تنكبّ مراكز دراسات استراتيجية في دولة العدو الاسرائيلي على تقييم تداعيات الحرب السورية الراهنة، وتنطلق كلها من مُعطى أساسي تتفق عليه، ألا وهو أن هذه الحرب حوّلت المقاومة اللبنانية التي يمثّلهاحزب الله من حالة كان يسعى كيان العدو إلى محاصرتها شمال نهر الليطاني بمجموعة من أدواته العاملة في الواقع السياسي اللبناني، إلى قوّة إقليمية، ليس فقط على مستوى التأثير والتأييد الشعبي لها، وإنّما أيضاً كقوّة فاعلة بشكل مباشر سياسياً وعسكرياً، وأنّها تمكّنت من تجذير موقف القيادة السورية المعادي لوجود الكيان الاسرائيلي، وأن هذه المقاومة حوّلت سوريا من دولة ترعى حزب الله في لبنان، ومن الممكن التفاوض معها على بعض الخيارات، إلى دولة تلعب رأس الحربة في محور المقاومة تقاتل تحت شعارات حزب الله، وأن هذا المحور بات يمتلك خبرات قتالية وأسلحة بالغة التطوّر، تضاف إلى متانة وصلابة قوّته المستمدّة من متانة وصلابة الموقف الايديولوجي الصّارم المعادي جذريّاً لوجود كيان العدو.
وتذهب بعض الاستنتاجات التي تقدّمها مراكز الدراسات تلك إلى أبعد من ذلك، فهي ترى بأن خط المقاومة بات قاب قوسين أو أدنى للانتقال إلى حالة الهجوم على الكيان الصهيوني، بعد أن تعمّد تحالف القوى المناهضة لهذا الكيان بالدّم. وأن هذا التحالف الذي بات يشكل جداراً صلباً قضى على إمكانات ممارسة أية ضغوطات عليه من تلك الدول المسماة “دول الاعتدال العربي”، وهي الدول التي كان يستخدمها الغرب ودولة العدو لضبط إيقاعات سياسته الإقليمية، فإن هذا المحور، وتبعاً لعدد من التطورات والأحداث التي حصلت في هذه الحرب، أتاح للكرملين فرصة تاريخية لضبط العصب القومي الروسي، حيث استفادت القيادة الروسية من صلابة موقف القيادة السورية المدعومة من محور مقاومة الاحتلال الاسرائيلي والابتزاز الاميركي، ووظّفتها في الداخل الروسي ممّا أضفى على هذه القيادة صدقيّة عالية تجاه جمهورها، من جراء صحّة خياراتها وقراراتها في السياسة الدولية.
وجد الكرملين، وعلى إيقاعات الانتصارات الميدانية التي يحققها محور المقاومة في هذه الحرب، وجد فرصته لإعادة ضبط إيقاع العلاقات الدولية، بما يضمن لروسيا موقعاً استراتيجياً في التوازنات الدولية، وللثأر من عقدين من المهانة القومية والابتزاز السياسي الذي عانى منه المواطن الروسي بعد انحلال الاتحاد السوفياتي. حتى أن إحدى الدراسات الاستراتيجية الاسرائيلية وصلت إلى الإشارة لما أسمته “التعارف ما بين الله الروسي وإله نصرالله”، بأن العصبية القومية الروسية، وامتداداتها السلافية في عموم أوروبا الشرقية، قد تعيد الاعتبار لـ”الله السلافي” والذي، بعد اختباره لـ “إله نصرالله”، لن يكون أقلّ قسوة على اليهود إذا ما استمرّت الأمور في سوريا تجري على الوتيرة نفسها.
د.محمد نعمة فقيه
للتواصل مع الكاتب:
http://mohamadfakih.fakihlibrary.net/