أيام اقتراح قانون التعديل الدستوري الذي قدمه عشرة نواب من تكتل الإصلاح والتغيير
ويقضي بانتخاب الرئيس مباشرة من الشعب.
ودخل هذا الاقتراح بازار التجاذب السياسي ولاسيما بين
التيار الوطني الحر وخصومه وسط شكوك بإمكان نفاذ مثل هذا الاقتراح، أولا في ظل
تعطيل العمل التشريعي، وثانيا لأنه لا يحظى بتأييد جامع، وثالثا لأن الدخول في
تعديل دستوري من هذا النوع قد يفتح الباب أمام اقتراح تعديلات دستورية أخرى:
1- نواب تكتل الإصلاح والتغيير وأوساط التيار الوطني الحر
يشرحون أبعاد وخلفيات هذه المبادرة مشددين على النقاط التالية:
? عجز المجلس النيابي تاريخيا عن انتخاب رئيس يجسد
الإرادة الشعبية، فالتسويات هي التي أتت بالرؤساء قبل الطائف وبعده.
? الخلل المستمر في التمثيل المسيحي في المجلس النيابي،
بحيث تحول معظم النواب المسيحيين إلى تابعين للكتل الطائفية الأخرى.
? إيجاد الحل لأزمة يمكن أن تتكرر مع كل انتخاب، بحيث
يعطي الاقتراح ديناميكية جديدة لعملية الانتخاب، مع ما يتبعها من تعزيز لموقع
الرئيس وحضوره.
? تحرير موقع الرئاسة من الضغوط الداخلية والتدخلات
الخارجية وإعطاء المسيحيين جرعة من الأمل والثقة بدورهم وموقعهم وحقوقهم.
? الأولوية في الاقتراح ليست طائفية إنما ديموقراطية، أما
الحديث عن دورتين فهو ليس سوى احترام للنظام الطائفي. وليس في الاقتراح تخطيا
للدستور أو تعديلا للطائف، إنما آلية اقتراع بروحية الطائف لا أكثر ولا أقل. وآلية
أو طريقة الانتخاب لا دخل لها بصلاحيات الرئاسة، ولا تعني التحول الى نظام رئاسي.
? المبادرة تشكل حلا دائما وليست طرحا ظرفيا، وهي ليست
اقتراحا مقفلا بل مبادرة للنقاش والبحث تمهيدا للإقرار.
2- قوى 14 آذار قابلت الاقتراح برفض واضح وشنت عليه حملة
عنيفة معتبرة أنه يضرب الميثاق اللبناني والدستور واتفاق الطائف، وركزت ردود فعلها
على النقاط التالية:
? الاقتراح غير جدي وغير مقبول في الظرف الحالي، وهو
تعديل دستوري جذري ويخلق تمييزا بين المواطنين. وهو غير منطقي وغير دستوري ويستحيل
تطبيقه، وهو ما يدركه عون مسبقا لأن هذا الاقتراح يتطلب تعديلا دستوريا وأن يكون
المجلس في دورة عادية، وهذا ما ليس متوافرا راهنا، وبالتالي هدفه هو المزايدة
السياسية.
? هذا التعديل يؤدي الى تغيير النظام من نظام برلماني الى
نظام رئاسي.
? الاقتراح كارثة لأن تعديلا دستوريا من هذا النوع يهدد
المناصفة، والاقتراح مرتبط بأمل أو طموح وصول العماد عون الى الرئاسة من دون الأخذ
في الاعتبار المخاطر التي قد تهدد النظام القائم.
? لا مانع من انتخاب رئيس من الشعب فالدساتير غير منزلة،
لكن يجب فك أسر الطائفة الشيعية ولبنان تاليا من وطأة سلاح حزب الله كي يتمكن
اللبنانيون جميعا من التعبير عن رأيهم بحرية. والاقتراح توقيته ملتبس والغاية منه
الإمعان في تفريغ السلطة.
