لا شيء يلوح في الأفق عن أنّ رئيس الجمهورية سوف يُنتخب غداً أو بعد غد أو قريباً، رغم أنّ سياسيين ورجال دين كُثر يتحدّثون عن ضرورة انتخاب الرئيس في أسرع وقت ممكن، لا سيما في هذه المرحلة بالذات التي يُواجه فيها لبنان أزمات عدّة تستدعي أن تمارس االمؤسسات العامة دورها شرعياً، من دون تمديد أو تجديد أو توكيل. فبعد إخفاق للمرة الثالثة عشرة في اكتمال النصاب القانوني لجلسة الانتخاب التي تتطلّب حضور 86 نائباً أي ثلثي أعضاء المجلس البالغ عددهم 128، أرجئت الجلسة الى 29 تشرين الأول الحالي، على أن يتمّ استدعاء النوّاب في حال حصول أيّ طارىء قبل هذا التاريخ.
رغم ذلك يجد مصدر سياسي أنّه «يجب انتخاب رئيس الجمهورية هذا الشهر قبل حلول تشرين الثاني وتمديد مجلس النوّاب لنفسه، هذا التمديد الذي أصبح واقعاً مفروضاً علينا في ظلّ عدم التوافق بين فريقي 8 و14 آذار، علماً أنّ اتفاقهما أدّى الى تشكيل حكومة الرئيس تمّام سلام الحالية. ولهذا فلا بدّ من إيجاد باب ما للدخول منه وصولاً الى الانتخاب».
ولعلّ ما جرى التداول به إثر لقاء روما الذي جمع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، ورئيس الحكومة السابق النائب سعد الحريري بأنّ «اللقاء تخلّله مطلب انسحاب مرشح 14 آذار من دون أي شروط وذلك من أجل تسهيل عملية الإنتخاب»، إذا كان حصل فعلاً أو لم يحصل، يستحقّ، بحسب المصدر، أن يُشكّل مدخلاً لحلّ مسألة انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية.
في المقابل، إنّ تأكيد المسؤولين على عدم جواز إجراء الإنتخابات النيابية قبل الرئاسية (والتي لم تحصل في موعدها)، يُحتّم على النوّاب انتخاب الرئيس قبل «التمديد» لأنفسهم مرة جديدة ليُصار بعد هذا الانتخاب الى إجراء إنتخابات نيابية «شرعية» وفق قانون جديد للإنتخاب يتمّ التوافق عليه بين جميع الأفرقاء. علماً أنّ النائب نقولا فتوّش قد تقدّم باقتراح قانون للتمديد للمجلس النيابي، حدّد فيه مدة سنتين وسبعة أشهر، أي عملياً إكمال ولاية ثانية للمجلس الحالي الذي سبق وأن مدّد لنفسه سنة وخمسة أشهر تنتهي في 20 تشرين الثاني المقبل.
أمّا في حال عدم التمكّن من انتخاب الرئيس في الجلسة الرابعة عشرة المقرّرة أواخر هذا الشهر، ولا في الجلسة التالية التي يتوقّع تحديدها في تشرين الثاني، فإنّ تمديد المجلس النيابي لنفسه سوف يتمّ قبل انتخاب الرئيس. ويقول المصدر نفسه إنّه إذا وصلنا الى هذا التاريخ من دون الاتفاق على «رئيس توافقي» يرضي جميع الأطراف، فهذا يعني أنّ الأمور خلال الفترة الممدّدة ستبقى على ما هي عليه، الى حين الإتفاق على اسم الرئيس وإجراء الانتخاب. على أن يُصار بعد الانتخاب الى إجراء الانتخابات النيابية، وتشكيل حكومة جديدة.
ولأنّ البلاد تواجه تحديات وأزمات عدّة تتمثّل بطرق الإرهاب حدوده، ووصول عدد النازحين السوريين اليه الى نحو مليوني نازح فضلاً عن تدنّي مستوى المعيشة بسبب الأعباء التي يتحمّلها لبنان وتفوق قدرته وطاقاته وإمكاناته، يبدو أنّ الحاجة باتت ملحّة جداً، الى انتخاب رئيس للبلاد، وعدم تفويت الفرصة مرة جديدة، على ما يرى المصدر، وبحسب ما يؤكّد عليه موفدون من الخارج، رغم أنّ الأولوية أمام دول العالم اليوم هي لـ «القضاء على داعش»، قبل أي شيء آخر، لا سيما وأنّ هذا التنظيم المتطرّف يُهدّد جميع الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وأستراليا والمانيا، ويُنفّذ تهديداته عن طريق قتل أو ذبح مواطنين أميركيين وبريطانيين سبق وأن اختطفهم إن في العراق أو في سوريا. الى أن وصلت تهديداته أخيراً الى حاضنة الفاتيكان واعداً بـ «فتح روما وكسر صلبانها وسبي نسائها»، وكأنّ «الدنيا سايبة».
فدول الخارج تُشدّد على أنّ وجود رئيس للبلاد يقول المصدر يُسهّل عليها التعاطي مع لبنان، ومدّ يدّ المساعدة له أمام كلّ المحاولات الساعية الى زعزعة أمنه واستقراره، وأنّه إذا كان لا يريد أن يصبح ملاذاً آمناً للإرهابيين، فعلى نوّابه عدم تفويت الفرصة تلو الأخرى أمام انتخاب الرئيس الجديد للبلاد، بل السعي الى إيجاد مرشّحاً لا يستفزّ فريق سياسي دون الآخر.
رغم ذلك لا يخشى المصدر نفسه من «فقدان المسيحيين» لهذا المنصب، خصوصاً وأنّ لبنان هو البلد العربي الوحيد في منطقة الشرق الأوسط الذي يتمتّع برئيس مسيحي ماروني، وبات هذا الموقع مهدّداً من كلّ التنظيمات المتطرّفة التي تعمل من إجل إحلال «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، أو بالأحرى «الإسلام المتشدّد» دون سواه في دول المنطقة ككلّ. وهذا سبب إضافي وملحّ لعدم تخلّي المسيحيين عن دورهم في عدم التفريط بهذا المنصب، لأنّ وجود رئيس من شأنه إحباط مشروع الدولة المتطرّفة، على الأقلّ في لبنان.
من هنا، يُطالب الخارج بإيلاء هذا الموضوع الأهمية اللازمة لما قد يُساعده موضوع انتخاب رئيس للبلاد في تحالفه الدولي ضدّ الإرهاب، وتحديداً ضدّ التنظيمات المتطرّفة التي تستغنم فرصة «الشغور الرئاسي» في لبنان، لاستكمال مخططاتها وحلمها بـ«الدولة الإسلامية» التي تهدف الى نزع المسيحيين من هذا الشرق رغم أنّهم أساس تكوينه.
وشدّد المصدر على أنّه لا شيء يجب أن يُلهي النوّاب، أو يثنيهم عن أداء دورهم، لا التنظيمات المتطرّفة، ولا المماحكات السياسية، لأنّ الوقت الحالي يفرض التضامن والوحدة بهدف إنقاذ البلاد من كلّ المخططات الجهنمية التي تُرسم له، ولعلّ الوعي هو أكثر ما هو مطلوب من السياسيين ورجال الدين كافة في المرحلة الراهنة.
دوللي بشعلاني