجهزة الاستخبارات الاميركية دقت جرس الانذار، اذ باستطاعة الايرانيين ان يصنعوا القنبلة خلال ثلاثة اشهر كحد ادنى وخلال عام كحد اقصى…
الباحث المستقبلي الاميركي الفن توفلر، وقد اكتشفنا اخيرا انه لا يزال على قيد الحياة، لم يستبعد ان يمتلك الايرانيون القنبلة في غضون ثلاثة ايام لان لديهم كل التقنيات وكل المواد وكل الادمغة وكل الايدي ليقولوا للعالم: ايها السادة…هذه هي قنبلتنا!
في هذه الحال، اي مشهد استراتيجي، او جيوستراتيجي، في الشرق الاوسط؟
نستعيد ما كُتب اسرائيلياً واميركياً واوروبياً على مدى الاشهر المنصرمة من هذا العام. كل تلك التعبئة السياسية والاعلامية ضد باراك اوباما لانه لم يؤمن التغطية، بما في ذلك التغطية النووية، لبنيامين نتنياهو من اجل شن سلسلة من الغارات على المنشآت النووية الايرانية، ولو اقتضى الامر تدمير مقر آية الله علي خامينئي و الرئيس حسن روحاني. والمثير هنا ان بنك الاهداف الاسرائيلي لحظ مدينة قم باعتبارها المدينة التي احترفت انتاج رجال الدين المتشددين…
ليس دقيقا تعبير «تأمين التغطية»، اذ ان تقريرا لشعبة الاستخبارات في هيئة الاركان الاسرائيلية صدر منذ نحو عام ونصف شدد على ضرورة ان تقصف قاذفات او صواريخ اميركية محطات الرادار الايرانية المتطورة، والتي يفترض ان تكون قد ازدادت تطورا، لان المعلومات التي بحوزة الشعبة إياها اشارت الى ان اي غارة للطائرات الاسرائيلية قد تأتي بنتائج مأسوية او حتى كاريكاتورية اذ باستطاعة الصواريخ الايرانية ان تبعثر الطائرات المغيرة وربما ان تشلها او ان تحطم معظمها وهي في الجو وقبل تحقيق اهدافها…
وبحسب ما نشر من تقارير او ما ذكرته مصادر ديبلوماسية اوروبية في حينه، فإن الصور التي التقطتها الاقمار الصناعية الاميركية لمحطات الرادار الايرانية لم تكن كافية. وآنذاك اتهمت تل ابيب واشنطن بأنها زودتها بمعلومات مجتزأة ومحيرة في آن، والى حد مطالبة وزارة الدفاع الاسرائيلية البنتاغون بتزويدها بالصور كاملة لان المعلومات الدقيقة في مثل هذه الحالة، وهي تشمل المنشآت النووية بطبيعة الحال، تؤمن نجاح نصف العملية. النصف الاخر تتكفل به القنابل..
لكن مئير داغان ومعه ادمغة استخباراتية اخرى كانوا وما زالوا على قناعاتهم بأن ايران «شيء آخر»، وبأن المعادلة ينبغي ان تكون «اميركا ووراءها اسرائيل» لا معادلة «اسرائيل ووراءها اميركا»، بعدما اعتاد الجنرالات على الغارات الكلاسيكية السهلة، وانطلاقا مما حدث في حرب الايام الستة في حزيران 1967..
الاميركيون قالوا «لا». حدث هذا منذ عامين. الآن يقولون «الف لا»، اذ ليس باستطاعة اسرائيل القيام بأي غارة نظيفة، كما حدث ضد المجمع النووي العراقي في 7 حزيران 1981، فالايرانيون نشروا طائرات الاستطلاع في كل مناطق البلاد، وعلى مدار الساعة، كما ان اجهزة الرادار لديهم شديدة الحساسية وهي تغطي ما وراء الحدود و لمئات الكيلومترات…
وينقل ديبلوماسيون وباحثون اوروبيون عن الاميركيين ان اي عملية عسكرية اسرائيلية مجنونة ستكون نتيجتها الفضيحة او الكارثة. الدولة العبرية لا تستطيع ان تتحمل اياً من الحالتين…
واشنطن قالت للاسرائيليين انه حتى لو حققت الغارات نجاحات جزئية، فإن طبيعة النظام في ايران لا تتحمل ضربة من هذا القبيل، وهو لم يكدس مئات آلاف الصواريخ من اجل ان تبقى في المخازن، لا بل ان النظام يسقط تلقائيا ان عض على الجرح. هل باستطاعة اسرائيل ان تتحمل مئات الاف الصواريخ، حتى ولو كانت الصواريخ العمياء؟
منذ البداية كان البيت الابيض يقول بـ «مفاوضات حول الموقد «لا» مفاوضات حول البركان»، وهو ما حمل بعض الساسة المتشددين في اسرائيل، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو، على التفكير بأن ادارة باراك اوباما انما تغض الطرف عن حيازة طهران القنبلة لان من شأن ذلك اتاحة المجال امام الادارة واستثمار المخاوف الخليجية الى ابعد مدى، ومع اعتبار ان القنبلة لا تصنع للاستعمال وانما لاحداث معادلات استراتيجية ضاغطة او رادعة…
واللافت ان معلقين اميركيين شديدي الارتباط بتل ابيب (فرانك غافني وويزلي برودون ويؤازرهما مايكل روجرز رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب) اذ يتهمون اوباما بالخوف او بالتواطؤ يعتبرون ان الادارة تعطي الاولوية الان للقنبلة الايديولوجية على القنبلة التكنولوجية. الخطر الآن «داعش»، وهو التنظيم الذي لا بد ان يتناسل، بحكم تركيبه العضوي او الجيني، ويهدد بتقويض كل المصالح الاميركية في المنطقة…
في البنتاغون يعتبرون انه لا بد من اتفاق مع ايران بعد تحييد البرنامج النووي و ايجاد حل تفاوضي له. وما ينشر وما يقال لا يدع مجالاً للشك في ان الاميركيين يرون استحالة استيعاب التنظيم او تحطيمه دون تنسيق بعيد المدى مع ايران لان الانتشار الافقي و العمودي لـ«داعش» اكثر تعقيدا بكثير من ان يتم التعامل معه من السماء فقط. لا بد من الارض…
بانتظار 24 تشرين الثاني وما حوله وما بعده اذا ما اخذنا بالاعتبار من يعارض ومن يهدد. الكلمة الاخيرة للمصالح الاميركية، وسواء حكم الجمهوريون ام حكم الديمقراطيون…
نبيه البرجي