إن واحدة من أعظم أسرار الكون هي المادة التي صنع منه، سكان العالم يشاهدون مادة محسوسة ولكن هذه المعرفة غير مكتملة أغلب المجرات galaxies تدور بسرعة ينبغي أن تجعلها تطير فتبتعد الواحدة منها عن الأخرى fly apart إذا ما كان يمسك هذه المجرات هي قوة الجاذبية فقط، الفيزيائيون يعتقدون بأن الكون ممتلئ بما يسمونه بالمادة السوداء غير المرئية invisible dark matter وتتكون من جزيئات تختلف جدا عن جزيئات المادة المرئية وإن جاذبية المادة السوداء هي التي تمسك كل تلك المجرات.
واليوم هناك فريق من العلماء يعتقد بأنهم عثروا أخيرا على دليل يثبت وجود هذه المادة الشبحية، ghostly material ، بيرجيورجيو بيكوزا من جامعة روما مع زملائه بدأوا بالبحث والتقصي عن اللغز الثاني العظيم second great mystery وهو لماذا يوجد الكون؟ الانفجار الكبير the big bang خلق كميات متساوية من المادة matter والمادة المضادة.
بعد هذا التعريف المقتضب(2). للمادة المظلمة أنتقل لقوله تعالى: {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكناً ثم جعلنا الشمس عليه دليلا} (الفرقان 45) {ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيرا} (الفرقان 46) الذي يشير بشكل واضح إلى وجود تلك المادة (الظل)، وإلى الطريقة التي تمكننا من التثبت من وجودها بالنظر لكونها غير مرئية، إضافة إلى المراحل الثلاث التي مرّت بها عبر الزمن.
ورد الظل في القرآن الكريم تحت ثلاثة معان:
أ- بمعنى المادة المظلمة وهو موضوع بحثنا وقد ورد حصرا في الآية 45 و 46 من سورة الفرقان: {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكناً ثم جعلنا الشمس عليه دليلا}، {ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيرا} (سنبحث بالتفصيل في هاتين الآيتين لاحقا).
ب- بمعنى الفيء الذي تشكله الأشياء المادية عند حجبها أشعة الشمس كما في قوله تعالى: {أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤا ظلاله عن اليمين والشمائل…} (النحل 48)، {والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا…} (النحل81)، {…وظللنا عليهم الغمام…} (الأعراف 160)، حيث ان الأشياء التي خلقها الله (ما خلق الله من شيء، مما خلق، الغمام) هي سبب وجود الظل، وهي ظاهرة طبيعية بسيطة يستفاد منها بأن الظل أو الفيء هو نتيجة لحجب تلك الأشياء أشعة الشمس وليس مادة مستقلة موجودة بحد ذاتها كما المادة المظلمة، وهذا واضح في قوله تعالى: {هم وازواجهم في ظلال على الأرائك متكؤون} (يس 56)، {متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا} (الإنسان 13)، {ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا} (الإنسان 14)، {وظل ممدود * وماء مسكوب} (الواقعة 30 و31)، فأصحاب الجنة لا يرون الشمس لوجودهم في الظلال المشكلة بعد حجب أشجار الجنة لأشعتها.
أما قوله تعالى {ولا الظل ولا الحرور} (فاطر 21) كما في {ولا الظلمات ولا النور} (فاطر20) حيث تم وضع الظل كنقيض للحر كما الظلمات نقيض للنور فهو للدلالة على أن الظل (الفيء) والحر من الأضداد، وأنه من نعم الله التي وهبنا اياها للتفيء واتقاء حر أشعة الشمس.
نلاحظ أنه في جميع الآيات التي ورد فيها الظل بمعنى الفيء تم تحديد ما يشير إلى هذه الظاهرة الطبيعية سواءا بذكر الأشياء المسببة له (خلق الله، الغمام، أشجار الجنة) أو الأشياء المضادة له (الحر)، بعكس الظل بمعنى المادة المظلمة الذي اختلفت الدلائل للتعريف به حيث لم يتم ذكر أي شيء مسبب أو مضاد له باعتباره مادة مستقلة بذاتها ناهيك عن ورود تلك الدلائل في آيتين كاملتين مما يدل إلى فرادة وأهمية هذه المادة.
