ان تكون عربيا، وان تمشي حافيا بين…الالغاز!
من من العرب يعرف الى اين تمضي بنا هذه الاقدام السوداء، والبيضاء؟ بل من من الاروبيين الذين يعيشون ازمة الغروب، او اذا شئتم ازمة ما بعد الغروب، يعرف ما يجول في الرؤوس الاميركية؟
لا احد. الذين يشتمون اميركا على مدار الساعة ويعتبرونها مسؤولة حتى عن هبوط آدم، على كتفي حواء، من الجنة، يستغيثون الآن بالامبريالية الاميركية على انها اكثر رأفة بظهورهم، وبأعناقهم، من بني قومهم. متى يتخذ الله قراراً بالغاء الامة العربية؟
ثمة من يقول ان القرار اتخذ منذ الف عام او اكثر. ربما كان هناك خطأ تقني او خطأ في التسويق حال دون ايصال القرار لاولي الامر. نزار قباني وصفنا بـ«تماثيل الملح» لاننا سنبقى نراوح مكاننا الى الابد. قبائل وعشائر وافخاذ. هل هذه المصطلحات تليق حتى بالدجاج؟ نحن الدجاج الذي ينطق بالعربية…
لا داعي لان تصرخوا، ولان تتكهنوا، ولان تستنتجوا. ثمة من وضع عظامنا في الثلاجة بانتظار ان يصل الدم الى آخر الدم، والى ان تصل الجثث الى آخر الجثث. حينذاك يجلس الكبار ويتقاسموننا ، كما يتقاسم مقاتلو «داعش» الآن السبايا..
من لا يعلم ان الانظمة قتلت خيالنا، وقتلت رجولتنا، وقتلت حلمنا. الآن تنظر الاكثرية الساحقة من العرب الى ابي بكر البغدادي على انه البطل الذي يعيد الينا خيالنا، ورجولتنا، وحلمنا. في الوقت ذاته هو مصاص الدماء الذي يهدم جدران المقبرة التي في داخل كل منا والتي زرعها فينا ذلك الطراز من رجال الدين، وتلك المناهج التربوية التي تليق بالسلاحف، حتى وهي ترتدي سراويل الجينز، وتلك السياسات التي تنقلنا من عار الى عار ومن فضيحة الى فضيحة..
الآن، لا مجال للعبة الاقنعة. كل الذين يصفقون للحكام في النهار يصفقون للخليفة في الليل بانتظار ان تدق الساعة القاتلة. لسنا وحدنا الذين نقول ذلك.عودوا الى الابحاث التي يضعها مفكرون بارزون في الشرق والغرب. هؤلاء يعتبرون ان مجتمعات المنطقة ترى في البغدادي الرجل الذي يحررهم من سوق العبيد. أليست الدولة العربية معظمها سوقا للعبيد؟ وهل يكفي الخبز ايها السيد المسيح وايها النبي محمد، لكي يكون الانسان انساناً؟
مثقفون ويقولون الآن انه من اجل قطع رأس واحد بالسكين ( لاحظوا وحشية بيانات « داعش» حين تتحدث عن حز الرقاب) تهتز الدنيا. قتل ملايين العرب ولم يرف جفن لصحف كبرى، وشاشات كبرى، وكتّاب كبار. الفيلسوف الفرنسي آلان فينكيلكروت لم ير الهولوكست الفلسطيني، بل تحدث عن «المحرقة اليهودية»، متهما العالم، بما فيه الغرب، بتهريب الصواريخ الى الفلسطينيين الذين لم ير فيهم، حتى وهم تحت الانقاض، سوى نسخة عن ادولف هتلر..
أليست ثقافة الغرب، وهي ثقافة القياصرة، شريكة في انتاج ابي بكر البغدادي حين يُترك الفلسطينيون لجراحهم مائة عام، وحين تتوج تماثيل الشمع( او تماثيل الملح)، وحين تستنزف الثروات، على خطى الف ليلة وليلة فيما يعيش مائة مليون عربي تحت خط الفقر ان لم نقل تحت خط…العدم؟
مصيرنا كله معلق على شفتي باراك اوباما، ومستشارته للامن القومي سوزان رايس، ووزير دفاعه تشاك هيغل، ورئيس اركانه مارتن ديمبسي، وها هم يكتشفون، كما لو انهم لا يعرفون ذلك قبلاً، انه لا مجال لوقف «داعش» عند الخطوط الحمر، وليس اجتثاثها ، بواسطة القاذفات او الصواريخ. لا بد ان يهبط الجنود، جنود اوباما وليس جنود الله، من السماء الى الارض…
من لم يعلم ان ابا بكر البغدادي صناعة استخباراتية بالكامل؟ حتى الذوءابتان اللتان تتدليان على كتفيه صناعة استخباراتية. ومن لا يعلم ان مولانا امير المؤمنين هو الوحيد الذي يعلم ما يجول في رأس الرئيس الاميركي الذي لا يفكر البتة في القضاء على «داعش» لانها العصا الاميركية والساطور الاميركي الذي يتم تحريكه كلما اقتضت المعادلات الاستراتيجية ذلك، وقد اخذنا علماً، منذ اندلاع الربيع العربي وحيث حلت الغربان بياقاتها البيضاء محل السنونو، اننا دول افتراضية، مجتمعات افتراضية، انظمة افتراضية..
البغدادي هو الوحيد، من خارج الادارة الاميركية،الذي يعرف ما في رأس اوباما، واوباما هو الوحيد الذي يعرف ، من داخل الكرة الارضية وخارجها، ما في رأس البغدادي. ما علينا، كعرب ، الا ان نمشي، حفاة، بين الالغاز…
الباحث الاميركي آر.ايفان ايلليس يعتبر ان اي محاولة، مهما كانت ضخمة، لاجتثاث «داعش» لن تكون نتائجها الا كمن يقص رؤوس الاعشاب ، ليضيف انه حين يحكى عن «الخلايا النائمة» على ان مكانها في الظل او في العتمة يتناسى القائلون ان المجتمعات بأسرها هي خلايا نائمة وكانت تنتظر الاعصار، اي اعصار، لكي تستيقظ وتمضي معه الى حيثما هو ماض.
حتى حينما يتهم ايلليس الادارة بانتهاج « استراتيجية الكلاب»، اي تلك التي تقوم على النهش لا على السيناريو المتكامل، فهو يعتبر انها اللحظة التاريخية التي لا تحتاج فيها واشنطن لا لمؤتمر يالطا، ولا لمؤتمر هلسينكي، لكي تعيد ترتيب المعادلات في الشرق الاوسط. لا مشكلة في شراكة ايرانية باعتبار ان ايران، وبحكم تركيبها الايديولوجي فضلا عن البنية المعقدة للنظام، قد تكون هي الوحيدة القادرة على ان تلعب باعصاب هادئة، ولكن بالريموت الاميركي.
في هذه اللحظة، كلنا تماثيل الملح و…نتساقط!
نبيه البرجي