في غمرة الانتخابات الرئاسية المعّطلة قسراً منذ ثلاثة أشهر، وفي خضمّ الاحداث الخطيرة والاليمة التي تتعرّض لها الاقليات ومنها المسيحية في المشرق العربي، نستذكر في مثل هذا اليوم بكل فخر واعتزاز وأمل، انتخاب الشيخ بشير الجميّل رئيساً للجمهورية اللبنانية عام 1982.
وشتّان بين الوضع المسيحي قي تلك الحقبة ووضع المسيحيين اليوم في لبنان والشرق. بشير الجميّل، يوم انتخابه رئيساً للبلاد، لم يعد يمثّل فريقاً مسيحياً محدداً ولا فريقاً لبنانياً معيّناً، بل جاء انتخابه انتصاراً لرفض التوطين والتقسيم والتهجير والذميّة والاستقواء والاستضعاف لجميع مسيحيي المشرق العربي من المحيط الى الخليج، كما ثبّت انتخابه الوجود المسيحي في لبنان والشرق، هذا الوجود والتفاعل المستمر منذ أكثر من ألفي سنة. بشير الجميّل لم يُنتخب نكاية بأحد ولا لإرضاء فريق سياسي محلي أو إقليمي أو دولي، بل تثبيتاً لمبادىء وقيم آمن بها هو ورفاقه في المقاومة اللبنانية وفي الجبهة بشير الجميّل لم يستجدِ الرئاسة ولم يسترضِ أحد لا بمنصب و لا بوعدٍ مُزيّف. لم يعقد الصفقات و لم يتنازل عن الثوابت الوطنية التي آمن بها، لم يبعْ ولم يشترِ في سوق السياسة. جُلّ ما فعل، أعلن ترشيحه وبرنامجه في لبنان على الملأ، وذهب الى الطائف ليعرض هذا المشروع على ممثلي عدد من الدول العربية دون لفّ ودوران، ولم يطلب إذناً أو دعماً، بل جاء الدعم المطلق تلقائياً بعدما اكتشف العرب أن رجلاً كهذا بامكانه أن ينهض بلبنان وينهي أزمته ويعيد الأمن والامان الى شعبه لما يتمتّع به من صدق وإخلاص لقضيته ولنظرته الشاملة والصائبة لحلّ الازمة اللبنانية. انتصاره تحوّل الى علامة فارقة في السياسة المحلية والاقليمية. فمسيحييو لبنان اطمأنوا لوصول قائد المقاومة الصادق والشفاف والقوي الذي يثقون به الى الرئاسة الاولى، وشعروا بالأمل من جديد ضامنين بذلك الاستقرار للبنان، كما اطمأن أيضاً مسيحيو المشرق العربي أن لبنان سيبقى ملجأ المضطهدين ومرتعاً للحرية والديمقراطية في هذه البقعة المتفجّرة من العالم. وتفهّمت شؤيحة واسعة من المسلمين لهذا الخيار، تحديداً أولئك الذين كانوا يرفضون الممارسات الشاذة وتسلّط البندقية الفلسطينية على قراراتهم الوطنية. تعاطى بشير فور إعلان فوزه مع مؤيديه كما مع أخصامه أو مقاطعيه بكل هدؤ ومسؤولية ورصانة وشفافية، وفاجأ العديد منهم بزيارته لهم شاكراً لهم عدم مشاركتهم بعملية الانتخاب تثبيتاً لانتصار الخيار الديمقراطي (النائب البير مخيبر وأميل روحانا صقر) ، كما اجتمع الى قائد المقاطعة السنية في المجلس الرئيس صائب سلام، وكان اجتماع ” تفهّم وتفاهم” بين الرجلين، حيث خرج على أثره الرئيس سلام ليقول: ” لقد تفاهمنا على كل شيىء”. ناهيك عن الدعم المطلق الذي أمّنه رئيس مجلس النواب آنذاك، الرئيس كامل الاسعد، لانجاح العملية الانتخابية رغم التهديدات بقصف مقر المجلس المؤقت في ثكنة الفياضية. وأثبت الرئيس بشير خلال واحد وعشرين يوماً وقبل توليه الرئاسة أنه رئيس ليس كبقية الرؤساء، جاء ليُصلح لا ليُكمّل ، جاء لانهاء الازمة لا ليديرها من جديد. قال:”جئت بمهمة محددة، وهي الـ 10452كلم مربع دون زيادة ولا نقصان، جئت حتى لا يتعرّض أبناؤنا كل خمسة عشر سنة الى خضّات وتهديدات، جئت لإنشاء دولة عصرية ،قوية وعادلة ، لا لإدارة المزرعة التي نعيش فيها. فالدولة سندفع ثمنها كما المزرعة سندفع ثمنها، لذا من الافضل أن ندفع ثمن بناء الدولة القوية والعادلة.” أما اليوم ، وبعد 32 سنة على هذا الانتصار الوطني الكبير، لا نرى هذه الايام وفي خضّم هذا الخلاف على انتخابات الرئاسة سوى مساوماتٍ وصفقاتٍ و استرضاءٍ واستقواءٍ بسلاحٍ غير شرعي وبدولٍ اقليمية لا تعرف للديمقراطية معنى، في حين الشرق الاوسط كله على بركان من نار، أن من جهة الربيع العربي الذي تحوّل في بعض تلك الدول الى جحيم، أم الى الهجمة التكفيرية الهمجية التي يقودها متعّصبون متطرّفون لتغيير واجهة الدول العربية ولتهجير أبنائها وسكانها الاصيلين واقتلاعهم من أرضهم. وأتساءل، مَن هو هذا الرئيس الذي سيعيد الأمل والرجاء الى اللبنانيين عموماً والى المسيحيين خصوصاً و الى تلك الشعوب والى الاقليات المعرّضة للزوال في زمن الجنون المذهبي والطائفي. |
||
تعميم المركزي يخفض سعر صرف الدولار؟
بعد أن اصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً يلزم المصارف بالحصول على موافقة مسبقة منه قبل فتح اعتمادات او دفع فواتير...