ج- إحدى صور عذاب الآخرة وقد إختلف من حيث النص عن الظل بمعنى المادة المظلمة والظل بمعنى الفيء لوروده محددا ماهيته وذلك في قوله تعالى: {لهم من فوقهم ظلل من النار…} (الزمر 16) {وظل من يحموم} (الواقعة 43) {انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب} (المرسلات 30) ففي الآية الأولى تم تحديد ماهية الظل على انه من النار، وفي الثانية على انه من يحموم، وفي الثالثة انه ذو ثلاث شعب، وبالرغم من عدم وضوح ما المقصود بالثلاث شعب في الآية الأخيرة الا انه يستفاد من السياق الذي أتت من ضمنه الآية أن الظل ذو الثلاث شعب هو أحد أشكال عذاب الآخرة كما يتبين من قوله تعالى: {ويل يومئذ للمكذبين * انطلقوا إلى ما كنتم تكذبون* انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب * لا ظليل ولا يغني من اللهب} (المرسلات 31،30،29،28).
وبالعودة إلى موضوعنا نلاحظ أن الظل المقصود في الآية 45 من سورة الفرقان: {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكناً ثم جعلنا الشمس عليه دليلا} هو المادة المظلمة وليس الفيء أو إحدى صور العذاب، ذلك أن عندها يصبح قوله تعالى {ثم جعلنا الشمس عليه دليلا} من دون معنى، فالعلماء بعد اكتشافهم المادة المظلمة بطريقة غير مباشرة كما ذكرنا أولا نجحوا في تحديد مكانها نظريا (تشكل هالة كبيرة حول معظم المجرات هي سبب مباشر في ثبات الكواكب ضمن المجرة وعدم تناثرها في الفضاء نظرا لضعف جاذبية مركز المجرة ومجرتنا درب التبانة ليست استثناءاً)(3) ومن ثم تثبتوا من وجودها بعدما لاحظوا أشعة الشمس المنبعثة من المجرة تنحرف عن مسارها بعد دخولها في سحابة المادة المظلمة(4) (كانحراف الضوء عند دخوله الماء) فالشمس هي بالتالي الدليل المباشر الوحيد على وجود المادة المظلمة(5)، أو الظل كما جاء في الآية الكريمة، بالنظر لكونها غير مرئية ويصبح عندها قوله تعالى {ثم جعلنا الشمس عليه دليلا} واضحاً وجلياً.
تبعا لما تقدم، تم تصنيف الظل (المادة المظلمة) من المواد لحمله جميع خصائص المادة من حجم ووزن وإمكانية حرف أشعة الشمس، فالمادة المظلمة باتت الآن مرشحة لتحتل مكانا كعنصر جديد على الجدول الدوري للعناصر (جدول مندلييف)(6).
إضافة لكون الشمس هي الدليل للتثبت من وجود الظل، يفيدنا قوله تعالى {ثم جعلنا الشمس عليه دليلا} أيضاً عن المرحلة الثانية المباشرة، التي تلت المرحلة الأولى من إمتداد الظل {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل} في الكون على أثر الإنفجار الكبير(7) The Big Bang، فخلال هذه المرحلة الثانية جعل الله تعالى الظل {ثم جعلنا} قادراً على حرف أشعة الشمس، وهنا إستخدام حرف العطف {ثم} دليل على أن مرحلة الجعل قد تلت مرحلة إمتداد الظل في الزمن.
فالجعل الذي يعني هنا التغيير في طبيعة المادة هو للظل وليس للشمس كما يتبين من قوله تعالى {ولو شاء لجعله ساكناً} فالضمير في جعل يعود للظل الذي لم يشأ الله أن يجعله ساكناً وإنما كانت مشيئته بجعله قادراً على حرف أشعة الشمس بحيث تصبح الشمس دليلا عليه، فنفهم من ذلك أن الظل قد مرّ بمرحلة تغيّرت فيها طبيعته من طبيعة غير قادرة على حرف الشمس إلى طبيعة أخرى قادرة على ذلك:
يتبين أن الآية 45 من سورة الفرقان {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكناً ثم جعلنا الشمس عليه دليلا} قد نصّت على المرحلتين الأولى والثانية (الإمتداد والجعل) اللتين مرّ بهما الظل عبر الزمن، أما الآية 46 من سورة الفرقان {ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيرا} فقد نصّت على المرحلة الثالثة والأخيرة (القبض) التي تلت مرحلة الجعل، كما يدل على ذلك ورود حرف العطف {ثم} في بداية الآية.
