يكشف ديبلوماسي شرقي بارز في بيروت مقدمات ما سبق الاقتراح الذي ناقشه الكونغرس الاميركي حول اعتبار الاكراد والعشائر السنية في العراق كيانات مستقلة خارج الدولة العراقية، ويقول ان موفدا سعوديا كبيرا قدم مقترحا الى وزارة الخارجية الروسية منذ مدة وجيزة يقضي بتقسيم اليمن والعراق وسوريا وان هذا التقسيم سيشكل بديلا من استمرار الحروب والمجازر كما سيؤمن الحد الضروري من مصالح القوى الدولية والاقليمية ، كما سيؤمن علاجا ما لمسألة الارهاب ويضيف الديبلوماسي الشرقي ان السؤال الاو كان حول الموقف الاميركي من هذا المقترح حيث كان الرد السعودي بانه لم يناقش تفصيليا معهم، لكنهم لن يعارضونه لانهم اصلا في هذا المناخ، كما انهم مستعدون لمختلف السيناريوهات، وهذا واحد منها.
ويؤكد الديبلوماسي الشرقي ان الرد الروسي كان حازما برفض هذا الامر لانه سيدخل المنطقة في حروب قد تمتد الى خمسين عاما مع تهديد للامن الاقليمي والدولي، مع التحذير لناقل الاقتراح، بأن بلاده اي الممكة العربية السعودية لن تكون بمنأى عن هذا السيناريو اذا لم تكن اولى ضحاياه.
خبير في مركز دراسات اميركية في واشنطن يدور في فلك وزارة الدفاع الاميركية يقول ان واشنطن تمك اليوم خيارات متعددة تتعلق في منطقة الشرق الاوسط، بضوء متغيرات الاتفاق النووي الاميركي الايراني، وبضوء عمق التحالف الايراني الروسي، وان هذه الخيارات على اختلافها، ترتكز على ثوابت ان الهامش من الاستفادة من وجود الحركات الارهابية لتحقيق مكاسب ضد الآخرين، كل الآخرين، صار ضيقا جدا وان سياسة رفع اليد عن الدول المصدرة والمولدة للفكر الارهابي بدأت تتغير ، وهو ما تجلى في الحديث المعلن للمرة الاولى على لسان رئيس اميركي هو اوباما، بان انظمة الخليج الحليفة، يكمن الخطر عليها من داخلها بفعل ضيق افق فرص نظامها السياسي، كما الافكار المتطرفة فيها.
ويرى الخبير ان واشنطن قد تسير بخيارات التقسيم، اذا كانت تؤمن مصالحها وتضبط ايقاع الارهاب وتسمح بعدم تفلّته، كما انها قد تسير بتنظيم الاختلاف والمصالح مع قوى فاعلة في المنطقة في مقدمتها ايران، للحفاظ على الامن والنفط والملاحة ، مع اعادة الاعتبار لمنطق الجيوش.
ويقول ان ما جرى في الكونغرس الاميركي لا يعبّر عن وجهة نظر الادارة الاميركية، بل ان السفارة في بغداد ردت بعنف على المقترح التقسيمي، كونه جزء من صراع النفوذ بين الكونغرس والادارة منذ انفجار ازمة الاتفاق النووي مع ايران. ويلفت الخبير المذكور الى الاجتماع المنتظر عقده في كامب دايفيد بين اوباما وزعماء دول الخليج، حيث سيأتي هؤلاء الى طاولة التفاوض بعد ان يكونوا قد جربوا حظهم، ولعبوا اوراقهم الداخلية والخارجية، سواء بالنسبة لترتيب امورهم الداخلية في الحكم ام بالنسبة لحروب اليمن والعراق وسوريا.
وان هذه القمة ستشهد تقييما لكل الخطوات التي حصلت والتي يمكنها ان تكرّس امرا واقعا كما انها ستكون منطلقا لمرحلة جديدة . ان المدة الزمنية الفاصلة بينها وبين توقيع الاتفاق المكتوب مع ايران سيكون شهرا واحدا. وهذا ما يفسر ان الرد الايراني على معظم ما جرى منذ شهر ونيف حتى اليوم يكاد يكود غائبا.
مسؤول اوروبي رافق وزير دفاع بلاده الذي زار بيروت اخيرا، اعتبر ان المنطقة قادمة على متغيرات كبيرة وباكورة مؤشراتها انتقال السعودية من موقع المموّل والمنفّذ الى موقع المقرّر والمبادر، وان الحرب التي تخاض في اليمن يكون لها تأثيرات عى ميزان القوى في كل المنطقة.
ولكن المنطق الذي حكم انطلاقة عاصفة الحزم حسب رأيه، سيكون مؤثرا جدا اذا انتقل الى المشرق وهو سينتقل حتما، ومن هنا بادرت السعودية الى فض الخصام مع تركيا وقطر في الميدان السوري، فوحّدت الفصائل المسلحة المعارضة عبر زيارة زهران علوش الى اسطنبول وهو رمز السعودية الاول في الحرب السورية.
وقد تجلى هذا الامر ايضا بتمويل وتجهيز اللحمة المشتركة السعودية التركية القطرية، في منطقتي ادلب وجسر الشغور.
ويضيف المسؤول الاوروبي، ان العام الحالي سيشهد في سوريا تكريس زعامة داعش في الشرق، اما في الشمال فسيشهد انفصال مناطق في ادلب وحلب عن سيطرة الدولة السورية، اما الجنوب فسيشهد تحركات لجبهة النصرة على الحدود مع الاردن كما ان اسرائيل ستتدخل بفاعلية اكثر لاقامة شريط حدودي شبيه بالشريط الحدودي اللبناني السابق. وهو ما سيضع ارضية عملية لواقع جديد في حال طرح التقسيم في سوريا.
سيناريوهات متعددة بدأ تنفيذها في طبعاتها المتجددة منذ العام 2003، مع الاحتلال الاميركي للعراق وتواصت بعدة محطات اهمها حرب تموز 2006، ومن ثم حروب غزة وصولا الى حرب سوريا المتواصلة منذ اكثر من اربع سنوات الى محطة خلافة داعش وتمددها الى مشارف بغداد قبل دحرها اخيرا، ولم تنته مع حرب اليمن ومن ثم اندفاعة ادلب وجسر الشغور والتغيرات في تركيبة النظام السعودي..
اليوم تقف المنطقة على مفترق بين التدمير والتقسيم او بين اسس جديدة لقواعد مختلفة للعبة سيفرضها ميزان قوى جديد بالضرورة. والسؤال الاساسي ان المحور الذي تكوّن اليوم على مستوى العالم من الصين وروسيا وايران، وصولا الى المقاومات على اختلافها، هذا المحور الذي صمد طوال السنين الماضية في بعض مكوناته وعطل المشاريع الاصلية والملحقة، هل سيقف اليوم عاجزا قبل نقطة الوصول… ام انه يملك ايضا سيناريوهات بديلة ومفاجآت ستقلب الصورة البادية اليوم، ليأتي الاتفاق الاميركي الايراني وسط معطيات مختلفةعما هو حاصل اليوم؟