الزيارة التي قام بها علي شمخاني رئيس المجلس الاعلى للامن القومي الايراني الى
بيروت نهاية الاسبوع الماضي حملت جملة من الرسائل السياسية تخللتها بعض المفاجآت من
النوع التي تصنعه تحركات المصادفة، كاللقاء الذي حصل بين شمخاني والسفير الاميركي
في بيروت ديفيد هيل عند الرئيس نبيه بري، وعلق عليه بري ممازحا «كونه محظوظا، جمع
الاميركيين والايرانيين في دارته، والهدف واحد: دعم الجيش اللبناني»، في اشارة الى
التقديمات التي يسلمها الاميركيون للجيش من اسلحة ومعدات تصل تباعا وكذلك اعلان
الايرانيين عن عزمهم تقديم هبة عسكرية للجيش تدعيما له في حربه ضد الارهاب، كما قال
شمخاني.
الهبة الايرانية التي رحب بها الرئيس تمام سلام ـ كما في كل هبة تقدم للجيش من
اي جهة باستثناء اسرائيل ـ بدأت تثير بعض الاشكاليات القانونية، لاسيما عند اعلان
وزير الدفاع سمير مقبل عزمه زيارة طهران لتوقيع عقد قبول الهبة وللاتفاق على آلية
نقلها الى الجيش اللبناني.
النوايا الايرانية للوقوف الى جانب لبنان واضحة في هذه المرحلة، وقد التمسها
بوضوح رئيس الحكومة تمام سلام في لقائه مع الرئيس الايراني حسن روحاني على هامش
اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك، وطالب سلام روحاني بالمساعدة في
اجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان كونه يدرك مدى تأثير ايران على مجرى الاحداث،
لاسيما في العلاقة المتميزة التي تربطها مع حزب الله ومعظم قوى 8 آذار بشكل عام،
وهذه القوى لا تحضر الى مجلس النواب في موعد جلسات الانتخاب مما يعطل النصاب الذي
يجب ألا يقل عن ثلثي اعضاء البرلمان.
وزيارة شمخاني الى بيروت تحمل هي ايضا خلفيات انفتاحية لكون شمخاني معروف
بصداقاته مع المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الاعتدال (وهو ينتمي الى احد
قبائل الاهواز ذات الاصول العربية) وهو بالتأكيد ليس استفزازيا للقوى المعارضة
للسياسة الايرانية منذ ان كان وزيرا لدفاع ايران ايام الرئيس الاصلاحي الاسبق محمد
خاتمي وهو لا يطل على المنطقة العربية ـ ومنها لبنان ـ إلا في الاوقات التي تنوي
فيها ايران تطبيع علاقاتها مع الجوار العربي.
الهبة العسكرية الايرانية للجيش اللبناني تثير اشكاليات قانونية من الطراز
الرفيع، والاتفاقية التي ينوي وزير الدفاع اللبناني توقيعها مع الجانب الايراني
تتعارض مع مندرجات قرار مجلس الامن الدولي رقم 1747 تاريخ 24/3/2007 الذي فرض
عقوبات دولية على ايران وحذر الدول الاعضاء في الامم المتحدة من اي تعامل عسكري مع
طهران، بما في ذلك عدم توقيع اي شكل من اشكال العقود العسكرية ومنع توريد السلاح
اليها او استيراد سلاح منها عبر الحدود الدولية.
لا توجد شكوك بالنوايا الايرانية بمساعدة الجيش، ومن مصلحة لبنان فتح صفحة من
التعاون مع السلطات الايرانية برئاسة حسن روحاني، ولبنان يحتاج الى التعاون مع جميع
الاطراف الاقليمية والدولية المؤثرة في هذا التوقيت العصيب الذي يمر به وليس من
مصلحة لبنان ايصاد الابواب امام مبادرات التعاون والمساعدة، وعلى وجه الخصوص الآتية
من ايران ذلك ان رفض لبنان لهذا التعاون يخلق لحكومته مصاعب كبيرة.
الاشكالية القانونية التي تخلقها عملية قبول الهبة العسكرية الايرانية كبيرة
جدا، وقد يدفع لبنان اثمانا مضاعفة عن قيمة الهبة فيما لو اقدم على توقيع عقد عسكري
مع السلطات الايرانية مخالفا بذلك مندرجات القرارين الدوليين 1737 و1747 اللذين
يعتبران اي تعامل عسكري مع السلطات الايرانية مخالفة للقانون الدولي.
لبنان في هذه المرحلة بالذات يحتاج الى مساعدة دولية اكثر من اي وقت مضى، وهو لا
يستطيع القيام بأي من المجهودات الاستثنائية الضاغطة المفروضة عليه من دون المساعدة
الدولية، لاسيما في ملف النازحين السوريين الكبير والشائك، وفي موضوع الجنوب المهدد
باستمرار من الاعتداءات الاسرائيلية، لولا الدور الذي تلعبه قوات اليونيفيل
الدولية، وفي ملف الاستقرار الداخلي، حيث لا يتنكر احد الى اهمية مظلة الامان
الدولية فوقه ولو كانت غير كافية.
بين الخلفيات السياسية للمبادرة الايرانية بتقديم المساعدة للجيش اللبناني وبين
الاشكاليات القانونية التي قد تستقدمها هذه المبادرة، بما في ذلك الثمن الذي قد
يدفعه لبنان كعقوبات تفرض عليه جراء مخالفته لقرارات الشرعية الدولية، مسافة لابد
من التأني في مشيها ولا يجوز التهور في مثل هذه الاوقات.