فخلال هذه المرحلة الثالثة (القبض)، وهي مرحلة تشكّل المجرات، تبدّلت حالة المادة المظلمة (الظل) التي، وبعد إمتدادها وتكثفها في الكون بفترة متمادية من الزمن (حوالي 200 مليون سنة)(10)، بدأت بالإنقباض والتكتل حول نواة المجرات على شكل هالة(11) بحيث لعبت جاذبيتها دوراً مهماً في إطلاق عملية تكوّن النجوم والكواكب وثباتها ضمن تلك المجرات، فلولا المادة المظلمة لما تشكّلت المجرات ولما وجدت الحياة في هذا الكون(12).
والدليل على ذلك إستخدام فعليّ مدّ و قبض وهما من الأفعال المتضادة، ففعل مدّ في {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل…} يفيد حركة بسط الظل وإمتداده (عند نشأة الكون على أثر الإنفجار الكبير) كما في قوله تعالى {وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وانهارا…} (الرعد 3)، {والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي…} (الحجر 19)، {لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم…} (الحجر 88)، أما فعل قبض في {ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيرا} في الآية التالية فهو إشارة إلى عملية مضادة لعملية البسط والإمتداد أي تكتل الظل وإنقباضه (بعد حوالي 200 مليون سنة من الإنفجار الكبير)، كما في قوله تعالى {…والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون} (البقرة 245)، {…يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون} (التوبة 67)، {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما وحسورا} (الإسراء 20)، فنلاحظ في الآية الأخيرة كيف أن الله تعالى وصف عملية قبض الأيدي بالأغلال التي تحيط بالعنق، في صورة مماثلة لهالة المادة المظلمة (الظل) التي تقبض أو تحيط بالمجرات.
فالقبض في قوله تعالى {ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيرا} يعني إذاً الضغط الذي تمارسه جاذبية المادة المظلمة حول المجرات في الكون، وهو بالمناسبة {قبضاً يسيرا}، أي قليلاً كما في قوله تعالى {ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا} (الأحزاب 14)، {فسوف يحاسب حسابا يسيرا} (الإنشقاق 8).
مع الإشارة إلى أن القبض الذي لم يرد تحديد لحالته بشكل صريح، يكون قبضاً عظيماً بالضرورة كما في قوله تعالى {…والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون} (البقرة 245)، {…يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم…} (التوبة 67)، ذلك أن الله تعالى حين يقبض ويبسط يكون قبضه عظيماً بالضرورة وكذلك بسطه، كما أن الذين يأمرون بالمنكر يكون قبضهم لأيديهم عظيماً وليس يسيراً أبداً.
المادة المظلمة (الظل)، إنها تلك المادة التي طالما حيّرت علماء الفيزياء والفلك منذ بداية القرن الماضي، فهي الموضوع الذي تدور حوله العديد من مراكز الأبحاث العلمية حول العالم إلى درجة إرسال وكالة الفضاء الأمريكية NASA مسباراً فضائياً مخصصاً لبحثها. أما بعضهم فقد ذهب إلى حد وصفها بالوسيلة التي يتحكم الله من خلالها بالكون باعتبارها تلك المادة الغير مرئية التي لا مثيل لها والتي تحيط بكل شيء من أصغر ذرة إلى أكبر مجرة. وأما البعض الآخر، وتطبيقاً لقاعدة أن لا شيء يختفي من الكون وإنما يتحول إلى هيئة جديدة، فقد إعتبرها الشكل البدائي للمادة الذي يقبع في أساس المواد جميعاً بحيث تعود تلك الأخيرة عند إندثارها أو موتها إلى هيئتها الأولى، إلى تلك المادة المظلمة.
هذا الموقع يستخدم الكوكيز. من خلال الاستمرار في استخدام هذا الموقع ، فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط. تفضل بزيارة سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط . موافق