يعود “مجمع السيدة الزهراء” في صيدا الى الواجهة الأمنية مجدداً، فبعد أن شكل
أرقاً للإرهابي أحمد الأسير ومحور فبركاته التحريضية إبان وجوده في منطقة عبرا، ها
هو اليوم يعود ليكون صلب الخبر، بعد أن أصبح هدفاً أمنياً للخلايا التكفيرية بتحريض
وتخطيط من الأسير أيضاً، وتنفيذٍ من مناصريه الذين باتوا يعملون في مدينة صيدا على
شكل خلايا نائمة تنفذ ما يطلب منها عن بعد.
وفي وقتٍ كانت تخمد فيه نيران المعركة في عاصمة الشمال طرابلس، عملت “ولاعات”
الخلايا الإرهابية النائمة على قدح الشرر في عاصمة الجنوب صيدا ، سعياً نحو إشعال
حريق جديد يستهدف المدينة وأمنها، ومن خلفها سلامة البلد وإستقراره، في إطار الحرب
الأمنية المفتوحة، التي أعلنتها التنظيمات التكفيرية على لبنان.
قد يكون “حسن حظ” كما يقول البعض، وقد تكون “عناية إلهية” كما يقول البعض الآخر،
لكن الأمن لا يعترف بالتعبيرين، وحده النشاط الإستخباراتي والوعي الأمني الدائم،
منح مهندسي الأمن خطوة متقدمة على معدي الخطط الإرهابية، ومكن الأجهزة الأمنية في
معظم الأحيان من مراقبة الخلايا النائمة وتوقع تحركاتها إضافة الى إختراقها ببعض
الأحيان، في سبيل كشف مخططاتها، وهذا ما حصل فعلياً في صيدا نهار الإثنين، بحسب ما
كشفته مصادر أمنية .
سلسلة مداهمات وإجراءات أمنية معطوفة على إنتشار واسع للجيش وتسيير دوريات
شهدتها صيدا في اليومين الماضيين، وفي حين جاءت بيانات الجيش مقتضبة كالعادة تشير
الى ما قامت به وحداته في المدينة من ضبط وتوقيفات، إلا أن السيناريو الذي كشفته
المصادر الأمنية يسلط الضوء فعلياً على الإنجاز الأمني المحقق،
والمخاطر التي كانت ستترتب على صيدا في حال عدم كشف هكذا مخطط بهذه الخطورة، يتضمن
عمليات قصف وزرع عبوات ضد الأفراد إضافة الى إنغماسيين ومحاولة إغتيال بالغة
الخطورة.
تشير المصادر الى أن إكتشاف المخطط بدأ مع رصد حركة نقل أسلحةٍ من مخيم عين
الحلوة، بإتجاه عدة منازل في أحياء صيدا القديمة، حيث جرى تخزينها ونقلها فيما بعد
الى أماكن قريبة من مجمع السيدة الزهراء في المدينة. لتأتي تلك التحركات بالتزامن
مع معلومات إستخباراتية تحذر من هجمات إرهابية قد تشن في صيدا بناء على أوامر من
“جبهة النصرة” بتحريك عدد من الساحات في لبنان لتخفيف الضغط عن الشمال وتشتيت الجيش
اللبناني على عدة جبهات.
وبناءً على ما سبق، قامت الأجهزة الأمنية الرسمية بالتعاون مع جهاز أمن المقاومة
بتنفيذ عملية أمنية بالغة الدقة والخطورة رفضت المصادر الكشف عن تفاصيلها
لحساسيتها، أدت الى إفشال المخطط قبل ساعات من تنفيذه، حيث قامت مخابرات الجيش
بمداهمة منزل الفلسطيني أحمد عدنان شرف الذي لم يكن متواجداً في منزله، وقد عثر
داخل منزله على بندقية كلاشنكوف وقاذف “آر بي جي” مع 17 قذيفة عائدة لها، بالإضافة
إلى عبوتين معدتين للتفجير زنة كل منها كلغ ونصف وصواعق كهربائية وأعتدة عسكرية
مختلفة. كذلك تمت مداهمة منزل الفلسطيني مالك الآغا ( أحد مناصري الأسير)، حيث تم
توقيفه، وضبطت داخل منزله بندقية كلاشنكوف وكمية من الذخائر العائدة لها، وجهازا
لاسلكيا وأعتدة عسكرية متنوعة.