? مصلحة المسيحيين في انتخاب رئيس بأسرع وقت وليس التلهي
بمسائل جانبية وتحويل الأنظار وافتعال معارك وهمية.
? لا يمكن تعديل الدستور في غياب حاميه أي رئيس
الجمهورية. والهدف من الطرح إيصال لبنان الى مؤتمر تأسيسي طرح من حزب الله من دون
أن يكشف عن مضمونه.
? إذا أمكن حضور ثلثي عدد النواب لتعديل الدستور فمن
الأولى أن ينتخبوا رئيسا للجمهورية بدلا من الاستمرار في التعطيل. والمبادرة خيطت
على قياس عون وهي ليست تعديلا للدستور فحسب، وإنما تعديل للنظام من خلال تحويله من
نظام برلماني الى نظام رئاسي يميز بين المواطنين بحيث يعطى الحق لبعضهم لينتخب
مرتين فيما البعض الآخر يحق له الانتخاب مرة واحدة. وهذا الاقتراح فيه من التهور ما
يفتح الباب أمام أي تعديلات تطالب بها فئات أخرى.
3- لم يسجل أي تأييد للاقتراح من حلفاء عون الأساسيين.
وفي هذا الإطار لوحظ أن حزب الله والنائب سليمان فرنجية لازما الصمت ولم يصدر عنهما
أي تعليق مباشر، فيما نقل عن الرئيس بري أن الاقتراح لا يمكن أن يعرض على مجلس
النواب قبل 21 اكتوبر المقبل موعد بدء الدورة العادية للمجلس، لأن أي تعديل دستوري
يحتاج الى أن يكون المجلس في حالة انعقاد عادي.
وعن رأيه في الاقتراح قال
بري: «من الحكمة والأفضل عدم التعليق». وعبرت مصادر نيابية في كتلة التنمية
والتحرير عن تحفظها على الاقتراح، وعلى رغم إشارتها الى أنها تؤيد أي طرح يؤدي الى
تطوير النظام، شددت على شرط أن يتم ذلك في إطار تفاهم وطني شامل. وتساءلت عما إذا
كان يمكن السير بطرح العماد عون أو غيره من الطروحات في هذا التوقيت بالذات وفي
الظروف السياسية المعقدة التي تمر بها المنطقة.
يمكن القول استنتاجا ان:
– الاقتراح لم يكن موفقا في توقيته، واعترته ثغرة أساسية
في مضمونه تتمثل في طريقة الانتخاب الشعبي المباشر على مرحلتين «مسيحية ووطنية».
– السنة لا يؤيدون أي تعديل أو مس بالطائف والتوازن الذي
أوجده في معادلة الحكم، وانتخاب الرئيس من الشعب مباشرة يعطيه شرعية شعبية وامتيازا
سياسيا وتفويضا معنويا ويدفع عاجلا أم آجلا باتجاه تعديل صلاحيات رئيس الجمهورية.
كما أن فتح باب التعديل في موضوع معين سيؤدي الى فتح أبواب مشرعة أمام تعديلات
شاملة في الطائف.
– الشيعة لا يؤيدون تعديلا دستوريا محصورا برئاسة
الجمهورية إلا في إطار تعديلات شاملة تفضي الى تعزيز موقفهم في السلطة ليصبح
متناسبا مع حجمهم الواقعي…
فإما إعادة نظر في مجمل النظام السياسي أو بقاؤه على
حاله.
– مسيحيو 14 آذار لديهم ريبة من التوقيت ومن طرح تعديل
دستوري في ظل الفراغ الرئاسي، ولديهم خشية من اللعب بقواعد وأسس الطائف، ما يعطي
المسلمين فرصة التحرر من قاعدة المناصفة، في حين أن المسيحيين ليسوا قادرين على
التحكم بلعبة العدد حتى في انتخاب رئيس من الشعب.