إعترافات “مالك الآغا” أوصلت الأجهزة الأمنية الى كشف مخططين، الأول يستهدف
مراكز للجيش اللبناني عبر قصفها بالقذائف الصاروخية، ومن أهمها مركز مخابرات الجيش
على المرفأ في المدينة، وذلك من أجل فتح جبهات إشتباك مع الجيش تتسبب في إشغاله عن
المخطط الثاني الرامي إلى إستهداف مجمع السيدة الزهراء على مراحل ووفق خطة دموية
شرحتها المصادر الأمنية بالتفاصيل.
وبحسب ما أوضحته المصادر، فقد كان من المقرر تنفيذ عملية مزدوجة في توقيتها تقوم
على هجومين مدروسي المراحل والخطوات، الأول كان مقرراً فجر الإثنين الماضي عبر قصف
المجمع بعدة قذائف صاروخية من تلك التي ضبطت، وذلك لتوجيه رسالة تحدٍ للقائمين على
المجمع والمشاركين في المراسم العاشورائية المقامة فيه، أما الجزء الثاني من
السيناريو فهو يعتمد على ردة فعل متوقعة في هذه الحالة من قبل الناس، الذين
سيشاركون بفعالية أكبر بالمراسم العاشورائية خاصة في الليلة التي تلي الحادثة وذلك
في إطار التحدي للرسالة الموجهة.
تؤكد المصادر أن الشق الثاني من العملية، كان سيتم عبر إستغلال كثافة المشاركين
وزرع عبوات ناسفة على الطرقات المؤدية الى المجمع من أجل تفجيرها أثناء خروجهم ما
سيحدث ثغرة أمنية وحال من الفوضى والصدمة، تسمح لإنغماسيين مجهزين بالتغلغل بين
الحشود والوصول الى داخل المجمع من أجل إيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا. إلا أن
أخطر ما يحمله المخطط بحسب ما كشفته المعلومات، كان نية الإرهابيين محاولة اغتيال
آية الله العلامة الشيخ عفيف النابلسي الذي يشارك في تلك المراسم بشكل يومي إضافة
الى حشد من العلماء ورجال الدين والشخصيات التي تشارك في المراسم العاشورائية في
المجمع بشكل دوري.
مخطط كاد أن يذهب بصيدا نحو الدرك الأسفل من الفتنة المذهبية لو تم، فإستهداف
“مجمع السيدة الزهراء” مع ما يمثله في صيدا من رمزية وخصوصية على يد التكفيريين (في
وقت كان عام 2006 الهدف الأوحد لغارات العدو الصهيوني وما يحمل ذلك من إشارات
وتحليلات)، إضافة الى حساسية إستهداف المجالس العاشورائية في هذا الوقت بالتحديد،
وخطورة التعرض للعلامة الشيخ عفيف النابلسي مع ما يمثله من إعتدال وحدوي في المدينة
وما له من رمزية فكرية إسلامية في المنطقة في وقت هو أيضاً كان هدفاً للموساد
الصهيوني وتعرض فيما مضى لأكثر من محاولة إغتيال فاشلة، كله كفيل بسقوط مدوٍ لمدينة
صيدا في فخ الفتنة وقد يطيح بكامل البلد الذي يتأرجح على حافة الحرب الأهلية بسبب
الإرهاب التكفيري الذي يعصف به.
تختم المصادر الأمنية مطمئنة أهالي صيدا خصوصاً واللبنانيين عموماً الى الوضع
الأمني في المدينة، مؤكدة على أن الإعلان عما كان يحضر يأتي بهدف الإشارة الى
الإنجاز الأمني الحاصل والتحذير مما يخطط للبنان ويتربص به، من أجل خلق مزيدٍ من
الوعي والحرص لدى المواطن، وطمأنته الى وعي الأجهزة الأمنية وحرصها على بذل أي
مجهود مهما بلغت خطورته في سبيل تأمين سلامته، وتؤكد المصادر أن المخطط قد تم
إحباطه والدليل على ذلك هي التوقيفات والمداهمات الجارية والتي أدت بالأمس إلى
اعتقال المدعو ” محمد معين فواز” الذي يعتبر من قياديي تلك الخلية بعد أن تحول
عناصرها الى فارين لا خطة لهم ولا سلاح بحوزتهم، وعليه لا داعي للخوف او الحذر خاصة
من الأماكن التي كانت مستهدفة كـ”مجمع السيدة الزهراء“، فبرأي المصادر “مجرد إنكشاف
تفاصيل المخطط يعني فشله وإستبعاد تكراره.”
سلاب نيوز